في تطور سياسي بارز، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن انسحابه من السباق الانتخابي المرتقب، وهو القرار الذي كان متوقعاً إلى حد ما نتيجة للضغوط الكبيرة التي واجهها بايدن داخل الحزب الديمقراطي، لا سيما بعد الأداء السلبي الذي قدمه في المناظرة الرئاسية الأخيرة مع منافسه الجمهوري دونالد ترامب.
هذه الخطوة فتحت الباب أمام نائبته كامالا هاريس لتكون المرشحة الرئيسية للحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة، ذلك أن بايدن، الذي يعتبر واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيراً في السياسة الأميركية، أعلن تأييده الكامل لنائبته كامالا هاريس للترشح عن الحزب الديمقراطي.
هاريس تحظى بدعم واسع داخل الحزب، ويتوقع أن يكون لها حضور قوي في المؤتمر العام للحزب المزمع عقده في أغسطس المقبل، حيث سيتم ترشيحها رسمياً.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستقدم هاريس مشروعاً ورؤية مختلفة عن رؤية بايدن؟ هذا التساؤل مهم في هذه المرحلة، حيث يتطلع الناخبون إلى معرفة الفرق بين توجهات الرئيس الحالي ونائبته.
الاقتصاد يعتبر أحد أهم الملفات التي ستواجهها هاريس إذا ما أصبحت الرئيسة المقبلة، ذلك أ ن الناخبين يهتمون بشكل خاص بكيفية تعاملها مع القضايا الاقتصادية الملحة، مثل التضخم، والنمو الاقتصادي، وسوق العمل. ومن المتوقع أن تركز هاريس على تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا، بالإضافة إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر عصب الاقتصاد الأميركي.
فيما يتعلق بالتجارة والضرائب والأجور، هل ستتبنى هاريس سياسات تقدمية تهدف إلى تحقيق العدالة الاقتصادية؟ وهل ستشرع في زيادة الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء لتمويل البرامج الاجتماعية؟ وأسئلة أخرى عديدة ترتبط بالسياسات المنتظر أن تتبعها نائبة الرئيس الأميركي حال فوزها في انتخابات نوفمبر.
انتقادات لاذعة
وأشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى الانتقادات اللاذعة التي أطلقتها في العام 2019 كامالا هاريس، التي كانت آنذاك عضواً في مجلس الشيوخ من كاليفورنيا، لاقتصاد ترامب.
وصفت هاريس حينها التخفيضات الضريبية التي أقرها الرئيس دونالد ترامب بأنها "هدية للأثرياء"، وزعمت أن سوق الأوراق المالية المزدهرة كانت تترك الطبقة المتوسطة وراءها، كما أنها حذرت من أن أجندته التجارية المتهورة كانت تضر بالمزارعين في قلب البلاد.
ومما قالته هاريس آنذاك: "بصراحة، هذا الاقتصاد لا يعمل لصالح العمال.. لفترة طويلة جداً، كانت القواعد مكتوبة لصالح الأشخاص الذين لديهم أكثر وليس لصالح الأشخاص الذين يعملون أكثر".
وبينما تستعد هاريس لخلافة الرئيس جو بايدن على رأس التذكرة الديمقراطية للترشح لانتخابات 2024، تواجه الآن تحدي التعبير عن رؤيتها الخاصة لتوجيه الاقتصاد الأميركي الذي لا يزال يعاني من التضخم مع التمييز الحاد والمقارنات المشتعلة مع مرشح الحزب الجمهوري ترامب، الذي وعد بمزيد من التخفيضات الضريبية والتعريفات الجمركية.
- كانت هاريس مدافعة متحمسة عن الأجندة الاقتصادية للبيت الأبيض خلال إدارة بايدن، حيث روجت لفوائد التشريعات مثل خطة الإنقاذ الأميركية للعام 2021 وقانون خفض التضخم للعام 2022.
- لكن بصفتها مدعية عامة وعضوة في مجلس الشيوخ، كانت في بعض الأحيان أكثر تقدمية من الرئيس بايدن، حيث دفعت من أجل الرعاية الصحية الشاملة بينما دعت إلى مزايا ضريبية أكثر سخاءً للأميركيين من الطبقة العاملة ودفع ثمنها بزيادات ضريبية أكبر على الشركات.
في الأسابيع الأخيرة، زعمت هاريس أن زيادات الأجور كانت تتجاوز التضخم، وأن وظائف التصنيع آخذة في النمو وأن الديمقراطيين كانوا يكافحون من أجل التنازل عن ديون قروض الطلاب. وهذه الحجج تنبئ الآن بالقضية التي ستقدمها للناخبين عندما تترشح ضد ترامب.
رؤية مختلفة
بدوره، يقول مدير المركز العالمي للدراسات التنموية في المملكة المتحدة، الدكتور صادق الركابي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه:
- على الرغم من أن كامالا هاريس هي نائبة للرئيس الأميركي جو بايدن، لكنها تمتلك رؤية اقتصادية مختلفة بعض الشيء عنه قد تساعد في تحسين وضع الديمقراطيين خلال السباق الرئاسي بعد انسحاب بايدن منه.
- المعروف عن أجندة هاريس تركيزها على الاستثمار في البنى التحتية؛ لتعزيز الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى اتخاذها موضوع الطاقة النظيفة كمحور أساسي في أجندتها الاقتصادية.
- هاريس تولي اهتماماً خاصاً بالشركات الصغيرة وريادة الأعمال، من خلال برامج الدعم، وتوفير قروض ميسرة، وتسهيلات ضريبية لتحفيز عملها.
- كانت قد أعلنت في وقت سابق عن رغبتها في معالجة الفوارق الاقتصادية، عبر تعزيز فرص التوظيف للأقليات، والمجتمعات المهمشة، علاوة على تحسين التعليم وتوفير الرعاية الصحية بتكلفة معقولة للجميع، فضلاً عن تحسين فرص الحصول على السكن.
- أما في مجال الصناعة فتدعم هاريس التصنيع المحلي، وزيادة الإنتاج للسلع الأساسية، بالإضافة إلى تشجيع الابتكار.
ويستكمل مدير المركز العالمي للدراسات التنموية: سياسة كامالا هاريس تختلف عن الرئيس بايدن من حيث التركيز على المساواة الاقتصادية؛ ففي الوقت الذي كان بايدن يركز على الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة، تولي هاريس اهتماماً خاصاً بالمساواة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية من خلال العمل على تقليص الفجوة الاقتصادية بين مختلف فئات المجتمع الأميركي.
ويتابع الركابي: "في مجال الطاقة تستهدف هاريس خفض انبعاثات الكربون بشكل كبير، وتسريع التحول إلى اقتصاد مستدام بيئياً، عن طريق الاستثمار المكثف في مشاريع الطاقة المتجددة بنسبة أكبر مما خصص لها بايدن"، مشدداً على أن تركيز هاريس على الشركات الصغيرة سيكون له دور مهم ليس فقط في توفير الوظائف، وإنما لتحسين موقع الديمقراطيين في السباق الرئاسي، خصوصاً وأنها ستضيف طابعها الشخصي، وقوتها الناعمة التي ستميزها بشكل كبير عن نهج بايدن.
ويُتوقع أن تعمل هاريس على تحسين الأجور وظروف العمل للطبقة الوسطى والعاملة، بهدف تحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل. هذه الرؤية قد تجد صدى واسعًا بين الناخبين الذين يبحثون عن تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية.
سياسة بايدن
على الجانب الآخر، تقول خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- كامالا هاريس لن تختلف في سياستها الاقتصادية عن جو بايدن؛ لأن فكرهما ضمن مجموعة سياسية معينة، لكن قد تُعدل هاريس من أفكارها نوعاً ما، خصوصاً عندما رأت التفاعلات مع دونالد ترامب.
- الاستقرار الداخلي للولايات المتحدة الأميركية مزعزع الآن بعض الشيء، خاصةً بعد محاولة اغتيال ترامب، واشتعال الملفات الاقتصادية، بجانب التطورات الجيوسياسية حول العالم (والتي تؤثر وتتأثر بها الولايات المتحدة) وبما يلعب عاملاً نفسياً واضحاً بالنسبة للناخبين.
- معظم الشعب الأميركي يؤيد ترامب؛ لنظرته إلى الشأن الداخلي، والاهتمام بتنمية عديد من الملفات الاقتصادية.
- لذلك فإن هاريس قد تضع في اعتباراتها هذه الأبعاد في سياستها الاقتصادية، ومن ثم العمل على توظيف الطاقات والإجراءات اللازمة لدعم الأنشطة الاقتصادية وأسواق المال (..) وغيرها من الملفات.
وتشدد على أن تلك التطورات الواسعة التي يشهدها السباق الانتخابي في الولايات المتحدة تأتي في وقت تتصاعد فيه التحديات الاقتصادية حول العالم، ومع محاولات خفض معدلات التضخم، بالإضافة إلى المخاوف من انخفاض سعر الدولار، وارتفاع أسعار الذهب بمستويات كبيرة جداً؛ بسبب زيادة التوترات الجيوسياسية حول العالم، وهو ما يضفي تحديات على الرئيس القادم.