كشفت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري بالولايات المتحدة الأميركية هذا الأسبوع عن البرنامج الرئاسي للمرشح دونالد ترامب، وهي قائمة مكونة من 20 نقطة من المبادئ التي ستوجه الحزب.
في النقطة الثالثة عشر تعهد الرئيس السابق بالحفاظ على الدولار الأميركي باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم.
وفقاً لتقرير لـ "بيزنس إنسايدر" فإن ولاية ترامب الثانية قد تؤدي إلى تآكل الدور المهيمن للدولار، كما كتب مارك سوبل، رئيس منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية في الولايات المتحدة.
في فبراير الماضي، ذكر سوبل في ورقة بحثية أنه إذا تحقق التهديد، فلن يكون مصدره أجنبياً (خارجياً)، بل إن الخطر المحتمل سوف ينبع من "تدهور حاد" في الظروف الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة، حيث من غير المرجح أن تستقر الأوضاع المالية في عهد ترامب.
وقال الخبير الاقتصادي السابق في وزارة الخزانة الأميركية: "في حين تظل هيمنة الدولار راسخة، فإن ترامب وسياساته تعني ثقة أقل في القيادة الأميركية، وإدارة اقتصادية كلية ضعيفة، وأعباء هائلة على الأسواق لتمويل إمدادات كبيرة من سندات الخزانة".
وشدد سوبل على ضرورة أن تتخلى الولايات المتحدة عن "عجزها الهائل" إذا كانت راغبة في إبقاء مستويات الدين الأميركي قابلة للإدارة على مدى العقود المقبلة، مشيراً إلى عدة عوامل من شأنها أن تؤثر على استقرار الدولار، على الرغم من أنها لا تصل إلى حد منح عملة أخرى فرصة لخلعه من عرشه، ومنها:
- تعهد ترامب بخفض الضرائب بشكل كبير وعدم خفض الضمان الاجتماعي أو الرعاية الطبية.
- وعد ترامب بتطبيق تعريفة جمركية عالمية بنسبة 10بالمئة، وهو ما يتفق معظم خبراء الاقتصاد على أنه قد يؤدي إلى التضخم.
- من المتوقع أن تؤدي خطط الهجرة الجماعية إلى إبطاء النمو في الولايات المتحدة.
- احتياطيات الدولار سوف تنخفض إذا استمرت البيئة الجيوسياسية في التفكك، ويبدو هذا الأمر محتملاً أيضاً في ظل إدارة ترامب.
وفق سوبل، فإنه خلال فترة ولايته الأولى، هدد ترامب بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي وأخرج الولايات المتحدة من اتفاقيات رئيسية، مثل الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، والشراكة عبر المحيط الهادئ.
وتساءل: "على الرغم من تأكيد الحزب الجمهوري على تعزيز التحالفات، هل ستظل الولايات المتحدة شريكا موثوقا به؟ وهل يمكن أن تستمر علاقاتها القوية؟".
واستخدم ترامب العقوبات بشكل أكثر تكرارا من الرئيس بايدن - وكثيرا ما يُستشهد بهذه الممارسة باعتبارها السبب الرئيسي الذي يجعل البلدان الأخرى تتطلع إلى إزالة الدولار من احتياطياتها.
واستبعد سوبل أن تتراجع هيمنة الدولار الأميركي بأي شكل ملموس على مدى السنوات الأربع المقبلة، حتى لو تدهورت هذه الظروف، لكنه قال إن سياسات ترامب نفسها تعيق برنامجه، مستطردًا بأن السياسة والأفعال تتحدث بصوت أعلى من الشعارات.
ويشار إلى أن مؤشر الدولار (الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من العملات) ارتفع بنحو 15 بالمئة في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس بايدن، وفق حسابات موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية".
اتجاهات ترامب الاقتصادية
من جانبها، توضح خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الصراع المحتدم حول انتخابات الرئاسة الأميركية يشير إلى أن دونالد ترامب فرصة فوزه بتلك الانتخابات أعلى، خاصة بعد حادث إطلاق النار الذي أظهر تعاطف الأميركان معه.
وقالت إن ترامب له اتجاهات وأفكار عديدة بشأن الملف الاقتصادي على رأسها:
- التوسع في التجارة الخارجية والاهتمام بجوانب الاستثمار وتنشيط أسواق المال، عبر عديد من المحفزات.
- الاتجاه نحو السياسات التيسيرية.
- مع ارتفاع معدلات التضخم سيكون هناك اتجاه نحو خفض أسعار الفائدة، وهو ما يؤثر على قيمة الدولار بالسلب.
وأوضحت أن خفض الفائدة يرتبط بعوائد سندات الخزانة الأميركية سواء متوسطة أو طويلة الأجل، والتي لديها جاذبية كبيرة للمستثمرين.
وأفادت بأن خفض أسعار الفائدة يسبب ضعف أكبر للدولار، لكن في المقابل ينشط الاستثمار، لافتة إلى أن ترامب لديه خطة قوية لدعم الاقتصاد الأميركي والتوسع خارجيا وزيادة محصلات الخزانة بعد ارتفاع سقف الدين في الفترة الماضية، وهو ما قد يؤتي بنتائج إيجابية من ناحية أخرى.
وذكرت أن أي انخفاض في قيمة الدولار يقابله ارتفاع في قيمة الذهب والعملات المشفرة على رأسها البيتكوين، خاصة وأنها غير مرتبطة بخطط تحفيزية أو قرارات للفيدرالي، موضحة أن اتجاه المستثمرين يكون أكثر نحو الذهب لأن العملات المشفرة عالية المخاطر.
وقالت خبيرة أسواق المال إن السياسات التيسيرية التي قد تتخذها الولايات المتحدة الأميركية لدعم الاقتصاد الأميركي سيكون من ضمنها خطط تحفيزية لزيادة الصادرات إلى الخارج للاستحواذ على الأسواق الجديدة وفتح أسواق كانت بدأت الإغلاق بسبب الحروب والمشاكل الجيوسياسية حول العالم، وأن تلك هي الخطة التي سيتبعها ترامب وأعلن عنها في برنامجه الانتخابي وعودة الخزانة الأميركية إلى قوتها والاقتصاد الأميركي إلى قوته السابقة.
ورأت أن أكبر خطر قد يهدد عرش الدولار حال تولي ترامب الرئاسة مرة أخرى، هو التوسع في الحروب الاقتصادية مع الدول التي تتمتع بتقدم تكنولوجي وعلى رأسها الصين، مشيرة إلى أن بايدن كان قد بدأ يقوي العلاقات الاقتصادية مع الصين والجلوس معها على مائدة مفاوضات، لكن مع وجود ترامب الأمر مختلف، ومن المتوقع أن يعود من جديد للحروب الاقتصادية مع الدول التي أثرت على الاقتصاد الأميركي بالسلب.
وتوقعت أن تراجع هيمنة الدولار سيمنح اليورو الفرصة لأن يتصدر المشهد، لكن ذلك حال توقف الحرب في أوكرانيا وخفض نسبة دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، على أن تكون العملة الأكثر منافسة اليوان الصيني أيضاً.
الهيمنة الأميركية الاقتصادية
وبدوره، أشار رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يارك، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن أي تهديد لعرش الدولار يعني اندلاع حرب عالمية ثالثة، مؤكداً أن أميركا يمكنها الدخول في حرب عالمية في مقابل الحفاظ على مكانة الدولار.
وأوضح أنه في الوقت الحالي لا يوجد ما يهدد هيمنة الدولار حتى وإن كانت سياسات ترامب تشير لذلك، خاصة وأن الدولار ما زال يمثل أكثر من نصف السندات التي تصدر عالميا، وكذلك أكثر من نصف احتياطيات العالم، كما أن أسعار السلع العالمية والغذاء والنفط بالدولار، ذلك بالإضافة إلى أن المركزي الأميركي له تأثير قوي على بقية المصارف العالمية.
وبيّن أن تأثيرات وهيمنة الدولار اقتصادية وسياسية، ذلك أن أميركا القوى العظمى الأولى بالعالم، ومن خلال فرض هيمنتها وسيطرتها بالسياسة تسيطر أيضاً بالاقتصاد.
وقال إن المشروع الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية هو السيطرة المطلقة، خاصة مع تدهور الاقتصاد في كثير من الدول، مشيراً إلى أن أوروبا تحاول بعد دمج الاتحاد الأوروبي أن تكون قوة منافسة لكن لديها أزمات اقتصادية، والصين والهند مستقبلياً هما الأكثر خطراً ويمثلان مشروع قوة اقتصادية عظمى، لكن في الوقت الحالي لا يوجد تهديدات على المدى المتوسط أو الطويل، مؤكدًا أنه إذا وجد أي تهديد سيكون طويل الأجل.
الانتخابات الأميركية
وفي مقال له بصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، قال أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، باري ايتشنجرين:
- إن مصير الدولار - مثله كمثل كثير من الأمور الأخرى - يتوقف على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستُجرى في نوفمبر المقبل. والجميع يتفقون على هذه النقطة، ولكنهم لا يتفقون على الاتجاه الذي قد يتخذه هذا التحول.
- إن الآثار المترتبة على فوز الديمقراطيين غير مثيرة للجدال نسبياً. فقد كان الدولار قويا في السنوات الأخيرة لأن الرئيس جو بايدن دافع عن جرعة قوية من التحفيز المالي في حين سمح لبنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة استجابة للتضخم.
- وقد أدى هذا المزيج من السياسات المالية المتساهلة والسياسات النقدية المتشددة إلى قوة العملة.
- لكن مع اتساع عجز الموازنة بالفعل وارتفاع الدين العام إلى مستويات يجدها عديد من الأميركيين مثيرة للقلق، فإن إعادة انتخاب بايدن ــ أو انتصار بديل بين الديمقراطيين إذا تنحى بعد المناظرة الأخيرة- سيكون له مجال مالي أقل للمناورة.
- وفي الوقت نفسه، سيكون بنك الاحتياطي الفيدرالي قادرا على خفض أسعار الفائدة مع تراجع التضخم بشكل أكبر، وهو ما سيحدث على الأرجح.
- وبالتالي، فإن مزيج السياسات سيكون أقل إيجابية للدولار في فترة ولاية بايدن الثانية. وهذا لا ينبئ بأي حال من الأحوال بأزمة الدولار، لكنه وصفة لضعف الدولار إلى حد ما.
وحرصت إدارة بايدن على التعاون مع الحلفاء عند فرض العقوبات المالية على روسيا. ومن ثم فإن استخدام الدولار كسلاح لم يؤد إلى تنويع الاحتياطيات على نطاق واسع، وهو ما قد يضعف العملة. ويعني التعاون أن البلدان الأخرى التي قد تستهدفها العقوبات لم يعد لديها مكان تذهب إليه.
بينما التكهن بالعواقب التي قد تترتب على فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية على العملة أكثر صعوبة. ومن المغري أن نستنتج من الماضي، كما فعل فريق من المحللين في سيتي غروب في وقت سابق من هذا العام. فقد ارتفع الدولار بنحو 5 بالمئة في أعقاب فوز ترامب المفاجئ في العام 2016، كما لاحظوا. كما انخفض بمقدار مماثل في وقت هزيمته الانتخابية في العام 2020. وعلى هذه الأسس، فمن المغري أن نعتقد بأن فوز ترامب في العام 2024 من شأنه أن يؤدي مرة أخرى إلى ارتفاع قيمة الدولار.
ويضيف: الواقع أن ترامب ربما يخطط لمزيد من التخفيضات الضريبية لصالح الشركات والأثرياء. ومن غير المرجح أن ينتقد الديون والعجز عندما يكون هو من يضعهما. وقد رأينا كيف يمكن للسياسة المالية التوسعية أن تكون إيجابية بالنسبة للدولار.
وعلى نحو مماثل، من المرجح أن تدعم الرسوم الجمركية الجديدة على الواردات، على الرغم من تكلفتها، الدولار أيضاً. ذلك أن الرسوم الجمركية تجعل الواردات أكثر تكلفة. وهي تحفز المستهلكين على تحويل إنفاقهم نحو السلع المحلية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها أيضاً.
ويرى أنه من المرجح أن يستجيب بنك الاحتياطي الفيدرالي للتضخم الناتج عن ذلك برفع أسعار الفائدة مرة أخرى، وهو ما من شأنه أن يعزز قوة الدولار. ومن شأن ارتفاع سعر صرف الدولار أن يدفع أسعار الواردات إلى الانخفاض، جزئياً على الأقل، وهو ما يساعد البنك المركزي على تحقيق هدفه المتمثل في خفض التضخم.
ولكن من الممكن أيضا أن نتصور سيناريوهات أخرى. فقد يضغط ترامب، الذي يزعم أنه من أنصار أسعار الفائدة المنخفضة، على بنك الاحتياطي الفيدرالي حتى لا يستجيب بهذه الطريقة. والنتيجة، التضخم المستدام، ستكون سلبية للدولار.
وقد اقترح مستشارو ترامب بالفعل تغيير الموقف القانوني أو التفويض أو الإجراءات التي يتبناها بنك الاحتياطي الفيدرالي بحيث تلزمه بالتشاور مع الرئيس أو حتى تلقي الأوامر منه. وفي كل الأحوال، بحلول مايو 2026، سيكون أمام ترامب كرئيس خيار مباشر يتمثل في ترشيح رئيس أكثر خضوعا لسلطة بنك الاحتياطي الفيدرالي. ومن المفترض أن يفعل ذلك، بعد أن تعلم من خطأ وصفه بأنه "خطأ" اختياره لجايمي باول، الذي أدى اليمين الدستورية في عام 2018.
إضعاف الدولار
وعلاوة على ذلك، تنتشر الشائعات حول أن مستشاري ترامب المؤثرين يخططون لإضعاف الدولار. فقد رأوا كيف عوضت قوة العملة التأثير الذي خلفته التعريفات الجمركية التي فرضت في ولاية ترامب الأولى على الميزان التجاري. ويبدو أنهم ملتزمون بمنع حدوث نفس الشيء مرة أخرى.
ومن المرجح أن يدعوا إلى فرض عقوبات إضافية على البلدان التي لا تمنع عملاتها من الهبوط مقابل الدولار. ويمكنهم الإشارة إلى اتفاق بلازا لعام 1985 كمثال على الكيفية التي يمكن بها الضغط على الحكومات الأجنبية من قبل الولايات المتحدة لتبني سياسات تعزيز أسعار الصرف.
وهناك فكرة أخرى تتمثل في فرض ضريبة على المشتريات الأجنبية للأصول الأميركية لمنع مثل هذه الاستثمارات الأجنبية من دعم الدولار بمستويات مرتفعة.
ويختتم الكاتب مقاله بقوله: ولكن هل ستحقق هذه التدابير المشكوك فيها هدفها المتمثل في تعزيز القدرة التنافسية للصناعة الأميركية؟ هذا أمر مشكوك فيه. ذلك أن فرض ضريبة على رأس المال الأجنبي تعمل على تثبيط الاستثمار في الولايات المتحدة لن يؤدي إلى زيادة قدرة الاقتصاد الأميركي على المنافسة. وربما يؤدي تهديد البلدان بمزيد من التعريفات الجمركية إذا لم تنخفض عملاتها إلى إحداث تأثير غير مرغوب فيه يتمثل في تعزيز قيمة الدولار. ولكن سواء كانت هذه التدابير مشكوك فيها أم لا، فلا يمكن استبعادها.