أطلق الاتحاد الأوروبي الحزمة الـ 14 من العقوبات ضد روسيا، والتي تستهدف هذه المرة صادرات موسكو من الغاز الطبيعي المسال (LNG) لأول مرة.
ويعد هذا الإجراء هو أحدث محاولة من جانب الكتلة لحرمان روسيا من التدفقات المالية من عوائد صادرات الغاز المسال، مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها الـ 29.
لكن العقوبات، التي ستبدأ بعد فترة انتقالية مدتها تسعة أشهر، لا ترقى إلى مستوى الحظر التام على شحنات الغاز الطبيعي المسال الروسي، بحسب تقرير لشبكة سكاي نيوز البريطانية، أفاد بأن ذلك يعكس جزئياً حقيقة أن أعضاء الاتحاد الأوروبي لا يزال مسموحاً لهم بشراء الغاز الطبيعي المسال من موسكو، على الرغم من أن الكتلة حددت هدفاً للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري الروسي بحلول العام 2027.
اتبع الاتحاد الأوروبي خطى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في حظر واردات النفط الروسية، مع استثناء واحد أو اثنين محدودين في العام 2022 بعد بدء الحرب.
ما الذي تفعله العقوبات الأخيرة؟
يتمثل الإجراء الرئيسي في حزمة العقوبات الأخيرة، التي تم التوقيع عليها في أواخر الأسبوع الماضي في مواجهة معارضة من ألمانيا وهنغاريا، في فرض حظر على إعادة شحن الغاز الطبيعي المسال الروسي قبالة موانئ الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمنع في الأساس عمليات البيع إلى دول ثالثة عبر موانئ الاتحاد الأوروبي.
يستهدف جزء من الحزمة أيضاً سفناً محددة - بما في ذلك 27 ناقلة نفط أولية - تُستخدم للالتفاف على الحد الأقصى لسعر النفط الروسي الذي فرضته دول مجموعة السبع.
كما أنها ستستهدف، في الوقت المناسب، السفن التي يتم ضبطها، على سبيل المثال، وهي تحمل ذخيرة من كوريا الشمالية إلى روسيا أو تنقل الحبوب التي سرقتها موسكو من أوكرانيا، وفق تقرير الشبكة الذي استعرض تفاصيل العقوبات.
وتحظر أحدث حزمة من العقوبات أيضاً الاستثمارات والخدمات الجديدة لاستكمال مشاريع الغاز الطبيعي المسال قيد الإنشاء في روسيا.
ومن المفترض أن يؤدي ذلك -من الناحية النظرية- إلى إحباط محاولات روسيا لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال وزيادة حصتها في السوق.
وتشمل العناصر الأخرى فرض حظر على شركات الاتحاد الأوروبي من استخدام نظام بنك روسيا لنقل الرسائل المالية (SPFS) وهو نسخة بنك روسيا من نظام المراسلة بين البنوك التابع لـ (SWIFT) .
وبموجب هذا الإجراء، سيتم السماح للمجلس الأوروبي بوضع قائمة ببنوك الدول الثالثة غير الروسية المرتبطة بالنظام ومنعها من التعامل مع مشغلي الاتحاد الأوروبي.
استهداف الأثرياء الروس
كذلك هناك أيضاً قيود على الوصول إلى وسائل الإعلام الروسية، فضلاً عن القيود التكنولوجية الجديدة وقيود التصدير وقائمة سوداء جديدة تضم 116 شخصاً آخرين يُعتقد بأنهم يدعمون الحرب، بما في ذلك المغني ياروسلاف درونوف، كما استُهدفت أيضاً مغنية روسية مشهورة أخرى، هي بولينا غاغارينا.
كذلك فرض الاتحاد الأوروبي أيضاً عدداً من عمليات الحظر، التي تستهدف الأثرياء الروس، على السفر بالطائرات الخاصة إلى منتجعات الاتحاد الأوروبي.
وقالت المفوضية الأوروبية، لدى إعلانها عن هذه الإجراءات: "مع استمرار العدوان الروسي على أوكرانيا، يظل الاتحاد الأوروبي مصمماً على مواصلة العمل من أجل خفض مصادر الإيرادات الروسية وقدرتها على شن الحرب بشكل أكبر". وأضافت: "هذه الإجراءات تبعث بإشارة واضحة وقوية لوحدة الاتحاد الأوروبي ودعمنا لأوكرانيا وشعبها".
تشديد الخناق
يشير الأستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن حزمة العقوبات الأوروبية الجديدة على روسيا تعكس التوجه الأوروبي العام لتشديد الخناق على قطاعي الطاقة والمال الروسيين.
ويضيف: على الرغم من تلك العقوبات الجديدة إلا أنها تباطأت في الوقت نفسه شيئاً فشيئاً؛ إذ شهد العام 2022 اعتماد حزمة تلو الأخرى، فيما شهد العام الماضي إعلان ثلاث حزم فقط، ولكن من حيث السياق العام فإن ثمة توجهاً سائداً بالنسبة لأوروبا لمحاولة خنق موسكو، إذ يرى الاتحاد الأوروبي العقوبات توجهاً استراتيجياً طويل الأمد قد ينسف الاقتصاد الروسي على المدى البعيد ويحرمه من عوائد الطاقة.
ويشير إلى أن أوروبا فعلياً حتى الآن لم تفرض عقوبات على الغاز الطبيعي المسال وهذه أول مرة تطال العقوبات هذا النوع من الغاز، وعلى الرغم من ذلك فإن روسيا قادرة على إيجاد بدائل في السوق الآسيوية، وبالتالي لا تؤدي تلك العقوبات إلى انهيار الاقتصاد الروسي.
هل سيكون للعقوبات المخففة أي تأثير؟
ووفق تقرير الشبكة، فإن السؤال الكبير هنا هو ما إذا كانت هذه العقوبات الأخيرة سوف تخلف تأثيراً كبيراً بالفعل ــ وخاصة في ضوء حقيقة تخفيفها.
فقد منعت ألمانيا ، على سبيل المثال، توسيع نطاق التدابير التي كانت من شأنها أن تجبر شركات الاتحاد الأوروبي على ضمان عدم تمكن عملائها من بيع السلع المحظورة إلى روسيا.
وكذلك فإن هنغاريا- التي ارتفعت قيمة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي بنسبة 59 بالمئة على أساس سنوي - طلبت ضمانات بأن أي إجراءات حالية أو مستقبلية لن تؤثر على محطة باكس 2 للطاقة النووية التي تبنيها شركة الطاقة الروسية المملوكة للدولة روساتوم 63 ميلا إلى الجنوب الغربي من بودابست.
المورد الرئيسي
ووفقا لشركة Kpler، مزود البيانات، فإن روسيا هي ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة. وتقول إن الولايات المتحدة، حتى الآن هذا العام، لبت 41 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال، وروسيا 21 بالمئة.
وفي مايو من هذا العام، ولأول مرة منذ الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، كانت واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي أكبر من واردات الغاز الطبيعي المسال الأميركي.
كما أن هذه العقوبات لا تغطي واردات الغاز الروسي المنقول إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب عبر تركيا وأوكرانيا نفسها. وينتهي الكثير من هذا في دول أوروبا الوسطى مثل النمسا، التي تمكنت روسيا في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام من تلبية 80% من احتياجاتها من الغاز، وأيضاً في دول مثل إيطاليا وبلجيكا.
علاوة على ذلك، في حين أن الحظر المفروض على إعادة الشحن سيجعل من الصعب على صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسية الوصول إلى وجهتها المقصودة، فمن غير المرجح أن يمنعها تماما.
ولن يؤدي ذلك إلا إلى إجبار روسيا على استخدام طرق شحن أطول - في حين أن الكثير من الغاز الطبيعي المسال الذي كان يتم تصديره سابقًا بهذه الطريقة، من المفارقة أنه من المرجح الآن أن يتم بيعه للعملاء في أوروبا نفسها، وفق التقرير.
ضغط على الغاز الروسي
وإلى ذلك، يشير الكاتب والباحث الروسي، ديمترى بريجع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن حزمة العقوبات الجديدة على روسيا تعد محاولة للضغط على ملف الغاز الروسي بشكل أساسي للمرة الأولى.
ويضيف: دول الاتحاد الأوروبي سابقاً لم تفرض عقوبات على الغاز الروسي المسال، في ضوء توجههم نحو الشراء من دول أخرى، لذلك العقوبات الجديدة تتحول إلى صراع اقتصادي، لجهة أن كل دولة تحاول إظهار هيمنة اقتصادية.
ويعتقد بأن الاقتصاد الدولي عموماً سوف يعاني من عقوبات أوروبا على روسيا، وسيتسبب ذلك في أزمة اقتصادية في أميركا ودول أوروبا ذ اتها، إذ يقود هذا الانقسام الحالي والتحالفات إلى أزمة اقتصادية دولية قد تصل إلى توترات إقليمية في شرق آسيا وحتى صراعات في أفريقيا والشرق الأوسط، وهو ما سيؤدي إلى تغيير السياسة الدولية، على حد وصفه.