تتهم المفوضية الأوروبية شركة أبل بانتهاك قوانين الاتحاد الأوروبي الجديدة الشاملة والمصممة للسماح للشركات الصغيرة بالمنافسة والسماح للمستهلكين بالعثور على تطبيقات أرخص وبديلة في متجر تطبيقات أعمال التكنولوجيا.
وقالت المفوضية الأوروبية، التي تعمل أيضاً كمنظم لمكافحة الاحتكار والتكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي، إنها أرسلت نتائجها الأولية إلى شركة أبل بعد التحقيق الذي بدأ في مارس. وذكر تييري بريتون، المفوض الأوروبي المسؤول عن الأسواق الرقمية، عبر موقع إكس: "لفترة طويلة جداً، ظلت شركة أبل تضغط على الشركات المبتكرة، مما يحرم المستهلكين من فرص وخيارات جديدة".
وفي النتائج الأولية، التي يمكن لشركة أبل الطعن عليها، قالت المفوضية الأوروبية إنها تعتقد بأن قواعد المشاركة الخاصة بها لا تمتثل لقانون الأسواق الرقمية (DMA) لأنها تمنع مطوري التطبيقات من توجيه المستهلكين بحرية إلى قنوات بديلة للعروض والمحتوى، وفق ما نقله تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وأمام الشركة 12 شهراً للامتثال قبل أن تواجه غرامات تصل إلى 10 بالمئة من إيراداتها العالمية، لكن الاتحاد الأوروبي يأمل أن يؤدي الحوار المستمر إلى الامتثال بدلاً من العقوبات.
وهذا هو التحقيق الثالث في عدم الامتثال الذي تفتحه اللجنة في شركة أبل منذ دخول DMA حيز التنفيذ العام الماضي، والسادس الذي تم إطلاقه بشكل إجمالي، مع تحقيقين آخرين واحد مع غوغل وواحد مع ميتا مالكة فيس بوك.
وفي قلب النتائج التي توصلت إليها يوم الاثنين الماضي المفوضية، هناك ثلاثة عناصر من ممارسات أبل، بما في ذلك الرسوم المفروضة على مطوري التطبيقات مقابل كل عملية شراء تتم خلال سبعة أيام من الارتباط بالتطبيق التجاري.
وتقول اللجنة إن الرسوم المفروضة على مثل هذه التوفيقات لها ما يبررها، لكن ما تفرضه شركة أبل من رسوم "يتجاوز ما هو ضروري للغاية".
وفي النتائج الأولية لتحقيقاته السابقة، أكد الاتحاد الأوروبي مجدداً أن القوانين الرقمية الجديدة تتطلب من شركة أبل التأكد من أن المطورين يجب أن يكونوا قادرين "مجانًا على إبلاغ عملائهم بإمكانيات الشراء البديلة الأرخص، وتوجيههم إلى تلك العروض والسماح لهم بذلك".
وكجزء من التحقيق الجديد، تقوم اللجنة بفحص رسوم قدرها 0.50 سنت، أو "رسوم التكنولوجيا الأساسية"، التي تطلبها شركة أبل في كل مرة يتم فيها تثبيت تطبيق المطور على الهاتف.
وشبه الاتحاد الأوروبي النتائج الأولية التي توصل إليها يوم الاثنين بمرحلة منتصف الطريق في تحقيق رسمي لمكافحة الاحتكار يتم خلاله عرض بيان اعتراض على الشركة ومنحها الوقت لتصحيح ممارساتها المناهضة للمنافسة.
وقالت شركة أبل إنها أجرت عددًا من التغييرات للامتثال لقانون DMA في الأشهر القليلة الماضية استجابةً لتعليقات المطورين ومحققي المفوضية الأوروبية.
وأضافت: "نحن واثقون من أن خطتنا تتوافق مع القانون، ونقدر أن أكثر من 99 بالمئة من المطورين سيدفعون نفس الرسوم أو أقل لشركة أبل بموجب شروط العمل الجديدة التي أنشأناها (..)".
تأثيرات محتملة
من جهته، أوضح خبير التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن شركة أبل تواجه تحقيقات من قبل المفوضية الأوروبية فيما يخص مناهضة الاحتكار، وذلك بسبب الممارسات التجارية الخاصة المتعلقة بمتجر التطبيقات الخاص بها المعروف بـ "آب ستور".
واستعرض التهم الرئيسية (المباشرة وغير المباشرة) التي تواجهها أبل، من قبل المفوضية الأوروبية، ومنها:
- منع المطورين من إبلاغ المستخدمين عن العروض خارج متجر التطبيقات، وهو ما يعني أن أبل تدفع المستخدمين للاستفادة من متجرها فقط وتمنعهم من الاستفادة خارجه، ما يحد من خيارات المستخدمين ويعيق المنافسة.
- إساءة الشركة استخدام سيطرتها على متجر التطبيقات من خلال فرض رسوم عالية على المستخدمين ومنعهم من استخدام طرق الدفع البديلة.
وأشار إلى أنه في شهر مارس الماضي فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقات رسمية ضد أبل، كما أصدرت في يونيو رأياً تمهيدياً رأت فيه أن قواعد متجر التطبيقات تنتهك قواعد المنافسة بالاتحاد الأوروبي، منوهاً بأنه من الممكن أن يتطور الأمر بأن تنضم مستقبلاً إلى الاتحاد الأوروبي في موقفه ضد أبل دول أخرى قد تكون عربية أو غربية.
وأوضح أنه من المتوقع أن تصدر المفوضية الأوروبية قراراً نهائياً بخصوص هذا الشأن في شهر نوفمبر من العام الجاري، مع احتمال فرض غرامات كبرى على أبل حال ثبوت الإدانة.
وأفاد الناطور بأنه ستكون هناك تأثيرات محتملة على شركة أبل بسبب موقف المفوضية الأوروبية، فثمة إمكانية أن يتم إجبار الشركة على إجراء تغييرات كبرى على متجر التطبيقات، والسماح للمطورين بالإعلان عن عروض خارجه، واستخدام طرق بديلة للدفع، إضافة إلى السماح للمستخدمين بتحميل تطبيقات من خارج متجر "آب ستور".
خيارات أوسع
وأكد خبير التطوير التكنولوجي أن التأثيرات المذكورة سلفاً من الممكن أن تؤدي إلى انخفاض أسعار التطبيقات وخيارات أوسع للمستهلكين، بينما تؤثر على صناعة التكنولوجيا أيضاً، فقد تشكل سابقة مهمة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى بالاتحاد الأوروبي.
كما أكد أن الأزمة بين أبل والاتحاد الأوروبي تمثل تهديداً مباشراً للشركة لعدة أسباب، ومنها:
- المخاطرة المالية: شركة أبل قد تكون معرضة لغرامات كبرى تصل إلى 10بالمئة من قيمة إيراداتها العالمية سنوياً في حال ثبوت إدانتها بانتهاك قواعد المنافسة، وهو ما يشكل عبئاً مالياً كبيراً على الشركة.
- تأثر السُمعة: قد تتضرر سمعة الشركة خاصة في ظل سيطرتها على قطاع عريض في السوق.
- تغيير قواعد العمل: قد تُجبر الشركة على إجراء تغييرات كبيرة بما يسمح للمطورين الإعلان عن عروض خارج متجرها واستخدام طرق بديلة للدفع، ما يؤدي لانخفاض إيرادات الشركة وزيادة صعوبة التحكم بمنصتها.
- مخاطر قانونية مستقبلية: فقد تواجه أبل ملاحقات قضائية أخرى بالمستقبل.
وقال إنه من الصعب التنبؤ بالعقوبات التي تهدد أبل حال إثبات التهم الموجهة لها، مشيراً إلى أنها قد تكون غرامات مالية، والتزامات قانونية، أو تدقيق تنظيمي من خلال خضوعها للتدقيق من قبل السلطات التنظيمية بالاتحاد الأوروبي في المستقبل.
وضع الشركة في أوروبا
وتوقع أن يكون للأزمة بين أبل والمفوضية الأوروبية تأثيرًا سلبيًا على وضع الشركة في أوروبا، موضحاً:
- قد تلحق الأزمة خسائر مالية للشركة بسبب انخفاض إيرادات متجر التطبيقات.
- فقدان الشركة حصتها بالسوق، بعد توافر منصات جديدة لمتجر التطبيقات مثل البلاي ستور والمتاجر الخاصة بالأندرويد التي تقدم عروضاً منافسة، ما يجذب المطورين والمستهلكين ويؤدي إلى تهديد حصة أبل.
- الشركات الأوروبية قد تطور تطبيقاتها الخاصة لتوزيعها بشكل مستقل.
- زيادة المنافسة بالسوق الأوروبية.. فقد تكون أبل عُرضة للمنافسة من قبل شركات تكنولوجيا أخرى مثل غوغل وأمازون، خاصة وأن القواعد الجديدة قد تؤدي إلى دخول شركات جديدة إلى السوق، وهو ما يؤدي لمزيد من الخيارات أمام المستهلكين وكسر الاحتكار.
- قد تلحق القضية ضرراً بسمعة أبل في أوروبا، خاصة إذا اعتبرت الشركة مسيطرة على السوق بشكل غير عادي، والمستهلكين أصبحوا أقل ميلا لشراء منتجاتها واستخدام خدماتها لفقدهم الثقة بها.
التدقيق التنظيمي
وأشار إلى أن تكرار الأزمة بين أبل والمفوضية الأوروبية، من شأنه أن يكون له تأثير كبير على السوق الرقمية عموماً في أوروبا، خاصة في ظل زيادة التدقيق التنظيمي، لافتاً إلى أن هذه الأزمات قد تشجع الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى بإصدار قوانين جديدة.
كما أكد الناطور أنه على الرغم من هذه التحديات إلا أن شركة أبل قوية ولديها علامة تجارية كبيرة في أوروبا، لكن من المنتظر أن تقدم تنازلات لتتكيف مع قواعد السوق الجديدة والحفاظ على موقعها بالسوق، قائلًا إنه من الممكن أن تساعدها ابتكاراتها بالمستقبل وخدماتها الجديدة على الحفاظ على العملاء وموقعها المهم بالسوق.
عقوبة مادية وقيود متوقعة
وفي السياق، أشار خبير تكنولوجيا المعلومات، العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى نفي أبل الاتهامات التي توجهها لها المفوضية حتى الآن.
وقال إنه في حال تأكيد إدانة أبل وثبوت اتهامات المفوضية، فإن الشركة قد تواجه عقوبات مادية أو قيود على توزيع أبل في السوق الأوروبية وهو من الأسواق الهامة للشركة.
وذكر أن السوق الأوروبية تعد من الأسواق التي تهتم بحقوق المستخدم، مشيراً إلى أنه سبق وفرضت قوانين خاصة بها أكثر تشديداً من أميركا والصين والأسواق العربية، فهناك قوانين خاصة بالاتحاد الأوروبي تحديداً تدعم مستخدميها، سواء قانون الخصوصية أو حرية تداول التطبيقات، وهو ما يجعلها سوقا يهتم بحقوق المستخدم.
ويشار إلى المقولة المُتداولة على نطاق واسع في الأسواق، بأن الولايات المتحدة الأميركية تُتنج التكنولوجيا، والصين تُقلد، بينما أوروبا تقنن وتضع الضوابط التشريعية والتنظيمية.
موقف أبل
فيما قال خبير تكنولوجيا المعلومات، محمد الحارثي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن شركة أبل تواجه مشاكل تتعلق بقانون الأسواق الرقمية للاتحاد الأوروبي (DMA)، وهو ما قد يعيق إصدار نسختها "أبل أنتليجنس" المطورة بالذكاء الاصطناعي في الدول الأوروبية، خاصة وأن أوروبا تشكل نحو25 بالمئة من إيرادات أبل.
وأوضح أن أي تطبيق يتم تحميله على إصدارات أبل المختلفة لابد أن يمر على "متجر أبل" مع تحديد قيمة مالية مقابل ذلك بأنظمة دفع خاصة بالشركة، وهو ما يتعارض مع اللوائح المنظمة للسوق الرقمية وفكرة الاحتكار والتوافق معها.
وبيّن أن أوروبا دائماً تخضع إلى قواعد صارمة فيما يتعلق بخصوصية البيانات، وسبق وكانت للمفوضية أزمة سابقة مع فيس بوك تتعلق باستدعاء البيانات من خارج منطقة أوروبا، وكانت هناك قضايا واتهامات متبادلة بين ميتا والاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، فيما يخص عدم توافقها مع قانون البيانات الأوروبي، لذا من المرجح أن تواجه أبل المشكلة ذاتها.
وتوقع أن ترضخ أبل للتعديلات على نسخ الآيفون الجديدة بما يتوافق مع القانون الأوروبي في هذا الشأن، والتوصل إلى تسوية فيما يتعلق باحتكار ما يتم استخدامه من تطبيقات وتحكمها فيها، وإلا سيتم فرض غرامة 10 بالمئة من العائدات الكلية على أبل، فبالتالي سيتم تقييم الفرق بين الخسارة مقابل التوافق مع اللوائح المنظمة لذلك والحصول على تسوية.