بعد موجة من الصعود المتواصل، وتربعها على عرش الشركات الأكثر قيمة سوقية في العالم، شهدت أسهم شركة "إنفيديا" تراجعات على مدار الثلاث جلسات الماضية، لتفقد نحو نصف مليار دولار من قيمتها السوقية، بعد أن تجاوزت قيمتها 3.3 تريليون دولار الأسبوع الماضي، وهو ما أرجعه محللون إلى أن قطاع التكنولوجيا الذي قاد ارتفاعات السوق الأميركية بحاجة إلى الراحة.
وجذبت "إنفيديا" في الفترة الأخيرة انتباه "وول ستريت، وقد تفوقت شركة تصنيع الرقائق البالغة من العمر 31 عاماً الأسبوع الماضي -لفترة وجيزة- على شركتي أبل ومايكروسوفت لتصبح الشركة الأكبر من حيث القيمة السوقية، لكن التراجعات الأخيرة وصلت في آخر ثلاث جلسات إلى 13 بالمئة، ومع ذلك فهي لا تزال مرتفعة بنسبة 140بالمئة هذا العام.
أدى الطلب الهائل على وحدات معالجة الرسومات الخاصة بشركة "إنفيديا"، والتي تعتبر بشكل عام أفضل طريقة لبناء أنظمة ذكاء اصطناعي كبيرة من قبل شركات مثل ميتا ومايكروسوفت، إلى دفع سعر سهمها للارتفاع بنحو 700 بالمئة منذ إطلاق ChatGPT من OpenAI في شهر نوفمبر من العام 2022، بحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
ويشير التقرير إلى أن:
- الصعود غير المسبوق لشركة كانت حتى وقت قريب غامضة بالنسبة لمعظم الناس خارج صناعة التكنولوجيا يعكس حماسة الذكاء الاصطناعي التي اجتاحت وادي السيليكون وول ستريت على قدم المساواة.
- لكن عودتها إلى المركز الثالث (من حيث القيمة السوقية) تؤكد المنافسة الشرسة في هذا المجال التكنولوجي الجديد.
- صعود إنفيديا هو قصة اقتصاد الذكاء الاصطناعي ونموه الهائل وجاذبيته للمستثمرين ومستقبله الذي لا يمكن التنبؤ به.
ووفق التقرير، فإن آخر مرة احتلت فيها شركة ذات علامة تجارية غامضة نسبياً مثل إنفيديا هذه المكانة كانت في مارس 2000، عندما تفوقت شركة Cisco، التي تصنع معدات الشبكات، على شركة مايكروسوفت في أوج فقاعة الدوت كوم.
والآن، كما كان الحال في السابق، تستثمر الشركات مليارات الدولارات في بناء البنية التحتية لتحقيق "ثورة موعودة" ليس في مجال الحوسبة فحسب، بل في الاقتصاد العالمي أيضاً.
مخاوف "الفقاعة"!
مثل شركة إنفيديا، حققت شركة Cisco قفزات واسعة من خلال بيع أدواتها، لكن سعر أسهمها لم يعد قط إلى الذروة التي بلغها في العام 2000، بعد انفجار الفقاعة في وقت لاحق من ذلك العام.
ويلفت التقرير إلى أن حقيقة أن زيادة الإنفاق الرأسمالي لشركات التكنولوجيا الكبرى على الذكاء الاصطناعي تعتمد على توقعات الإيرادات أكثر من العائدات الفعلية، أثارت المخاوف من أن التاريخ يعيد نفسه.
ونقل التقرير عن المحللة في برنشتاين، ستيسي راسغون، قولها: "أتفهم القلق، لكن هناك اختلافات جوهرية.. كان القلق لدى Cisco هو أنهم كانوا يبنون مجموعة من القدرات لتلبية الطلب الذي كانوا يأملون فيه، وحتى اليوم هناك ألياف مدفونة في الأرض لم يستخدموها مطلقاً.. وبالمقارنة مع سعر شركة Cisco في ذروة فقاعة الدوت كوم، فإن أسهم إنفيديا يتم تداولها بمضاعفات أقل بكثير من الأرباح المتوقعة".
وتشهد شركات مثل مايكروسوفت بالفعل بعض العائدات على استثماراتها في رقائق الذكاء الاصطناعي، حتى لو حذرت شركات أخرى مثل ميتا من أن الأمر سيستغرق وقتا أطول. وتضيف راسغون أنه إذا كانت فقاعة الذكاء الاصطناعي تتشكل، فلا يبدو أن الفقاعة وشيكة.
ويضيف التقرير: إن صعود وهبوط شركة Cisco في عصر الدوت كوم يتناقض مع شركتي أبل ومايكروسوفت. لقد تنافست شركتا التكنولوجيا على أعلى مكانة في وول ستريت لسنوات، ليس فقط من خلال تصنيع منتجات ناجحة للغاية، ولكن أيضاً من خلال بناء منصات تدعم النظم البيئية التجارية الضخمة.
وقالت شركة آبل إن هناك حوالي مليوني تطبيق على متجر التطبيقات، مما يؤدي إلى تحقيق مئات المليارات من إيرادات المطورين كل عام.
اقتصاد إنفيديا
يبدو اقتصاد إنفيديا مختلفاً تماماً عن الاقتصاد المحيط بشركة أبل من نواحٍ عديدة، إذ تعد شعبية تطبيق واحد - ChatGPT - مسؤولة عن الكثير من الاستثمارات التي دفعت سعر سهم إنفيديا إلى الارتفاع في الأشهر القليلة الماضية.
وتقول شركة تصنيع الرقائق إن لديها 40 ألف شركة في نظامها البيئي للبرمجيات و3700 "تطبيق مسرع بواسطة وحدة معالجة الرسومات".
وبالتالي بدلاً من بيع مئات الملايين من الأجهزة الإلكترونية بأسعار معقولة للجماهير كل عام، أصبحت إنفيديا الشركة الأكثر قيمة في العالم من خلال بيع عدد صغير نسبياً من شرائح الذكاء الاصطناعي باهظة الثمن لمراكز البيانات، في المقام الأول لعدد قليل من الشركات.
وقالت الشركة الشهر الماضي إن كبار مقدمي خدمات الحوسبة السحابية مثل مايكروسوفت وأمازون وغوغل يمثلون ما يقرب من نصف إيرادات مركز بيانات إنفيديا.
ووفقا لمجموعة تحليل الرقائق TechInsights، باعت إنفيديا 3.76 مليون من رقائق وحدة معالجة الرسومات الخاصة بها لمراكز البيانات العام الماضي. وكان ذلك لا يزال كافيا لمنحها حصة 72 بالمئة من تلك السوق المتخصصة، تاركة منافسيها مثل إنتل وإيه إم دي في الخلف.
ومع ذلك، فإن هذه المبيعات تنمو بسرعة، فقد نمت إيرادات إنفيديا بنسبة 262 بالمئة على أساس سنوي لتصل إلى 26 مليار دولار في الربع الأخير، المنتهي في أبريل، وهي وتيرة أسرع حتى من شركة أبل في السنوات الأولى لجهاز آيفون.
الطلب على منتجات إنفيديا
وسعياً لتحقيق القفزة التالية إلى الأمام في مجال الذكاء الآلي، تتسابق شركات مثل أوبين إيه آي ومايكروسوفت وميتا وشركة إيلون ماسك الناشئة إكس إيه آي، لبناء مراكز بيانات تربط ما يصل إلى 100000 شريحة ذكاء اصطناعي معاً في أجهزة كمبيوتر عملاقة (ثلاثة أضعاف حجم اليوم).
تبلغ تكلفة كل مجموعة من مزارع الخوادم هذه 4 مليارات دولار من حيث الأجهزة وحدها، وفقاً لشركة استشارات الرقائق SemiAnalogy
ويشير تقرير الصحيفة هنا إلى أن الرغبة في زيادة القدرة الحاسوبية للذكاء الاصطناعي لن تختفي. ويتوقع الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جين سون هوانغ، إنفاق أكثر من تريليون دولار على إعادة تجهيز مراكز البيانات الحالية وبناء ما يسميه "مصانع الذكاء الاصطناعي" في السنوات المقبلة، حيث يقوم الجميع، من شركات التكنولوجيا الكبرى إلى الدول ، ببناء نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم.
ولن يستمر هذا الحجم من الاستثمار إلا إذا اكتشف عملاء إنفيديا كيفية جني الأموال من الذكاء الاصطناعي بأنفسهم.
طفرة الذكاء الاصطناعي
وفي اللحظة التي وصلت فيها الشركة إلى قمة سوق الأسهم، بدأ المزيد من الناس في وادي السيليكون يتساءلون عما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكن أن يرقى إلى مستوى الضجيج.
من جانبه، حذر ديفيد كان، الشريك في شركة سيكويا، أحد أكبر مستثمري الشركات الناشئة في وادي السيليكون، في تدوينة الأسبوع الماضي من "جنون المضاربة" المحيط بالذكاء الاصطناعي و"الوهم" بأننا "سنصبح جميعنا أثرياء بسرعة".
وعلى الرغم من أنه يتوقع قيمة اقتصادية ضخمة من الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يقدر أن شركات التكنولوجيا الكبرى ستحتاج بشكل جماعي إلى توليد مئات المليارات من الدولارات سنويا من الإيرادات الجديدة لاسترداد استثماراتها في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بوتيرتها المتسارعة الحالية.
ويقول يورو بينات، الرئيس العالمي للذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات في مجموعة بروسوس، إحدى أكبر المستثمرين في مجال التكنولوجيا في العالم، إن الفترة التي كان بإمكان المسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا فيها تقديم وعود كبيرة بشأن قدرات الذكاء الاصطناعي "تقترب من نهايتها" و"سيكون هناك قدر أكبر من الواقعية خلال الـ 16 إلى 18 شهرًا القادمة بشأن ما يمكننا وما لا يمكننا فعله".
صعود إنفيديا
من جانبه، أشار كبير محللي الأسواق في XTB MENA هاني أبو عاقلة، خلال حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن إنفيديا كانت قد تأسست برأس مال 40 ألف دولار لثلاث شركاء وضعوا المبلغ كاملاً في مجال البحث والتطوير، ومنذ ذلك الوقت توجه الشركة أموالها في هذا المجال بشكل كثيف.
وأضاف: إنفيديا انطلقت بشكل ملفت من بعد جائحة كورونا بشكل خاص، إذ كان عدد العاملين فيها خلال الجائحة 13200، ووصل إلى 29 ألف أي أكثر من الضعف خلال عامين، موضحاً أن 75 بالمئة من القوى العاملة للشركة مخصصين للبحث والتطوير، سعياً منها أن تكون في مقدمة جميع الشركات في مجالها والقطاع الذي تركز عليه.
وقال إن إنفيديا كانت في السابق تحقق أرباحها من الاستثمار في معالجات الغرافيك المخصصة للألعاب والكمبيوترات وهو ما كان يمثل تقريبا 50 بالمئة من أرباح الشركة، فكانت تسيطر على ما يتراوح بين 68 إلى 80 بالمئة من هذا القطاع لفترة، والذي كان ينافسها فيه شركتي "إنتل" و "أي إم دي".
وأضاف: "الشركة خلال السنوات الثلاث الأخيرة لم يعد نشاطها مقتصراً على تصنيع وحدات معالجة الرسومات، بل ركزت على تصنيع الرقائق في مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، لتتجه بعيداً عن الألعاب، وهو ما يعكس الفارق الكبير لديها عن نظيراتها من شركات كانت تنافسها بقطاع الألعاب"، مشيراً إلى أن النسبة الأكبر من أرباح الشركة تأتي الآن من القطاعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وأشار إلى الطفرة الهائلة التي سجلتها إيرادات الشركة.
وفي الربع الأول، سجلت الشركة إيرادات بقيمة 26.04 مليار دولار، مع قفزة في المبيعات بنسبة 262 بالمئة في ظل طفرة الطلب على الذكاء الاصطناعي.
وقال أبو عاقلة إن هناك عدة مفاتيح رئيسية تعتمد عليها إنفيديا حتى تحقق نجاحاً في الوقت الحاضر ومستقبلاً، أهمها اعتماد إنفيديا على الطفرة الكبيرة في الطلب على الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل التوقعات بأن يزداد اعتماد الشركات العالمية عليه ليرتفع الطلب أكثر مما هو عليه ومن ثم تحقق أرباحاً أعلى.
وأفاد بأن هناك طلباً كبيراً وقوياً على منتجات إنفيديا، والمنافسين من الممكن أن يلحقوا بها لكن بنسب ضئيلة، فحتى إذا أصبحت إنفيديا تمثل 50 بالمئة فقط من السوق سوف تظل مسيطرة بشكل واسع.
وتوقع أن تصبح إنفيديا الشركة الأولى في العالم من حيث القيمة السوقية، كما ستكون الأولى بالعالم التي تكسر حاجز 4 تريليون دولار.
عوامل تضمن زخم إنفيديا بالسوق
من جهته، عدد رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بعض العوامل التي تضمن بقاء واستمرار زخم إنفيديا بسوق الذكاء الاصطناعي، ومنها:
- أن الشركة أصبحت أهم منتج يعتمد عليه الذكاء الاصطناعي بالعالم، وتستحوذ على ما يصل إلى 80 بالمئة من السوق، فالسوق باتت مرتبطة بالشركة بشكل كبير.
- على الرغم من تراجع أسهم الشركة أخيراً، وكذلك فقدان المركز الأول من حيث القيمة السوقية الذي وصلت إليه الأسبوع الماضي لفترة وجيزة، فإنه من المتوقع أن تتصدر من جديد، مع الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي وأن تستكمل أداءها الصاروخي.
- تحقيق الشركة إيرادات ممتازة، ومن المتوقع أن تستمر في تحقيق إيرادات كبيرة في الفترات المقبلة.
- ربحية أسهم الشركة قوية، وفاقت توقعات المحللين.
- الطلب الكبير والمتزايد على الرقائق التي تنتجها إنفيديا من كل شركات التكنولوجيا تقريباً.
- الشركة تمتاز بتنوع في المنتجات التي تقدمها، كما تحرص على تطوير الخدمات التي تقدمها.
محاكاة أبل
ووفق تقرير "فاينانشال تايمز"، فإنه من غير المحتمل أبداً أن تصبح إنفيديا شركة استهلاكية ذات سوق ضخمة مثل أبل، لكن المحللين يقولون إنه إذا أرادت الاستمرار في الازدهار، فيجب عليها محاكاة صانع الآيفون وإنشاء منصة برمجية تربط عملائها من الشركات بأجهزتها.
وكان هوانغ قد جادل منذ فترة طويلة بأن إنفيديا هي أكثر من مجرد شركة شرائح. وبدلا من ذلك، فهي توفر جميع المكونات اللازمة لبناء "حاسوب عملاق كامل"، كما قال.
يتضمن ذلك الرقائق ومعدات الشبكات وبرنامج Cuda الخاص بها، والذي يسمح لتطبيقات الذكاء الاصطناعي "بالتحدث" مع رقائقها ويعتبره الكثيرون سلاحاً سرياً لشركة إنفيديا.
مشكلة إنفيديا
وتكمن مشكلة إنفيديا في أن عديداً من كبار عملائها يريدون أيضاً "امتلاك" تلك العلاقة مع المطورين وبناء منصة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم.
تريد مايكروسوفت أن يبني المطورون على منصة Azure السحابية الخاصة بها. وأطلقت OpenAI متجر GPT، المصمم على غرار متجر التطبيقات، والذي يقدم إصدارات مخصصة من ChatGPT، كما أن لدى أمازون وغوغل أدوات التطوير الخاصة بهما، كما هو الحال مع شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة Anthropic وMistral وغيرها الكثير.
وبحسب التقرير، ليست هذه هي الطريقة الوحيدة التي تدخل بها إنفيديا في المنافسة مع أكبر عملائها. فلقد طورت غوغل شريحة مخصصة لتسريع الذكاء الاصطناعي، وهي وحدة معالجة Tensor، وتبعتها أمازون ومايكروسوفت برقاقتهما الخاصة. على الرغم من أنها صغيرة الحجم، إلا أن مادة TPU تظهر بشكل خاص أنه من الممكن للعملاء تخفيف الاعتماد على إنفيديا.
تنمية المنافسين!
وفي المقابل، تعمل شركة إنفيديا على تنمية المنافسين المستقبليين المحتملين لعملائها من شركات التكنولوجيا الكبرى، في محاولة لتنويع نظامها البيئي. فقد قامت بنقل رقائقها إلى شركات مثل Lambda Labs وCoreWeave، وهي شركات حوسبة سحابية ناشئة تركز على خدمات الذكاء الاصطناعي وتؤجر إمكانية الوصول إلى وحدات معالجة الرسوميات إنفيديا.
تشكل هذه التحركات جزءًا من تسريع أوسع للأنشطة الاستثمارية لشركة إنفيديا عبر النظام البيئي المزدهر لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وفي الشهرين الماضيين فقط، شاركت في جولات تمويل لشركة Scale AI، وهي شركة لتصنيف البيانات جمعت مليار دولار، وشركة Mistral، وهي شركة منافسة لـ OpenAI مقرها باريس، والتي جمعت 600 مليون يورو.
وفي هذا السياق، تظهر بيانات PitchBook أن إنفيديا قد أبرمت 116 صفقة من هذا القبيل على مدى السنوات الخمس الماضية.
بالإضافة إلى العوائد المالية المحتملة، فإن الحصول على حصص في الشركات الناشئة يمنح Nvidia نظرة مبكرة على الشكل الذي قد يبدو عليه الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي، مما يساعد على توجيه خريطة طريق المنتج الخاصة بها.