تكشف أبحاث جديدة أن روسيا تلجأ إلى شبكات سرية من المشترين لتجوب الصين بحثًا عن أدوات تصنيع حربية مستعملة، وذلك في محاولة يائسة من الكرملين لتأمين معدات حيوية لزيادة إنتاج الأسلحة.
تُعد هذه الاستراتيجية السرية الروسية للحصول على آلات تصنيع دقيقة، والتي كشف عنها الباحثون، محاولةً للالتفاف على العقوبات الغربية الصارمة المتزايدة وضوابط التصدير التي تهدف إلى شل تصنيع الأسلحة، بحسب تقرير على فاينانشيال تايمز، اطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
تُدار هذه العمليات من خلال شبكات من شركات غامضة، حيث تستغل مخزونًا من آلات التصنيع الغربية عالية الجودة والمستعملة التي لا تزال موجودة في الصين بعد عقود من بيعها للمصانع المحلية.
كشف مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة (C4ADS)، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، والذي حدد تجارة الظل هذه، أن ترتيبات التوريد المعقدة تشير إلى أن مزاعم موسكو بشأن إنتاج أدوات عالية الدقة داخل روسيا ربما تكون "مبالغ فيها".
وقال ألين ماغارد، المحلل في مركز C4ADS والذي أشرف على إعداد التقرير، إن مصنعي الأسلحة الروس "يبذلون جهدًا مضاعفًا لتوسيع قدرات إنتاجهم باستخدام أي شيء يمكنهم الحصول عليه".
إحدى شبكات المشتريات، التي حددتها C4ADS وتحققت منها صحيفة فاينانشيال تايمز، تتمحور حول شركة مقرها موسكو تدعى AMG، وهي مورد عسكري روسي وضعته الولايات المتحدة تحت العقوبات العام الماضي.
منذ الحرب الروسية ضد أوكرانيا في 2022، زادت شركة AMG وارداتها من أدوات التحكم الرقمي بالحاسوب (CNC) التي تصنعها شركة Tsugami، وهي شركة يابانية متطورة لتصنيع الأدوات الآلية ومقرها في طوكيو.
تعتبر أدوات التحكم الرقمي بالحاسوب (CNC) ضرورية للصناعات الدفاعية لأنها تسمح بالمعالجة والتقطيع الآلي للمعدن عالي الدقة وعالي السرعة.
تُظهر الملفات العامة أن شركة AMG لديها عقود للحصول على أدوات تصنيع لشركة Kometa، وهي شركة روسية تطور أنظمة الأسلحة، بما في ذلك أنظمة دفاع صاروخية باليستية وأسلحة نفاثة وأنظمة صاروخية، وفقًا لقوائم العقوبات.
من اليابان إلى الصين.. مسار توريد مشبوه
شوهدت آلات Tsugami قيد الاستخدام في العديد من المنشآت العسكرية الروسية. فقد أظهرت وثائق الجمارك أن شركة AMG اشترت ما يقرب من 600 ألف دولار من معدات Tsugami في عام 2021 من مورد ياباني رسمي.
ثم ارتفع عمليات الشراء بعد الأزمة الأوكرانية إلى 50 مليون دولار في عام 2023، وجاءت الزيادة بالكامل من الوسطاء المشبوهين.
وسطاء في الظل
المورد الأول هو Amegino، وهو مورد خاضع للعقوبات الأميركية، حيث كان موقعه الإلكتروني يستضيف في الأصل على خوادم في روسيا.
وفقًا لشركة Diligencia للمعلومات الاستخباراتية، فإن مالكها هو أندريه ميرونوف، ولا تتوفر أي تفاصيل أخرى حول خلفية ميرونوف.
الوسيط الثاني هو ELE Technology، التي تقدم نفسها بشكل خادع على أنها "قسم من Gray Machinery Company"، وهي شركة توزيع لأدوات التصنيع الأميركية.
يبدو أن موقع ELE الإلكتروني - الذي يبدو أنه منسوخ عن موقع Gray Machinery الحقيقي - يزعم أن لديها مستودعًا في إلينوي ويعرض خدمات النقل من مطار شيكاغو أونهامر لعملائها المحتملين.
يزعم الموقع أن جلين وجاريد جراي، وهما تاجران أمريكيان متمرسان في مجال أدوات التحكم الرقمي بالحاسوب (CNC)، من ضمن فريقهم.
كشف عملية الخداع
لكن ELE Technology تتخذ موقعها الحقيقي على بعد 7800 ميل في شينزن بالصين.
أخبر جلين جراي، الذي تم نشر سيرة حياته الكاملة وصورت على موقع ELE الإلكتروني، صحيفة الفاينانشال تايمز أنه لا يعلم شيئًا عن الشركة.
تشير تسجيلات المواقع ومواد الدعاية القديمة إلى أن ELE يديرها تاجر إلكترونيات صيني يُدعى بينسون زينغ. ولم يستجب زينغ لطلبات التعليق من صحيفة الفاينانشال تايمز.
تنفي شركة تسوغامي اليابانية لصناعة الآلات الدقيقة توريد أي معدات بشكل مباشر إلى شركة ELE Technology، التي تزعم على موقعها الإلكتروني أنها موزع أمريكي.
آلات مستعملة تصل إلى روسيا
كشف الباحثون أن روسيا تلجأ إلى استيراد معدات تصنيع حربية مستعملة عمرها عقود عبر شبكة من الوسطاء الصينيين. ووفقا للخبراء، فإن هذه الخطوة تكشف عن ثغرات في سوق السلع المستعملة، كما أن الشركات المصنعة عادة لا تتعقب وجهة منتجاتها بعد البيع.
يصرح المحلل ألين ماجارد بأن "استيراد روسيا لهذه الآلات القديمة يسلط الضوء على ضعف الرقابة في سوق السلع المستعملة. فكون هذه المعدات قديمة لا يعني أنها غير قادرة على إنتاج قطع أسلحة بسيطة".
شبكة معقدة من الوسطاء
تلعب كل شركة من الشركتين المذكورتين دورًا مختلفًا في عملية شراء المعدات الروسية.
تعمل شركة Amegino كوسيط، حيث تكلف موردين صينيين مثل ELE بشحن البضائع من الصين إلى روسيا. تكشف وثائق حصل عليها مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة (C4ADS) عن تعاون بين الشركتين، حيث قامت Amegino بتكليف شركة ELE بشحن بضائع بقيمة 2.7 مليون دولار إلى روسيا في أوائل عام 2023.
اعتماد تسوغامي على السوق الصيني
تعتمد شركة تسوغامي على السوق الصيني منذ حوالي 20 عامًا. وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 100,000 آلة من آلات تسوغامي في الصين، من أصل 200,000 آلة حول العالم. أصبحت هذه الآلات هدفًا لروسيا بعد أن توقفت الجهات البائعة الرسمية لشركة تسوغامي عن التعامل معها في عام 2022.
يعلق محلل أمن استثماري زار منشآت تسوغامي في الصين: "قبل جائحة كورونا، كانت تسوغامي تحاول الاستفادة من الاستراتيجية الوطنية الصينية لتصبح قوة صناعية كبيرة". وقد تجاوزت نسبة مبيعات تسوغامي في الصين 60% في عام 2023.
تحديات أكبر من مجرد شركة واحدة
لا تقتصر المشكلة على آلات تسوغامي الموجودة في الصين. حيث تُظهر سجلات الجمارك أن شركة روسية أخرى، وهي شركة UMIC، استوردت معدات وأجزاء لآلات تصنيع بقيمة 2.9 مليون دولار من دول تشمل إسرائيل واليابان وكوريا وألمانيا والسويد وسويسرا. وفي جميع الحالات، تم شحن المعدات من الصين وتم شراؤها باليوان عن طريق شركاء تجاريين مقيمين في الصين.
شركة UMIC وملكية غامضة
على عكس شركة AMG، لم يتم فرض عقوبات على شركة UMIC من قبل الولايات المتحدة. ومع ذلك، تثير ملكية الشركة الشكوك. إذ تشترك يوليا كاربوفا، مالكة شركة UMIC، في نفس لقب الزوج والرقم الهاتفي مع إيفجيني كاربوف، مالك شركة AMG الخاضعة للعقوبات.
ظهرت يوليا كاربوفا في معارض تجارية روسية تروج فيها لمنتجات شركة AMG وذلك في أجنحة مشتركة بين الشركتين (AMG-UMIC). كما تم تصويرها في مايو 2022، بعد أن رفعت اليابان قيود التصدير، وهي تحمل كتيبات لشركة AMG تعرض فيها مجموعة منتجات Tsugami التي ادعت AMG أنها قادرة على الحصول عليها.
لم ترد كل من شركتي UMIC و AMG على طلبات التعليق على الأمر.
جهود اليابان لمكافحة التحايل على العقوبات
أعلنت وزارة التجارة اليابانية عن تعاونها مع شركاء مجموعة الدول السبع لتعزيز إجراءات التصدي للتحايل على العقوبات. وصرحت الوزارة: "في حين تواجه العديد من الدول صعوبات في التعامل مع السلع المستعملة، فإن اليابان تقوم بجمع معلومات متنوعة بما في ذلك شركات التي تلتف على العقوبات. وسنقوم بإضافتها إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات عند الحاجة".