تراقب أعلى جهة إنفاذ لمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة "بشكل عاجل" قطاع الذكاء الاصطناعي، في أعقاب المخاوف من أن السلطة على التكنولوجيا التحويلية تتركز بين عدد قليل من اللاعبين الأثرياء، حسب مسؤول قسم مكافحة الاحتكار بوزارة العدل الأميركية، جوناثان كانتر .

ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" عن كانتر، قوله إنه تتم دراسة "نقاط الاحتكار والمشهد التنافسي" في الذكاء الاصطناعي ، الذي يشمل كل شيء بدءاً من قوة الحوسبة والبيانات المستخدمة لتدريب نماذج اللغات الكبيرة، إلى مقدمي الخدمات السحابية، والمواهب الهندسية والوصول إلى المعلومات، وصولاً إلى الأجهزة الأساسية مثل رقائق وحدة معالجة الرسومات.

وأفاد بأن المنظمين يشعرون بالقلق من أن قطاع الذكاء الاصطناعي الناشئ "عند مستوى عال من المنافسة، وليس الحد الأدنى"، ويجب أن يتصرفوا "بشكل عاجل" لضمان عدم سيطرة شركات التكنولوجيا المهيمنة بالفعل على السوق.

قاد كانتر، وهو الآن في عامه الثالث في وزارة العدل، جنباً إلى جنب مع لجنة التجارة الفيدرالية، نهجاً أكثر صرامة لمكافحة الاحتكار، حيث رفع دعوى قضائية ضد مجموعات التكنولوجيا مثل غوغل وآبل؛ بسبب ما تزعم الحكومة الأميركية أنه يمثل "احتكارات غير عادلة" في الخدمات بما في ذلك متاجر التطبيقات ومحركات البحث والإعلان الرقمي. كما عمل بشكل وثيق مع رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان.

"هوس الشخصيات الافتراضية".. سعي للمثالية أم الإبهار؟

وقال إن المنظمين ينظرون إلى قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي ويفحصون المشهد التنافسي في مجال الرقائق الدقيقة.

وبينما وحدات معالجة الرسومات أصبحت "مورداً نادراً"، تهيمن شركة إنفيديا على مبيعات وحدات معالجة الرسومات الأكثر تقدماً، وقد تجاوزت قيمتها السوقية شركة Apple قبل أسبوع لتصبح ثاني أكبر شركة مدرجة في العالم من حيث القيمة، قبل أن تتراجع للمركز الثالث لاحقاً.

وبحسب تقرير "فاينانشال تايمز"، فقد توصلت وزارة العدل ولجنة التجارة الفيدرالية إلى اتفاق من شأنه تقسيم الرقابة على مكافحة الاحتكار للاعبين المهمين في مجال الذكاء الاصطناعي.

ووفقاً لشخصين مطلعين على الأمر. ستقود وزارة العدل التحقيقات في شركة إنفيديا، بينما ستشرف لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) على تقييم سلوك مايكروسوفت وأوبين إيه آي.

وفي سياق متصل، أشار كانتر إلى المبادرات الحكومية لتعزيز الإنتاج المحلي، بما في ذلك الحوافز البالغة 39 مليار دولار في قانون الرقائق، لكنه أضاف أن منظمي مكافحة الاحتكار كانوا ينظرون في الطريقة التي يقرر بها صانعو الرقائق تخصيص منتجاتهم الأكثر تقدما وسط الطلب المتزايد.

أبل تحاول اللحاق بقطار الذكاء الاصطناعي وتستعين بـOpen AI

لماذا يتخوف المنظمون؟

من جهته، أرجع خبير التطوير التكنولوجي وأمن المعلومات، هشام الناطور، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، السبب وراء قيام مكافحة الاحتكار بالولايات المتحدة بفتح تحقيق موسع بشأن قطاع الذكاء الاصطناعي، لوجود عدة مخاوف، من بينها:

  • تركيز القوة: الجهات التنظيمية تخشى سيطرة عدد قليل من الشركات الكبيرة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى تضاؤل المنافسة والابتكار وارتفاع الأسعار.
  • التحيز: من الممكن أن تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي تحيزات مبرمجيها، بما يجلب التمييز ضد مجموعات معينة أو آراء بعينها أو تقليب الرأي العام.
  • سوء الاستخدام: استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بأغراض ضارة مثل المراقبة الاجتماعية والجماعية.

وأشار إلى أن التحقيقات والتدقيقات الجارية ليست الأولى من نوعها في هذا الشأن، لافتاً إلى أنه سبق وتم اتخاذ خطوات مشابهة، من بينها على سبيل المثال:

  • في يونيو الجاري، بدأت وزارة العدل الأميركية ولجنة فيدرالية تحقيقات منفصلة لممارسات الذكاء الاصطناعي بشركات تكنولوجيا كبرى مثل مايكروسوفت وإنفيديا، علاوة على أوبين إيه آي.
  • في أبريل من العام 2023 كشفت المفوضية الأوروبية عن خطط لوضع قواعد جديدة لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي مع التركيز على مخاطر احتكاره وصور الاستخدام.
  • في أكتوبر من العام 2023 أصدرت الصين إرشادات جديدة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتي تدعو للابتكار المتناغم وتمنع احتكار السوق.

سيناريوهات محتملة

وأكد أن لهذه التحقيقات نتائج محتملة من شأنها أن تؤثر على القطاع؛ خاصة أنه ستنتج عنها قوانين ولوائح جديدة تنظم تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي بالسنوات المقبلة، وهو ما يؤدي إلى تباطؤ الابتكار، وفي نفس الوقت سيساعد ذلك على ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول.. وعدد بعض النتائج، منها:

  • تقسيم الشركات: في السيناريوهات الأكثر تطرفاً، ستكون هناك جهات تنظيمية معينة تجبر الشركات الكبرى على تقسيم أعمال الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
  • تغييرات لممارسة الأعمال: قد تضطر بعض شركات التكنولوجيا الكبرى لتغيير ممارساتها التجارية لتجنب الاحتكار والتحيز وسوء الاستخدام، بما يفتح أبعاد لمجالات عمل أكبر وفرص تجارية نظراً لتعدد الأنشطة التجارية .

واستعرض بعض السيناريوهات المرتقبة، بعد تحرك المنظمين لتنظيم الشركات العاملة بقطاع الذكاء الاصطناعي، منها:

  • إصدار قوانين جديدة تنظم تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد تشمل أحكام تمنع التمييز والتحيز وسوء الاستخدام وتدفع بتعزيز الشفافية.
  • زيادة المراقبة على صفقات شركات التكنولوجيا بمجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتطلب من الشركات الحصول على موافقات حكومية.
  • قد تجري الحكومات بعض التحقيقات الأكثر شمولاً على بعض الممارسات، وهو ما يدعم المنافسة؛ لأن الحكومات قد تقدم بعض الحوافز للشركات الصغيرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وهو ما يساعد على منع تركيز القوة في يد مجموعة من الشركات.

صفقات

ومنذ الضجة التي أحاطت بإصدار ChatGPT chatbot من OpenAI في نوفمبر 2022، اندلع سباق واسع حيث اندفعت الشركات لتأمين شراكات بمليارات الدولارات مع بعض شركات الذكاء الاصطناعي الواعدة وتلك التي تبني نماذج وتطبيقات تعتمد على التكنولوجيا.

أخبار ذات صلة

ماسك يهدد بمنع أجهزة آبل في شركاته بسبب OpenAI
آبل وثورة الذكاء الاصطناعي.. تفاصيل الشراكة وتأثيرها

ومن الأمثلة على مثل هذه الصفقات استثمار مايكروسوفت بقيمة 13 مليار دولار في آوبين إيه آي ، والذي جاء مع حقوق الملكية الفكرية للشركة الناشئة وحصة من أرباحها، لكنه لم يصل إلى حد الاستحواذ المباشر.

ومع ذلك، قالت لجنة التجارة الفيدرالية (FTC)، وكذلك هيئات مراقبة المنافسة في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، إنها ستحقق في العلاقة إلى جانب صفقات غوغل وأمازون التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات مع منافستها أنثروبيك .

في مارس الماضي، قام الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، بتعيين مصطفى سليمان، مؤسس شركة ناشئة أخرى في مجال الذكاء الاصطناعي تسمى "إنفليكشن"، ومعظم موظفيها البالغ عددهم 70 شخصا لإنشاء وحدة جديدة للذكاء الاصطناعي للمستهلكين. ورأى بعض مراقبي الصناعة أن الصفقة بمثابة تكتيك للتحايل على قوانين مكافحة الاحتكار والهروب من تحقيق رسمي.

وشددت مايكروسوفت وإنفليكشن في ذلك الوقت على أن الاتفاقية لم تكن عملية استحواذ وأن إنفليكشن تظل شركة مستقلة.

وتحقق لجنة التجارة الفيدرالية الآن فيما إذا كانت مايكروسوفت قد فشلت في الإبلاغ بشكل صحيح عن صفقتها مع الشركة الناشئة، وفقًا لشخص مطلع على الأمر.  فيما قال متحدث باسم مايكروسوفت إنها أخذت "التزاماتها القانونية للإبلاغ عن المعاملات على محمل الجد، ونحن واثقون من أننا امتثلنا لتلك الالتزامات".

احتكار مُحتمل

في السياق، أوضح الخبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، محمد مغربي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:

هناك مخاوف لدى المنظمين من الاحتكار المحتمل من قبل بعض الشركات في قطاع الذكاء الاصطناعي.

  • تلك المخاوف من هيمنة شركات بعينها على السوق تدفع المنظمين نحو اتخاذ خطوة استباقية لمنع الاحتكار مستقبلاً؛ وذلك بالبدء في وضع ضوابط تلزم شركات التكنولوجيا التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بالإفصاح عن التطويرات التي تقوم بها، وتسمح بمتابعة مشروعات وخطوات التطوير فيها من قبل المنظمين، وفي حال وصلت إحدى تلك الشركات عند مرحلة تجعل الاستثمار فيها احتكاريا يتم إيقاف مشروعها.
  • بعد تزايد الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في صناعة مستقبل البشرية في شتى المجالات، فإن اقتصار الاستثمار فيه على شركة معينة سيجعل من هذه الشركة قوة عظمى تضاهي أقوى الدول.

 وأوضح أن هناك ثلاث شركات في مجال البرمجيات تهيمن على السوق بالفعل، وهي مايكروسوفت وغوغل وآبل، فتتسابق جميعها لتطوير منتجات جديدة تستفيد من الذكاء الاصطناعي بالمشاركة مع OpenAI، واحتكارها لتقديم أفضل خدمة مقابل منافسيها، مشيراً إلى أن ذلك يعتبر سياسة احتكارية محتملة.

وأضاف إلى ما سبق أن شركة "إنفيديا" التي تعد من أكثر الشركات التي تثير الجدل بشأن هيمنتها على السوق.. فهي حتى الآن شركة تسعى للتطوير من أدائها دائماً، خاصة بعد أن أصدرت شريحة الذكاء الاصطناعي الرائدة "بلاك ويل" والتي من خلالها اتخذت خطوات لسنين بعيدة عن أقرب منافسيها "إنتل" خاصة وأنهما تخوضان حربا طاحنة لتصدر السوق.

الذكاء الاصطناعي.. قصة وحكاية في مؤتمر آبل العالمي