"هل تسعير الأسواق المالية كافٍ لمواجهة المخاطر المستقبلية؟".. سؤال طرحه الكاتب الاقتصادي البريطاني، جيرارد ليونز، وهو كبير الاستراتيجيين الاقتصاديين في Netwealth.
يقول ليونز - في مقال له بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية اطلعت عليه سكاي نيوز عربية - إن مقاييس تقلبات الأسواق المالية تشير إلى عدم وجود تسعير كافٍ للمخاطر، موضحاً أن هناك مقاييساً مختلفة لتقلبات السوق.
تتناسب التقلبات عادة بشكل طردي مع المخاطر عندما تكون البيئة الاقتصادية مستقرة وتكون التوقعات السياسية واضحة ويمكن التنبؤ بها. وكذلك يمكن أن يكون للصدمات تأثير مماثل، فعادة ما تؤدي إلى ارتفاع التقلبات.
تقلبات الأسواق
ويشير كاتب المقال إلى أن:
- التقلبات في أسواق الأسهم والعملات منخفضة.
- المقياس الأكثر متابعة على نطاق واسع لتوقعات تقلبات سوق الأسهم هو مؤشر Vix وتقارن قيمته البالغة 12.46 بمتوسط يبلغ 21.5 على مدى خمس سنوات، وعلى المدى الطويل يبلغ 19.9.
- الإصدار المتزايد لـ "المنتجات الاستثمارية المهيكلة" المعززة للعائد واستخدامها بشكل أكبر من قبل تجار الخيارات أدى إلى تعزيز القيمة المنخفضة للمؤشر.
- على الرغم من ذلك، فإن التدابير الأخرى مثل الانحرافات المعيارية في تحركات السوق تؤكد انخفاض التقلبات.
- كان انخفاض التضخم منذ العام 2022 هو المحرك الرئيسي. ويبدو أن أسواق الأسهم تتجاهل الأخبار الإيجابية والبيئة الانكماشية (للتضخم).
انخفاض تقلبات العملة
أما فيما يخص أسواق العملات، فيرى أن الأمر الأكثر إثارة للانتباه هو انخفاض التقلبات في أسواق العملات، وهو ما يعكسه مؤشر DB لتقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية الصورة، والذي يسجل 6.3 مقابل متوسط 7.6 على مدى خمس سنوات، وذلك على الرغم من نوبات التقلب المرتبطة بضعف تنافسية الين واليوان والوون الكوري الجنوبي. ومع ذلك، فإن انخفاض تقلبات العملة قد يؤدي إلى تثبيط التحوط، وتقويض عمق السوق ومرونتها.
أسواق السندات
وفي المقابل، ارتفعت التقلبات في أسواق السندات هذا العام. وبلغ مؤشر ICE BofA Move للتقلبات في سندات الخزانة الأميركية 83.6، أي أقل بقليل من متوسطاته على مدى خمس سنوات ومتوسطاته طويلة الأجل.
- يفسر ذلك تحول السوق بعيدا عن التوقعات لعدد كبير من تخفيضات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
- ومع انخفاض أسعار الفائدة، من المفترض أن تتراجع تقلبات سوق السندات، ربما بشكل مؤقت.
- لكن التحدي يكمن في أن عديداً من الافتراضات التي تقوم عليها التقلبات المنخفضة في مختلف الأسواق قد تكون عرضة للتحديات. ليس أقلها كيف من المرجح أن تتماشى المخاطر السياسية والجيوسياسية والسياسية والاقتصادية.
التضخم
وفيما يخص معدلات التضخم، فقد أدت السياسات النقدية غير الملائمة والصدمات في جانب العرض إلى استمرار التضخم.
ويعتقد كاتب المقال بأنه في حين أن أسعار الفائدة يمكن أن تنخفض، فإنها ستستقر عند مستويات أعلى مما كانت عليه قبل الوباء.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حالة من عدم اليقين بشأن أين تكمن أسعار الفائدة المحايدة، حيث السياسة النقدية ليست متشددة للغاية أو سهلة للغاية.
معدلات النمو.. والديون
ويقول الكاتب البريطاني في مقاله:
- تتطور الأسواق من التركيز على التضخم إلى النمو.
- وسوف يتبع ذلك التركيز على الديون.
- في حين أن ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي يوفر بعض الراحة المؤقتة، فإن مستويات الديون على مستوى العالم تقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق.
- لا يقتصر الأمر على المستوى فحسب، بل العلاقة المستقبلية بين النمو ومعدلاته هي التي تثير الأزمات.
تسعير المخاطر لا يعكس حجمها!
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- المستثمرون بأسواق المال إلى الآن لم يقوموا بتسعير يعكس حجم المخاطر الموجودة والقادمة مستقبلاً يتناسب معها بالشكل الكافي.
- هناك عديد من التقلبات المتوقعة، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية ومع بداية موسم الانتخابات المرتقبة وبمن المتوقع أن نشهد تقلبات بصورة أكثر في أسواق المال.
- بالإضافة إلى عدد من المتغيرات والتقلبات المستمرة سواء على صعيد النمو الاقتصادي الذي يأتي أقل من المتوقع، بالإضافة إلى معدلات التضخم واستمرارها عند مستويات مرتفعة.
ويوضح أن المرحلة الحالية وما تشهدها من تعاملات تعكس عدم تسعير الأسواق لحجم المخاطر المختلفة بالدرجة الكافية، وهو ما سيؤدي إلى تعرض أسواق المال لحركة تصحيحية خلال الأشهر المقبلة وحتى انتهاء موسم الانتخابات الأميركية.
الانتخابات
وبالعودة لمقال جيرارد ليونز في "فاينانشال تايمز"، فإنه يشير إلى أن:
- كثرة الانتخابات هذا العام لم تؤد إلى زعزعة استقرار الأسواق كما كان يخشى البعض.
- يرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنه في الاقتصادات الناشئة، تم إعادة انتخاب شاغلي المناصب أو من المرجح أن يتم ذلك.
- وفي أوروبا، سوف تعاني الشركات القائمة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كما حدث خلال السبعينيات التضخمية. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى حالة من عدم اليقين بشأن السياسات وتقلبات السوق.
- علاوة على ذلك، فإن المشهد الجيوسياسي يتحول نحو عالم مجموعة الثلاث، التي تضم الولايات المتحدة والصين بالإضافة إلى المجموعة الثالثة من القوى المتوسطة، مثل الهند ونيجيريا والبرازيل.
- من الصعب أن نحدد حجم المخاطر السياسية والجيوسياسية بشكل كامل، ولكنه يشير إلى علاوات مخاطر أكبر في عديد من المجالات.
- لا يقتصر الأمر على المخاطر الثانوية فحسب، بل إن الأخطاء السياسية والضعف الاقتصادي في مواجهة الصدمات المحتملة هي التي قد تؤدي إلى تعطيل الأسواق.
- ويشير ذلك إلى أن الهدوء الحالي قد تحل محله تقلبات متزايدة في الأسواق المالية.
تجاهل المخاطر الجيوسياسية
من جانبه، يقول خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- المخاوف من المخاطر الجيوسياسية كانت تتركز حول احتمالات اتساع رقعة حرب غزة إلى نطاق أوسع يشمل حرب بين إسرائيل وإيران قد تسبب بدورها إغلاق مضيق هرمز ومضيق باب المندب.
- هذا لم يحدث، وهبطت علاوة المخاطر وكذلك الأسعار.. وقد أنهت العقود الآجلة لخام برنت تعاملات الشهر الماضي عند 81 دولاراً للبرميل، و77 دولاراً للخام الأميركي (بعد أن سبق واخترقت مستويات فوق الـ 90 دولاراً بالنسبة لخان برنت بعد الحرب),
ويشير إلى أنه يمكن القول إن أسعار النفط تجاهلت المخاطر الجيوسياسية، موضحاً كذلك أن من بين العناصر الأساسية التي تؤثر على الأسعار تخفيضات أوبك+ وزيادة الإنتاج الأميركي والطلب الصيني.
كما يوضح أن الطلب العالمي على النفط يتصاعد وسيستمر لعدة عقود من الزمن، وحسب استطلاعات رأي أميركية أواخر الشهر الماضي فإن 80 بالمئة من السائقين يفضلون السيارات التي تعمل على البترول و 20 بالمئة فقط يفضلون السيارات الكهربائية، وهو ما يعكس استمرار الطلب على البترول لعقود مقبلة.
ويضيف: المثير للاهتمام أن الاستثمار في قطاع الطاقة الأحفورية لم يتقلص.. ورغم الاضطرابات الجيوسياسية في أوكرانيا وروسيا والشرق الأوسط إلا أن الاستثمار في قطاعات الطاقة الأحفورية يزداد في اتجاهه العام ويستمر رغم التوجه نحو الطاقة النظيفة المستدامة.. ويرى أن ذلك الأمر يشير إلى ثقة في المستقبل وعدم الخوف من التوترات الجيوسياسية (..).
الأوضاع الحالية
رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- التطورات الجيوسياسية في التوقيت الحالي أقل كثيراً من التطورات السابقة في الفترات الماضية، والتي انعكست على ارتفاع أسعار النفط وبالأخص بعد حرب إسرائيل وغزة واستمرارها لفترة طويلة.
- مع استقرار التطورات نوعاً ما شهدنا تراجع أسعار النفط، مقارنة بتطورها في الفترات السابقة، وهو ما يعكس عدم وجود تطورات حالياً تزيد من التردد أو الخوف في الأسواق.
ويلفت إلى أن التطور الجيوسياسي الأخطر المحتمل على المدى المتوسط يتمثل في وجود أي تطورات تنتج عنها احتكاك بين الصين وتايوان، كما أن الانتخابات الأميركية من المتوقع أن تكون فاصلة في حال فوز ترامب بالرئاسة، فضلاً عن تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية حال مزيد من تصعيدها على قطاع النفط.