تستعد الهند لمواجهة تحولات سياسية جذرية بعد الانتخابات الأخيرة التي تمثل ضربة قوية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه الحاكم بهاراتيا جاناتا، إذ لم يحقق الفوز الساحق المتوقع، بعد خسارته عشرات المقاعد مما يضع مودي في موقف صعب خلال فترة ولايته الثالثة، بحسب خبراء، أشاروا إلى أنه مع تفويض أضعف مما كان متوقعاً، يواجه مودي تحديات كبيرة في تنفيذ خططه الاقتصادية وتحقيق النمو القوي.
والسؤال الذي بات مادة دسمة على طاولة المهتمين والمراقبين هو هل ستتأثر أجندة مودي الاقتصادية بولاية ثالثة دون أغلبية؟ وما هو التأثير المحتمل لذلك على نمو اقتصاد الهند؟
فاز حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي وحلفائه، في الانتخابات الهندية، غير أنه لم يحصل على أغلبية برلمانية مطلقة، للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وفق الأرقام الصادرة عن مفوضية الانتخابات، الثلاثاء، إذ حصل الحزب على 240 مقعداً، مقارنة مع 303 مقاعد فاز بها قبل خمس سنوات.
وبالمقابل، حقق تحالف يضم أكثر من 20 مجموعة معارضة بزعامة المؤتمر الوطني الهندي مكاسب في عدة دوائر انتخابية رئيسية، محققاً 99 مقعداً، أي تقريباً ضعف ما حصل عليه في 2019 وهو 52 مقعداً.
وكانت الانتخابات العامة في الهند انطلقت في 19 أبريل الماضي وجرت على سبع مراحل قبل الإعلان عن النتائج الثلاثاء حيث شارك فيها 968 مليون ناخب لاختيار نواب البرلمان وبالتالي تشكيل الحكومة.
علامات استفهام حول الأجندة الاقتصادية
وتساءل تقرير نشرته الأربعاء شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، حول ما يثيره فوز مودي الأضعف من المتوقع في الانتخابات من علامات استفهام حول أجندته الاقتصادية والسياسية.
ونقلت الشبكة عن مراقبين وخبراء أن نتيجة الانتخابات في الهند تمثل ضربة سياسية كبيرة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه الحاكم، ولها آثار كبيرة على الطريقة التي يعتزم بها حكم البلاد، حيث قال نيلانجان سيركار، الزميل البارز في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي: "نحن في منطقة مجهولة، لم نر قط حكومة مودي مضطرة إلى التصرف في ائتلاف. نحن نعلم أن الحزب انخرط في عمل حاسم، في المركزية".
وجاءت نتيجة الانتخابات أكثر تعقيداً بالنسبة لمودي، الذي سيضطر إلى الاعتماد على شركاء في الائتلاف للمرة الأولى في حكمه الذي دام عقداً من الزمن، وقد لا يشارك بعضهم أجندته الاقتصادية أو السياسية للبلاد، بحسب التقرير.
المستثمرون يفضلون بيئة سياسية مستقرة
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي: "سيعود رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بولاية ثالثة، ولكن بعد أن فقد حزبه الحاكم، بهاراتيا جاناتا، أغلبيته في البرلمان، على الرغم من أن تحالف الديمقراطية الوطنية الذي يقوده BJP لايزال يمتلك ما يكفي من المقاعد لتشكيل الحكومة، إلا أن الاعتماد المتزايد على التحالف مع الأحزاب الصغيرة يمكن أن يجعل الحكم أقل استقراراً".
وأردف القمزي: "أدى هذا الوضع إلى رد فعل سلبي في سوق الأسهم الهندية بسبب المخاوف من عدم الاستقرار السياسي المستقبلي، حيث يفضل المستثمرون بيئة سياسية مستقرة".
وتعكس نتائج الانتخابات أن الناخبين الهنود مستقلون في تفكيرهم ويمكنهم مفاجأة القادة (حصل هذا لـ أنديرا غاندي سنة ١٩٧٧) بينما يظل BJP أكبر حزب في البرلمان ومن المرجح أن يشكل الحكومة القادمة، فإن الاعتماد المتزايد على حلفائه الأصغر يمكن أن يعيق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. بناءً على الأوضاع الحالية، قد تتعقد الجهود لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز قطاع التصنيع، خاصة إذا نشأت حالة من عدم الاستقرار السياسي أو نقص في الدعم التشريعي، بحسب تعبيره.
وأشار الخبير الاقتصادي القمزي إلى أن مودي حقق تقدماً في مجالات مثل البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال، لكنه يرى أن التحديات المستمرة مثل البطالة العالية وعدم المساواة الاجتماعية قد تتفاقم في ظل بيئة سياسية غير مستقرة مما يؤثر على طموحات الهند في أن تصبح لاعباً اقتصادياً عالمياً رئيسياً.
الاقتصاد سيواصل مسيرته والنمو لن يتضاءل
من جانبه، قال الدكتور ممدوح سلامة خبير الاقتصاد والنفط العالمي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "الهند هي عملاق اقتصادي، ومن المتوقع أن يصل حجم اقتصادها في العام الحالي إلى 14.5 تريليون دولار، لتكون في المرتبة الثالثة من حيث حجم الاقتصاد في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، كما أنها تعد ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الصين والولايات المتحدة أيضاً إذ تستورد يومياً من يقرب من خمسة ملايين برميل ما يشكل 86 بالمئة من حاجة الهند على النفط، وهذا الرقم يعبر عن سرعة نمو الاقتصاد الهندي".
وفي عام 2023 نما اقتصاد الهند بنسبة 8.2 بالمئة وكان أسرع نمو بين جميع الاقتصاديات الرئيسية في العالم بما فيها اقتصاد الصين، ومن المتوق أن ينمو اقتصاد الهند في عام 2024 بنسبة 7.1 بالمئة وفي عام 2025 بنسبة 6.5 بالمئة، وهذه الأرقام توضح مكانة وحجم اقتصاد الهند في العالم والدور الذي يلعبه في دعم الاقتصاد العالمي، بحسب تعبيره.
وأضاف الدكتور سلامة: "الآن بعد فوز رئيس الوزراء مودي وحزبه الحاكم لولاية ثالثة انخفض حجم النمو الاقتصادي فجأة بنسبة تساوي 371 مليار هذا الانخفاض مؤقت وهو رد فعل على النسبة التي حققها مودي في الانتخابات والتي جاءت أقل من المتوقع، لكن هذا لا يعني من قريب أو بعيد أن نمو اقتصاد الهند سيتضاءل في السنوات المقبلة اثناء ولاية رئيس الوزراء مودي لعدة أسباب أبرزها أن اقتصاد الهند في نمو متسارع وأن هذا النمو سيبقى لفترة طويلة جداً خصوصاً مع ارتفاع الطلب الداخلي على الاستهلاك وارتفاع صادرات الهند واستثماراتها حول العالم".
ويرى خبير الاقتصاد والنفط العالمي أن اقتصاد الهند سيواصل مسيرته ولا يستغرب أن يصبح خلال العشرين عاماً المقبلة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الصينية أي أنه من الممكن أن يتجاوز اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية.
الأسواق الهندية تتلقى الصدمة
يشار إلى أن الأسواق الهندية شهدت أكبر خسارة لها في يوم واحد منذ أربع سنوات بعد أن جاء الأداء الانتخابي لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي أقل من التوقعات.
وانخفض مؤشر القيمة السوقية لعموم الهند، الذي يتبعه مؤشر أسهم بومباي، بما يزيد عن 371 مليار دولار في الرابع من يونيو وحده.
وهذه الخسائر تعني أن مؤشر سينسيكس قد محى جميع مكاسبه هذا العام في يوم واحد، حيث انتقل من مكاسب سنوية بنسبة 5.85 بالمئة حتى تاريخ يوم الاثنين إلى مركز خسارة بنسبة 0.22 بالمئة.
وفي الوقت نفسه، شهد مؤشر Nifty 50 مكاسبه منذ بداية العام حتى تاريخه بنسبة 7 بالمئة اعتبارًا من يوم الاثنين، حيث انخفض إلى زيادة ضئيلة بنسبة 0.7 بالمئة منذ بداية العام، وفي يوم الأربعاء، بعد يوم واحد من نتائج الانتخابات، انتعش مؤشر نيفتي وارتفع بنسبة 0.7 بالمئة، في حين كان تداول مؤشر سينسيكس مرتفعًا بنسبة 0.26 بالمئة بالمئة.
وقال تقرير لبنك غولدمان ساكس صدر الأربعاء إنه "حتى مع وجود أغلبية مخفضة، لا نعتقد أن الاستقرار الكلي سيتعرض للخطر، ومع ذلك، فإن التفويض الأضعف من شأنه أن يزيد من صعوبة تنفيذ التغييرات الهيكلية في السياسات، مثل إصلاحات الأراضي لمساعدة نمو الصناعات التحويلية وإصلاحات قطاع الزراعة لتعزيز نمو الإنتاجية الزراعية".
وذكر محللو غولدمان: "إن هذه هي المرة الأولى خلال السنوات العشر الماضية التي يدير فيها حزب بهاراتيا جاناتا حكومة دون أغلبية خاصة به، وعلى هذا فإن التحدي الرئيسي الذي يواجه حزب مودي سوف يتمثل في إدارة شركاء الائتلاف، الذين من المرجح أن يتفاوضوا على التعيينات الوزارية الرئيسية".
وأضاف المحللون: "نعتقد أن الحكومة ستلتزم بمسار ضبط الأوضاع المالية المعلن عنه بنسبة 5.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في هذه السنة المالية، على الرغم من أننا نتوقع إعادة تخصيص بعض الإنفاق نحو الرعاية الاجتماعية".