يشهد مجال الاستثمار والاستشارات المالية تحولاً تدريجياً بفضل تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت تلعب دوراً متصاعداً في تحليل البيانات، وتوقع اتجاهات السوق، واتخاذ القرارات الاستثمارية بشكل أسرع وأكثر دقة من الأساليب التقليدية أحياناً.

تعتمد بعض شركات الاستثمار الآن على خوارزميات التعلم الآلي؛ لتحليل كميات هائلة من البيانات المالية وغير المالية، مما يتيح لها تحديد الفرص الاستثمارية الناشئة وتقليل المخاطر المحتملة.

تشمل الفرص التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في هذا المجال تحسين دقة التوقعات المالية، وتخصيص المحافظ الاستثمارية بشكل أكثر فعالية، وتقليل التكاليف التشغيلية من خلال الأتمتة. كما يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم استشارات مالية مخصصة بناءً على تحليل بيانات العملاء وتفضيلاتهم الشخصية، مما يعزز من رضا العملاء وزيادة معدلات الاحتفاظ بهم.

ومع ذلك، تأتي هذه التطورات مع تحديات ومخاطر تحتاج إلى معالجة دقيقة، من أبرز التحديات هو ضمان الشفافية والمساءلة في قرارات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن تكون الخوارزميات معقدة وغير مفهومة بالكامل حتى لمطوريها. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الأمن السيبراني مخاطر كبيرة، حيث يمكن أن تؤدي الاختراقات إلى فقدان بيانات حساسة أو تلاعب في الأسواق. علاوة على ذلك، تعتمد دقة وتوقعات الذكاء الاصطناعي على جودة البيانات المتاحة، مما يجعل من الضروري ضمان توفر بيانات موثوقة ومحدثة باستمرار.

أخبار ذات صلة

ما هو "إنترنت الأجسام" وكيف يجعل أجسادنا متصلة؟
"إنتل" تكشف عن رقائق جديدة "ستقود ثورة الذكاء الاصطناعي"
الإمارات.. خطوات جادة لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
"ايه ام دي" تكشف عن رقائق الكترونية جديدة لمنافسة "إنفيديا"

استخدام متزايد

وبحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن مديري الأصول يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لتوجيه قرارات الاستثمار وتتبع عادات مديري المحافظ وتحديد فرص الربح.

وكمثال على ذلك، نقلت الصحيفة عن مسؤولين في بنك جيه بي مورغان، قولهم إن البنك يخطط في وقت لاحق من هذا العام لتوسيع استخدام أداة الذكاء الاصطناعي التوليدية التي تشير إلى قرارات مشكوك فيها من قبل مديري المحافظ، مثل احتمال بيع الأسهم عالية الأداء في وقت مبكر.

وتبعاً لرئيس منصة الاستثمار في بنك جيه بي مورغان لإدارة الأصول،كريستيان ويست، فإن الأداة التي يطلق عليها "Moneyball"، تهدف إلى تحليل كيف تصرف مديرو المحافظ هم والسوق في ظروف مماثلة، وتساعد على تصحيح التحيز وتحسين عملياتهم.

  • يستخدم مديرو الصناديق الآخرون الذكاء الاصطناعي لتكملة المحللين البشريين، وتحديد أهداف "تمويل التقاضي" وشرح قرارات التخصيص للمستثمرين.
  • تُظهر هذه الجهود المتباينة كيف يتحول الذكاء الاصطناعي في إدارة الأصول من مهام الامتثال والتسويق التي تتطلب أعمالاً ورقية مكثفة إلى مساعدة المتخصصين في الاستثمار على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً.
  • ووفق الصحيفة، فإن أداة "جيه بي مورغان" هي برنامج تجريبي لا يزال قيد التطوير وستتم إتاحته لمجموعة أوسع من مديري المحافظ في وقت لاحق من هذا العام.

محلل افتراضي

من جانبها، قامت شركة Voya Investment Management بالفعل بتطبيق محلل افتراضي يمكنه مراقبة الأسهم بحثاً عن المخاطر المحتملة، مما يكمل طاقم البحث البشري للشركة.

يتمتع مديرو المحافظ بإمكانية الوصول إلى لوحة المعلومات التي يمكن من خلالها عرض مراجعة المحلل البشري للأوراق المالية جنباً إلى جنب مع تعليقات الذكاء الاصطناعي، مثل وضع علامة حمراء على السهم المختار.

وأفاد تقرير الصحيفة، بأنه حتى الآن، أظهر محلل الذكاء الاصطناعي في Voya نسبة جيدة من القرارات (الصحيحة والخاطئة)، مما يجعل تنبيهاته "إشارة عالية القيمة"، وفق الرئيس المشارك لقسم الذكاء الآلي في Voya  غاريث شيبرد ، والذي شبه العملية بإشارات قراءة الطيار ومساعده من نظام إدارة الطيران بالطائرة.

الذكاء الاصطناعي يمهد لثورة في التعليم الالكتروني

مثال آخر مرتبط بشركة Legalist، التي تدير صندوق تحوط بقيمة مليار دولار يركز على تمويل التقاضي، فإنها تستخدم أداة بحث خاصة بالذكاء الاصطناعي تسمى "Truffle Sniffer" للعثور على أهداف استثمارية جذابة من بين الدعاوى المدنية.

تقوم الآداة بمسح سجلات المحكمة بحثاً عن علامات النتائج الإيجابية، مثل القضاة الودودين وفصول التقاضي بالإضافة إلى الأحكام السابقة للمحاكمة التي تشير إلى حالات قوية بشكل خاص.

ويشير التقرير إلى أنه

  • على الرغم من التطورات، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق عوائد طويلة الأجل لمديري الأصول تواجه شكوكاً.
  • مدير المحفظة المخضرم ديفيد جيرو، الذي يدير صندوق T Rowe Price Capital Appreciation بقيمة 59 مليار دولار، قال إن معظم رأس المال الذي يركز على الذكاء الاصطناعي في إدارة الأصول موجه نحو إيجاد ميزة قصيرة الأجل بدلاً من المهمة الأكثر صعوبة المتمثلة في تقدير الأرباح المحتملة سنوات في المستقبل.
  • وأضاف: "أعتقد بأن الذكاء الاصطناعي لن يفعل سوى القليل جداً لإزالة هذا النقص في الكفاءة".

ثورة في القطاع المالي

ويُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في القطاع المالي، ذلك أنه يُسهم في توجيه المستثمرين نحو اتخاذ قرارات مالية مستنيرة، وفق الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، والذي يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه يتم توظيف الذكاء الاصطناعي بطرق متعددة مثل المستشارين الآليين، والتحليل المتقدم، والدردشة الآلية، والتداول الخوارزمي.. ويشرح ذلك على النحو التالي:

  • المستشارون الآليون: نصائح مالية مخصصة بناءً على ملفات تعريف المخاطر وأهداف المستثمرين.
  • التحليل المتقدم: تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من البيانات المالية، مما يساعد في تحديد اتجاهات السوق واكتشاف فرص الاستثمار.
  • الدردشة الآلية: توفر روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي خدمة العملاء على مدار الساعة، وتجيب على الأسئلة المالية وتقدم الدعم.
  • التداول الخوارزمي: تستخدم خوارزميات التداول الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات الشراء والبيع تلقائيًا، بهدف تحسين العوائد

ويعدد الخبير التكنولوجي فوائد ذلك في عددٍ من الأمور، في مقدمتها ما يتعلق بإمكانية الوصول إلى المعلومات، إذ يوفر الذكاء الاصطناعي للمستثمرين وصولاً إلى قدر هائل من المعلومات والبيانات المالية التي قد تكون صعبة الوصول بطرق تقليدية، علاوة على عامل "الشخصنة والتخصيص"، إذ  يمكن تخصيص النصائح المالية لتناسب احتياجات كل مستثمر وأهدافه ومستوى المخاطرة.

ومن بين العوامل الإيجابية التي يلفت إليها أيضاً ما يرتبط بـ "الكفاءة" على اعتبار أنه  يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة المهام المتكررة، مما يتيح للمستشارين الماليين التركيز على تقديم المشورة الاستراتيجية. علاوة على عامل "الدقة"، إذ تساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تقليل التحيز البشري وتحسين دقة اتخاذ القرارات.

لكن على الجانب الآخر، يحذر الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" من مجموعة من العيوب أو المخاطر، من بينها ما يرتبط بالمخاوف الأخلاقية، إذ قد تُثير استخدامات الذكاء الاصطناعي مثل التداول الخوارزمي مخاوف بشأن الشفافية والمساءلة.

ويضاف إلى قائمة المخاطر أيضاً العوامل المرتبطة بـ "الاعتماد على البيانات" على اعتبار أنه  تعتمد جودة مخرجات الذكاء الاصطناعي على جودة البيانات التي يتم تدريبها عليها. علاوة على عامل "نقص التفاعل البشري"، إذ قد يفتقر بعض المستثمرين إلى التفاعل البشري والنصيحة الشخصية التي يوفرها المستشار المالي.

أخبار ذات صلة

"إنفيديا" تكشف في تايوان مشاريعها "للثورة الصناعية المقبلة"
ريادة غير متوقعة.. هل يمكن لمالطا أن تحقق خطتها التكنولوجية؟

ومن بين المخاطر أيضاً "مخاطر التكنولوجيا" إذ  قد تكون الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي عرضة للاختراق أو الأخطاء الفني. ومن بين العيوب والمخاطر كذلك: (عدم الثقة الكاملة، والتعقيد والشفافية، والتكاليف العالية في بعض الأحيان).

 وبشكل عام، يقدم الذكاء الاصطناعي أدوات قوية يمكن أن تساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات مالية أكثر استنارة، ومع ذلك، من المهم إدراك المخاطر والقيود المرتبطة بهذه التكنولوجيا.

ويعتمد نجاح استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الاستثمار على التوازن الصحيح بين الإمكانات التقنية والإشراف البشري الحكيم. وينصح بانافع المستثمرين بأن يكونوا على دراية بحدود وقيود هذه التقنية، واستخدامها بشكل مكمل للخبرة والحكم البشري، وليس بديلاً عنها.

تطور كبير

من جانبه، يقول خبير التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • يوم بعد يوم الذكاء الاصطناعي يثبت تطوراً كبيراً بحياتنا.. ونحن مازلنا في مرحلة مبكرة جداً من حياة الذكاء الاصطناعي، لأنه يشهد تطوراً مستمراً.
  • القطاع المالي يشهد ثورة كبيرة مع ازدياد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوجيه المستثمرين لاتخاذ القرارات المالية.
  • يتم التركيز على الكم الهائل والكبير من المعلومات والبيانات التي يتعامل معها الذكاء الاصطناعي والتي يحللها بسرعة فائقة.
  • من الأدوات الأساسية التي يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي، أدوات تحليل البيانات، ذلك أن هناك برامج متقدمة تساعد المستثمرين على تحليل كميات هائلة من البيانات المالية وتحديد اتجاهات السوق وفرص الاستثمار.
  • الكم المهول من المعلومات التي لدى الذكاء الاصطناعي وكيفية تعامله معها، وكم ودقة المعلومات التي يقدمها عند استخدام هذه الأدوات من الأمور التي تنذر بثورة في هذا المجال.
  • تضاف إلى ذلك تقنيات التنبؤ باستخدام خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بحركات الأسعار وتحديد المخاطر المحتملة، عبر كمية كبيرة من المعلومات، يتم تجميعها على عدد سنوات كبير، وتجرى فلترتها.

ويشير إلى التجارب المرتبطة بما وصفه بـ "الاستثمار الآلي"، مع وجود روبوتات تستخدم في التداول لتنفيذ صفقات تلقائياً، بناء على استراتيجيات محددة مسبقاً (وهو مجال واعد لا تزال تتم مراجعته ومتابعته).

ويضيف: "الذكاء الاصطناعي يقوم بتحليل كميات هائلة من المعلومات والبيانات المالية وتحديد الأنماط التي لا يستطيع البشر رؤيتها بهذه السرعة.. هذا الشيء يؤدي إلى اتخاذ قرارات استثمارية أكثر دقة وبسرعة أكبر وبالوقت المناسب.. وهذا الأمر يدفع وجود فرص أوسع للمستثمرين".

لكنه يتحدث في الوقت نفسه عن مجموعة من المخاطر، مضيفاً إلى سلسلة المخاطر التي استعرضها بانافع، المخاطر المتعلقة بـ "التحيز الخوارزمي" وكذلك مخاطر عدم الشفافية. كما يشير إلى مشكلة أخرى يثيرها تقدم الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي، وهي المرتبطة بـ "فقدان الوظائف" فيما يخص المستشارين الماليين والاقتصاديين العاملين في هذا المجال.

هل يغير الذكاء الاصطناعي مستقبل التعليم؟