تمثل العلاقات الصينية العربية دائماً نموذجاً مهماً في إطار العلاقات الخارجية لبكين، ومع انعقاد المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، تدخل هذه العلاقة النموذجية مرحلة تاريخية جديدة، تعكس فيها رغبة مشتركة بين الصين والدول العربية في تعزيز الاتحاد والتعاون.
يعكس الزخم الذي يحظى به المنتدى الرغبة المشتركة للصين والدول العربية في الاتحاد والتعاون ومواصلة دفع العلاقات الصينية العربية إلى مستويات جديدة، حسبما ذكر نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي في مؤتمر صحافي.
يصادف هذا العام الذكرى العشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي، الذي ازدهر على مدى العقدين الماضيين ليصبح منصة حيوية للتعاون المتعدد الأطراف. فيما يعود نجاح المنتدى إلى الإنجازات الملموسة التي تحققت في مختلف المجالات، مما يعزز أهميته وحيويته كآلية فاعلة لتعميق الروابط بين الصين والدول العربية.
وفي ضوء هذا التاريخ الغني بالتقدمات، يمثل المنتدى نموذجاً فريداً للتعاون الدولي، ويعكس التزام الجانبين بمواصلة تعزيز العلاقات وتحقيق المزيد من التقدم المشترك.
وبحسب صحيفة غلوبال تايمز الصينية:
- ظلت الصين بشكل ثابت أكبر شريك تجاري للدول العربية لسنوات عديدة.
- في إطار البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، نفذ الجانبان أكثر من 200 مشروع تعاون، استفاد منها ما يقرب من ملياري شخص من الجانبين.
- أنشأ منتدى التعاون الصيني العربي 19 آلية مهمة، بما في ذلك المؤتمرات الوزارية والحوارات السياسية الاستراتيجية، وأصدر 85 وثيقة ختامية مهمة.
- في حين حافظت التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية على مستوى تاريخي مرتفع يبلغ حوالي 400 مليار دولار ، فإن موجة جديدة من التعاون تركز على مجالات رئيسية مثل الابتكار التكنولوجي، والتحول الصناعي، والتنمية الخضراء والبنية التحتية.
ويشير تقرير الصحيفة إلى تحول التعاون الصيني العربي من التركيز في المقام الأول على الاقتصاد والتجارة إلى "ترويكا" الاقتصاد والأمن والثقافة، لتحقيق التنمية المستدامة.
وباعتبارهما صديقين قدامى على طول طريق الحرير القديم، أصبحت الصين والدول العربية الآن أخوة وشركاء جيدين يدعمون المساعدة المتبادلة والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعلم المتبادل الشامل، بحسب وصف التقرير.
ويعد المنتدى الحالي أول اجتماع وزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي يعقد بعد القمة الصينية العربية الأولى في العام 2022. وهو بمثابة استعراض لإنجازات التعاون الصيني العربي على مدار العشرين عامًا الماضية واستشراف المستقبل للسنوات العشرين المقبلة، ويحدد مخطط التعاون المستقبلي بين الصين والدول العربية.
ووفقا لمصادر صينية، فإن الاجتماع يعتزم تعزيز التوافق بين الصين والدول العربية من خلال سلسلة من الوثائق الختامية، وتخطيط التعاون للمرحلة المقبلة، وإصدار بيان مشترك حول القضية الفلسطينية.
علاقات تاريخية
يقول الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، إن العلاقات الصينية العربية هي علاقات ممتدة ومتطورة على مدار عقود.
ويشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن
- العلاقات الصينية العربية بدأت منذ العام 1956، وتحديداً عندما اعترفت الدول العربية بجمهورية الصين الشعبية وأقامت علاقات دبلوماسية معها.
- تطورت العلاقات بشكل ملحوظ خلال السنوات العشرة الماضية.
- تحتفل الدول العربية هذا العام، بمرور 20 عاماً على إنشاء "منتدى التعاون العربي الصيني" وإقامة شراكة اقتصادية شاملة بين الصين وعديد من الدول العربية.
- بدأت العلاقات الصينية العربية في ظروف دولية خاصة، لا سيما في ضوء حالات استقطاب بين المعسكرين الشرقي والغربي، وربما كان العامل الإيديولوجي في تلك الفترة له دور كبير، ولكن الآن المصالح الاقتصادية والسياسية والتنموية هي التي تمثل السياج الذي يضمن لتلك العلاقات الاستمرارية والتطور.
ويضيف: المنطقة العربية بالنسبة للصين مهمة، سواء على المستوى الاقتصادي والسياسي، تستورد الصين نصف وارداتها من النفط الخام من المنطقة العربية.. كما تعمل عديد من الشركات الصينية في المنطقة العربية، خاصة في مجالات البنية الأساسية والطاقة.. كذلك شهدت السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً في مجال التعاون التكنولوجي بين الصين والدول العربية، لا سيما في مجال تكنولوجيا الفضاء ومجال تكنولوجيا الجيل الخامس، إلى جانب عديد من المجالات الأخرى.
مواقف الصين
وفيما يخص العلاقات السياسية، يلفت إسماعيل، إلى أن الصين تلعب دوراً في سياسات المنطقة العربية، خاصة دورها في تهيئة الوصول لاتفاق بين إيران والسعودية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
- موقف الصين من القضية الفلسطينية يكاد يتطابق مع مواقف الدول العربية، خاصة أنها تعترف بالدولة الفلسطينية وتدعو إلى اعتماد فلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة، إلى جانب تأييدها لكافة قرارات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها فيما يخص القضية الفلسطينية.
- المنطقة العربية كجزء من منطقة الشرق الأوسط، ينظر إليها على أنها ساحة تنافس بين الولايات المتحدة والصين، بعدما كانت المنطقة ساحة نفوذ للولايات المتحدة.
- تلعب الصين دوراً هاماً في المنطقة العربية، وهذا الدور مرحب به من جانب الدول العربية والشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل.
- مواقف الصين المعتدلة تجعل الدول العربية تميل أكثر إلى التعاون الصيني، وربما يصل ذلك إلى ارتقاء حجم التبادل التجاري بين الجانبين، وسط توقعات بأن يصل خلال الفترة المقبلة إلى 600 مليار دولار.
ويقول إسماعيل إن الدول العربية تحاول إقامة نوع من التوازن بعلاقتها مع الصين والولايات المتحدة، خاصة أن هناك عدداً كبير من الدول العربية لها علاقات استراتيجية أيضاً مع الولايات المتحدة، موضحاً أنه تتم صياغة أطر التعاون بشكل لا يبدو أنه موجه لطرف ثالث، كما أن الصين أكدت أكثر من مرة أنها لم تسع أن تكون بديلة أو تحل محل أي طرف في المنطقة العربية.
وقفز حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية من 36 مليار دولار أميركي في العام 2004 إلى أكثر من 400 مليار دولار في العام 2023، بحسب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، في كلمته التي ألقاها، صباح اليوم الخميس، خلال افتتاح الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني.
تطوير العلاقات
وبالعودة لتقرير غلوبال تايمز، فإنه يلفت في الوقت نفسه إلى أن:
- الصين تعمل على تطوير علاقاتها الودية مع الدول بمختلف أحجامها في العالم على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة.
- إن التعاون الصيني العربي هو تعاون مدفوع بالمنطق الأصيل والاحتياجات المتبادلة للجانبين للتقارب والتعاون.
- بطبيعة الحال، كأعضاء في "الجنوب العالمي"، تطورت العلاقات بين الصين والدول العربية على نحو جيد إلى الحد الذي يجعل الأمر يستحق مناقشة الرؤى المشتركة.
- تقف الصين والدول العربية معاً في الأوقات الجيدة والصعبة في النضال من أجل الحفاظ على الكرامة الوطنية والدفاع عن السيادة الوطنية، والعمل معاً للتطور في مد العولمة والثورة التكنولوجية الجديدة، ودعم بعضهما البعض في مجال التنمية والقضايا التي تنطوي على المصالح الأساسية والاهتمامات الرئيسية.
- في العام الماضي، وبوساطة الصين ، توصلت المملكة العربية السعودية وإيران إلى مصالحة تاريخية. وفي إبريل من هذا العام قامت الصين بتيسير المشاورات بين فتح وحماس في بكين .
وعلقت بعض وسائل الإعلام الأجنبية بأن الصين "تحولت من مشارك صامت إلى صوت مهم في المنطقة". ويُعتقد بأن أهمية صوت الصين لا تكمن في حجم الصوت، بل في الحفاظ على موقف عادل، ودعم القضية العادلة للدول العربية، ولعب دور بناء دائمًا، ولهذا السبب تثق به الدول العربية وتقبله بشكل كامل.
تدعم الصين على وجه الخصوص الدول العربية في البحث بشكل مستقل عن مسارات التنمية المناسبة لظروفها الوطنية. وهذا يقنعهم كذلك بأن "تنمية الصين هي نمو للسلام والتقدم، والصين صديق وشريك جدير بالثقة للدول العربية"، وفق الصحيفة.
أهمية العلاقات
وفي سياق متصل، يقول رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، عماد الأزرق، إن العلاقات الصينية العربية تكتسب أهمية كبرى؛ نظراً للأهمية الجيوسياسية بين الطرفين.
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": المنطقة العربية تمثل أهمية كبيرة لصالح الصين من خلال اعتمادها على نسبة قد تصل إلى 70 بالمئة من احتياجاتها النفطية والطاقة من المنطقة العربية.
ويشير الخبير في الشؤون الآسيوية إلى أن:
- المنطقة العربية سوق ضخم وكبير للمنتجات الصينية.
- يتجاوز حجم التجارة بين الصين والدول العربية الـ400 مليار دولار.
- هناك استثمارات صينية ضخمة في المنطقة العربية، خاصة أن معظم الدول العربية لديها خطط تنموية طموحة، مثل مصر والسعودية وغيرها.
- هناك شراكات اقتصادية كبيرة بين الجانبين في مجالات عديدة.
- تعتبر المنطقة العربية قبلة العالم؛ كونها تعد منطقة ممرات بحرية وتجارية، وبالتالي فإن الصين باعتبارها أكبر قوة تجارية في العالم تمر نسبة كبيرة من تجارتها عبر الممرات العربية الموجودة في المنطقة سواء البحر الأحمر والبحر المتوسط ومن خلال الخليج العربي.
- تشكل الصين للدول العربية أهمية بالغة؛ كونها قوة اقتصادية كبيرة، كما تساعد الدول العربية على تحقيق خطتها التنموية، وتقدم لها عديداً من مصادر التمويل الكبيرة لتمويل مشروعاتها.
- تعتبر الصين داعماً قوياً للمواقف السياسية العربية، إذ تتبنى التوجهات العربية في كافة القضايا، خاصة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الأوضاع في السودان وليبيا وسوريا والعراق واليمن وخلافه.
- تنظر الصين للدول العربية باعتبارها دول محورية على مبادرة "الحزام والطريق"، باعتبار هذه المبادرة رأس الحرباء بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية.
ويؤكد الأزرق، أن هذه العوامل كافة أسهمت في تطوير التعاون والتبادل بين الطرفين بشكل كبير.