شهد العالم الأسبوع الماضي جولة جديدة من النزاع التجاري الأميركي الصيني، حيث رفعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الرسوم الجمركية، على السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 100 بالمئة، في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع.
وجاءت الخطوة بعد التحذير الذي أطلقته وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في شهر أبريل الماضي، عندما أعلنت أن الصين تتعامل مع الاقتصاد العالمي على أنه "أرض إغراق" لمنتجاتها الرخيصة من السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، ما يتسبب بتشوه الأسعار العالمية ويضر بالشركات والعمال الأميركيين.
ولم تقتصر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على السيارات الكهربائية الصينية فقط، بل شملت أيضاً وبنسب متفاوتة منتجات البطاريات، ومنتجات الخلايا الشمسية ومعادن الصلب والألمنيوم، ورافعات الموانئ وبعض المنتجات الطبية والمزيد من السلع.
وتوقع البيت الأبيض أن تؤثر هذه الزيادات الجمركية التي ستطبق على مراحل، بين عامي 2024 و2026، على نحو 18 مليار دولار من الواردات الصينية السنوية إلى الولايات المتحدة.
تشكيك بجدوى التعريفات الجديدة
رغم الضجة التي حظي بها القرار الأميركي الجديد، وتحديداً فيما يتعلق بالرسوم على السيارات الكهربائية الصينية، إلا أن تحقيقاً نشره موقع "CNBC"واطلعت عليه "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، شكك في قدرة التعريفات الأميركية الجديدة، على منع انتشار المركبات الكهربائية الصينية في سوق أميركا، وذلك نتيجة الثغرات التي يتضمنها قرار الإدارة الأميركية بهذا الشأن.
وبحسب التحقيق الصحفي فإن تعريفات بايدن قد لا تكون كافية، لمنع المركبات الصينية من أن تشكل تهديداً في الولايات المتحدة، وذلك لسببين، الأول هو أنه ومع التعرفة الجمركية الجديدة، بنسبة 100 بالمئة، لا يزال بإمكان الشركات الصينية أن تبيع بعض من نماذج سياراتها الكهربائية، أرخص من نماذج السيارات الكهربائية التي تصنعها الشركات الأميركية، في حين أن السبب الثاني يعود لاحتواء القرار الأميركي الجديد على ثغرات، فالتعريفات المستحدثة لا تشمل السيارات الكهربائية الصينية التي يتم جمعها في دول خارج الصين، مثل المكسيك المجاورة لأميركا.
ويرى خبراء السيارات والتجارة أن زيادة الرسوم الجمركية، هي عبارة عن إجراء حمائي، قد يكون فعالاً على المدى القريب لناحية تأخير قدوم السيارات الصينية الكهربائية إلى الولايات المتحدة، ولكنه لن ينجح بمنعها.
وقال دان هيرش، الرئيس المشارك لقسم الممارسات الصناعية والسيارات في الأميركيتين في شركة الاستشارات AlixPartners، إنها مسألة وقت قبل قدوم السيارات الصينية إلى أميركا، ولذلك ينبغي على شركات تصنيع السيارات أن يرفعوا من مستوى لعبهم وأن يستعدوا للتعامل مع هذا الأمر.
بدوره يقول المحلل في بنك "مورغان ستانلي" تيم هسياو، إن الحمائية، يمكن أن تكون عبئاً على المدى القريب على صانعي السيارات الكهربائية الصينيين، الذين يهدفون إلى التوسع عالمياً بشكل سريع، ولكن من غير المرجح أن يوقف هذا الإجراء انتشار السيارات الصينية الكهربائية على المدى الطويل.
تراجع نفوذ شركات السيارات الأميركية
ويكشف تحقيق "CNBC" الذي اطلعت عليه "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه لعقود من الزمن، قالت شركات السيارات الصينية إنها ستبدأ في بيع مركباتها في الولايات المتحدة، ولكنها لم تنجح بذلك، إلا أن تحسن جودة السيارات الصينية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ساهم في تبدل الأوضاع، ما أدى إلى تراجع سريع في حصة شركات تصنيع السيارات الأميركية في السوق المحلية.
وقد تراجعت حصة الشركات الثلاث الكبرى لصناعة السيارات في الولايات المتحدة، أي جنرال موتورز، وفورد موتور وكرايسلر المملوكة الآن لشركة ستيلانتيس، في السوق المحلية من 75 بالمئة في عام 1984 إلى حوالي 40 في المئة في عام 2023، وفقاً لبيانات الصناعة.
وهذا التراجع لا تتحمل مسؤوليته فقط الشركات الصينية، بل لاعبون عالميون آخرون، حققوا المزيد من النجاحات في السوق الأميركية خلال السنوات الأخيرة.
ويضيف تحقيق "CNBC" أن شركة جنرال موتورز وغيرها من الشركات، وجدت صعوبة في التنافس مع السيارات الصينية ذات الميزانية المحدودة، بما في ذلك السيارات الكهربائية، فعلى سبيل المثال، يبدأ سعر سيارة كهربائية صغيرة من شركة BYD تسمى Seagull بحوالي 10,000 دولار، وحتى مع التعرفة الجمركية الجديدة بنسبة 100 بالمئة التي فرضتها أميركا، فمن المرجح أن يكون سعر السيارة متوافقاً مع سعر العديد من السيارات الكهربائية المعروضة للبيع حالياً في الولايات المتحدة أو حتى أفضل منها.
ورغم أن Seagull لم يتم بيعها بعد على الأراضي الأميركية، إلا أن BYD تعمل على توسيع حضور هذه السيارة في الأسواق العالمية.
وتقول نائبة رئيس أبحاث معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في مجموعة ING المصرفية، كوكو تشانغ، إن تأثير التعريفات الجمركية الأميركية الجديدة، يمكن أن يكون مضاعفاً، في حال انضمت أوروبا لهذا الإجراء، حيث قامت شركات السيارات الصينية بإغراق الأسواق هناك بالمركبات الكهربائية والمركبات العاملة بالغاز، وتقويض شركات صناعة السيارات المحلية.
وترى تشانغ أن فرض رسوم جمركية في أماكن أخرى غير أميركا، قد يجبر الشركات الصينية على التحرك بسرعة أكبر، لإنشاء مشاريع مشتركة مع شركات أخرى في تلك الدول، في محاولة لخفض تكاليف التصدير، حيث أن مثل هذه التحركات من شأنها أن تذكر بكيفية دخول شركات صناعة السيارات اليابانية والكورية، مثل تويوتا ونيسان وهيونداي وكيا إلى السوق الأميركية في العقود الأخيرة.
وكان الاتحاد الأوروبي قد كشف في أكتوبر 2023 أن الشركات الصينية استحوذت على 8 بالمئة من مبيعات السيارات الكهربائية بالكامل في أوروبا، اعتباراً من سبتمبر 2023، متوقعاً أن تزيد حصتها إلى 15 في المئة بحلول عام 2025، إذ يعتقد الاتحاد الأوروبي أن السيارات الكهربائية الصينية، تقلل أسعار النماذج المحلية بنحو 20 في المئة.
ويقول محلل شؤون تطوير الأعمال والخبير بالمركبات زياد عيتاني، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من الواضح أن القرارات الجمركية لإدارة الرئيس بايدن، ستعيد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم الى الواجهة من جديد.
وأشار إلى أن القرارات الأميركية الجديدة هي في الظاهر قوية ولكنها في الباطن ضعيفة وستنعكس على الاقتصاد الاميركي، فالولايات المتحدة هي من أكبر مستوردي الصلب والألمنيوم الصيني، في حين أن فرض رسوم جمركية على هذه المعادن، سيؤثر بشكل مباشر على أسعار تصنيع السيارات الأميركية.
وكشف عيتاني أن المركبات الصينية، باتت تستحوذ على 18 بالمئة من سوق السيارات الكهربائية في أميركا، حيث تمتلك شركتا BYD وZeekr حصّة الأسد منها، لافتاً إلى أن تخوّف الادارة الأميركية من السيارات الصينية يعود لعدة أسباب، منها التنافس المباشر مع شركتي تسلا وريفيان الأميركيتين، وهو ما سيؤدي الى خلل في التوازن التجاري والصناعة وقد يضر بالاقتصاد الأميركي، أمّا على المقلب الآخر فهناك مخاوف على أمن التكنولوجيا والبيانات، فأميركا يساورها القلق من أن تستخدم الصين البيانات التي تجمعها السيارات الكهربائية كأداة للتجسس، إضافة إلى المخاوف المتعلقة بتلبية المركبات الصينية لمعايير البيئة والسلامة الأميركية.
وبحسب عيتاني فإن الحلول الوحيدة أمام الولايات المتحدة لمواجهة المد الصيني، في مجال تصنيع السيارات هو تقديمها دعم واسع على أسعار السيارات الكهربائية المصنعة في أميركا ومنحها للمزيد من الحوافز، وإدخال تقنيات جديدة على هذه الصناعة، تساعدها في أن تسبق الصين.
كما بإمكانها رفع مواصفات السيارات المسموح بيعها في البلاد مما سيؤثر حكماً على تكلفة إنتاج السيارات في الصين، مشيراً إلى أن دفع الاتحاد الاوروبي لزيادة القيود على السيارات الصينية، خاصة بعد اعلان نيّة بروكسل رفع التعرفة على المركبات الصينية من 10 إلى 50 بالمئة، سيساعد في تشديد الخناق على صناعة السيارات الصينية.
أوراق قوة تمتلكها الصين
وأشار عيتاني إلى أنه لدى الحكومة الصينية أوراق عديدة استخدمتها منذ التعريفات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ويمكن إعادة استخدامها حالياً، مثل وضع قيود صارمة على تصدير مادتي الغاليوم والجيرمانيوم لتصنيع أشباه الموصلات، كما يمكنها أيضاً اللجوء إلى خفص متعمّد لسعر صرف اليوان، ما يزيد رغبة الاستيراد لسياراتها في أميركا وأوروبا.
وإضافة إلى ذلك يمكن لشركات تصنيع السيارات في الصين، التفاوض مع الحكومة للحصول على تسهيلات أكثر، أو حتى خفض بعض المواصفات الفنية، أو تلك المتعلقة بالرفاهية لتخفيض التكاليف.
وشدد عيتاني على أن لجوء بايدن إلى فرض تعريفات جمركية على بعص السلع الصينية في الوقت الراهن، هدفه جذب مزيد من الأصوات في انتخابات الرئاسة الأميركية المزمع إجراؤها بعد نحو 6 أشهر، وتحديداً أصوات الولايات المُتأرجحة بسبب ميلها للتصويت لترامب، دون أن ننسى المخاطر التي ستنتج عن نية الصين دخول أسواق سيارات غاز الهيدروجين على غرار اليابان، ما يجعل وضع السيارات الأميركية محرج.
من جهته يقول تاجر السيارات محمد موسى، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن قرار إدارة بايدن بزيادة التعريفات الجمركية على عدد من السلع الصينية، يحتوي بالفعل على عدة ثغرات، خصوصاً لناحية عدم اتخاذ أي خطوة لمعالجة غزو المركبات الصينية التي تعمل بالغاز للسوق الأميركية، ولكن هذا الخلل ستتم معالجته لاحقاً من خلال تحديث القيود، تماماً كما حصل مع قرارات بايدن المتعلقة بمنع الشرائح الإلكترونية الأميركية المتطورة، من الوصول للصين، والتي تخضع بشكل دوري لتحديثات تهدف إلى معالجة الثغرات التي تحتويها.
ويؤكد موسى أن التعريفات الجديدة تدل بشكل واضح على أن أميركا ضاقت ذرعاً، من التقدم الذي تحققه الصين في مجال انتاج السيارات الكهربائية، وتأتي بعد أن واجهت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين خلال زيارتها لبكين منذ أسابيع نظراءها الصينيين، بشأن القدرة الفائضة للصين في مجال إنتاج السيارات الكهربائية بسبب تدني كلفة الإنتاج، ولكن يبدو أن بكين لم تستجب للمطالب الأميركية، فكان خيار اللجوء إلى التعريفات لمعالجة هذه القضية.
ويشرح موسى أن الصين تتحكم في العديد من المواد الخام التي تستخدم في تصنيع السيارات الكهربائية، مثل البطاريات الكهربائية إضافة إلى اليد العاملة الرخيصة، وهذا ما يساهم في تميزها بسهولة في هذه الصناعة ويجعل من الصعب على الصناعة الأميركية منافستها، معتبراً أنه سيكون من الصعب للغاية، إيقاف أو مواجهة التقدم الصيني في مجال السيارات الكهربائية، فما تحققه بكين حالياً في هذا المجال، هو نتيجة ضخها لمليارات الدولارات في هذه الصناعة في السنوات الماضية.