حثت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، الاتحاد الأوروبي، على التدخل بشكل عاجل للحد من مستويات التصدير المتزايدة للتكنولوجيا الخضراء الصينية منخفضة الأسعار، بما في ذلك الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، الأمر الذي دفع القادة الأوروبيين إلى الانتقال إلى حرب تجارية واسعة النطاق.
وفي الوقت نفسه، حثت المديرين التنفيذيين للبنوك الألمانية، الثلاثاء، على تكثيف الجهود للامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا ووقف الجهود للتحايل عليها لتجنب العقوبات المحتملة التي قد تؤدي إلى حرمانهم من الوصول إلى الدولار.
تأتي تصريحاتها في فرانكفورت، بعد ساعات فقط من إعطاء رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أقوى تلميح لها حتى الآن -وفق تعبير صحيفة الغارديان البريطانية- بشأن أن الاتحاد الأوروبي سينضم إلى الولايات المتحدة ويفرض رسوماً جمركية على السيارات الكهربائية الصينية بعد تحقيق سيكتمل قريباً في مزاعم مزعومة (مرتبطة بالدعم الحكومي لصناعة السيارات في الصين).
وقالت يلين إنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن يتصرفوا "بطريقة موحدة"؛ لأن إنتاج الصين المتزايد يشكل تهديداً للصناعات في جميع أسواقها.
ويشار إلى أن مصنعي توربينات الرياح في الاتحاد الأوروبي، احتجوا على أن المنافسين الصينيين يخفضون أسعارهم بنسبة 50 بالمئة في خطوة تجتذب السلطات الحكومية والإقليمية التي تعاني من ضائقة مالية والتي تواجه أهدافاً مرتبطة بخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
دافعت يلين عن الرسوم الجمركية التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية بنسبة 100بالمئة، والتي تعرضت لانتقادات باعتبارها حمائية ونقطة اشتعال محتملة قد تؤدي إلى حروب تجارية أوسع مع الصين.
وقالت يلين: "إذا لم نرد (على السياسة الصناعية للصين) بشكل استراتيجي وبطريقة موحدة، فإن جدوى الشركات في بلدينا وفي جميع أنحاء العالم يمكن أن تكون معرضة للخطر".
سياسة إزالة المخاطر
ويتبع الاتحاد الأوروبي، الذي يبيع حصة أكبر من الصادرات إلى الصين مقارنة بالولايات المتحدة، سياسة إزالة المخاطر بدلاً من الفصل، ويأمل أن يؤدي نهجه الذي يتضمن إجراء تحقيقات في أكثر من 20 قطاعاً تجارياً إلى تركيز اهتمام بكين.
فيما كانت الصين قد أشارت إلى أنها سترد على أي تعريفات جمركية مع رسوم محتملة على البراندي الفرنسي والنبيذ ومنتجات الألبان في الاتحاد الأوروبي.
وقالت فون دير لاين إن أوروبا ستتخذ نهجاً مختلفاً تجاه الولايات المتحدة. وفي حين أنه من المتوقع زيادة التعريفات الجمركية، فمن غير المرجح أن تتطابق مع المعدل الذي تفرضه الولايات المتحدة.
ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن فون دير لاين، قولها إن الصين لديها "طاقة فائضة هائلة" تعمل على "إغراق" سوق الاتحاد الأوروبي بـ "منتجات رخيصة بشكل مصطنع".
وشددت على أنها تتوقع أن يخلص التحقيق في الدعم الحكومي الصيني المزعوم، الذي بدأ في سبتمبر الماضي ومن المقرر أن ينتهي بحلول الخامس من يونيو، إلى وجود "دعم إنتاج مفرط".
وأضافت أن رد الاتحاد الأوروبي سيكون "أن مستوى الرسوم سيتوافق مع مستوى الضرر الذي حدث"، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي لن يفرض رسوم استيراد بنسبة 100 بالمئة، موضحة أن "الأمر لا يتعلق بإغلاق السوق أو الحمائية".
ويأتي الاحتكاك مع الصين بعد أقل من أسبوعين من لقاء الرئيس شي جين بينغ بفون دير لاين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أمل إقناعه بخفض مستويات الإنتاج في الصين.
ويُعتقد بأن رسالة يلين بشأن العقوبات الروسية متجذرة في الأدلة الجديدة التي رأتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على التحايل على العقوبات من قبل الكرملين، حيث ينتهي الأمر بالسلع التي طلبتها شركات التكنولوجيا المتعددة الجنسيات من قبل شركات في هونغ كونغ، على سبيل المثال، في روسيا.
وأضافت يلين: "إن روسيا تسعى بشدة للحصول على السلع الحيوية من الاقتصادات المتقدمة مثل ألمانيا والولايات المتحدة.. يجب أن نظل يقظين لمنع قدرة الكرملين على إمداد قاعدته الصناعية الدفاعية، والوصول إلى أنظمتنا المالية للقيام بذلك".
ترحيب أوروبي
من لندن، أوضح خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن دعوة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى فرض قيود على الصادرات الصينية من التكنولوجيا الخضراء منخفضة الأسعار ستجد ترحيباً أوروبياً.
وأوضح أن:
- المفوضية الأوروبية وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، يتفقان على أن الصين تمارس سياسات حمائية أحادية وتشوه السوق والتجارة البينية وتقوض المنافسة العادلة.
- كلاهما يتهم حكومة الصين بدعم الصناعات الصينية، لا سيما في قطاع الطاقة النظيفة والمنتجات الإلكترونية، من خلال تقديم قروض سهلة (ميسرة) ودعم مالي وامتيازات ضريبية لكي تستطيع الشركات الصينية تصدير السيارات الكهربائية والبطاريات وتوربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية بأسعار منخفضة، أي أن الاستفادة غير مبررة، على حساب الشركات الأوروبية والأميركية.
- الولايات المتحدة ترى أن الصين غير نزيهة وغير شفافة في التعامل مع الغرب اقتصادياً، وهذه وجهة نظر المفوضية الأوروبية أيضاً.ـ على سبيل المثال في العام 2023 استوردت الصين 250 ألف سيارة من الغرب بمحركات 2.5 ليتر ولكن صدرت 1.55 مليون سيارة كهربائية منها 638 ألف إلى أوروبا و 522 ألف إلى أميركا الشمالية.
وأكد أنه لمكافحة الصين تجارياً سيتم فرض رسوم جمركية أميركية إضافية بقيمة 18 مليار دولار على منتجات صينية، موضحاً أن الرئيس بايدن يريد حماية الوظائف والعمالة الصناعية في الولايات الصناعية مثل بنسلفانيا وميشيغان وولاية ويسكونسين وأوهايو.
وتابع: المرشح الرئاسي المنافس دونالد ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 بالمئة حال فوزه في الانتخابات في نوفمبر المقبل، وهي أعلى مما فرضه في العام 2018، كما لا تزال بكين ترزح تحت وطأة رسوم جمركية فرضها ترامب وتبلغ 300 مليار من قيمة الاستيراد من الصين.
الرد الصيني
وحول رد الصين على تلك الإجراءات، أوضح خبير اقتصاديات الطاقة من لندن في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن بكين تهدد بفرض رسوم جمركية على السيارات الأميركية ذات المحركات الكبيرة بنسبة 25 بالمئة وهو الحد الأقصى حسب قواعد منظمة التجارة الدولية، لتعاقب به شركات السيارات الأميركية والأوروبية.
وذكر أن الاتحاد الأوروبي يتعاطف مع الموقف الأميركي، واتخذ قرارات لمعاقبة الصين، من بينها:
- الآن تقوم المفوضية الأوروبية بإجراء تحقيقات في مشروع الصين الكبير المعروف باسم الحزام الواحد والطريق الواحد.
- المفوضية قررت تقليل الاعتماد على الصين وتوسيع وتنويع المصادر البديلة للحصول على المعادن النادرة الحرجة لصناعة السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات والتقنيات الحديثة اللازمة للاقتصاد الأخضر.
- اتخذت المفوضية قراراً الشهر الماضي بمنع شركات صينية من الحصول على عقود حكومية في دول الاتحاد الأوروبي.
وأكد أن كل التوقعات تشير إلى أن واشنطن ستنجح في تشكيل جبهة أميركية أوروبية موحدة لمواجهة الصين اقتصاديا، وأن تلك الحرب الجمركية ستؤدي إلى رفع تكلفة المصانع الأميركية، وهو ما بدوره سيؤدي إلى رفع أسعار المستهلك.
غزو المنتجات الصينية
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن المنتجات الصينية أصبحت تغزو الأسواق الأميركية والأوروبية دون مقاومة، مما شكل تهديداً حقيقياً للصناعات الأميركية والأوروبية على حد سواء.
وأرجع السبب وراء ما وصفه بـ "غزو الصناعات الصينية لدول أوروبا وأميركا"، إلى عدة أسباب؛ من بينها:
- أن الصين تتمتع بسرعة الإنتاج وغزارة الكمية.
- الأسعار المنخفضة نسبياً، مما يجعل الطلب أكثر بكثير على السلع الصينية دون السلع الغربية.
- كما اعتمدت الصين على تزويد الأسواق الأوروبية والأميركية بسلع تختلف عنها من السلع التي تسوق إلى الأسواق الآسيوية والإفريقية، إذ تتمتع بجودة أعلى وتقنيات حديثة تلبي رغبات المستهلك الغربي، فضلاً عن تدني أسعارها نسبياً.
وأكد أن الأسواق الأوروبية تضررت كثيراً بعد فرض بعض القيود على السلع الصينية على خلفية الحرب في أوكرانيا، مستبعداً في الوقت نفسه موافقة الدول الأوروبية على فرض قيود جديدة على السلع الصينية، ذلك أنها لا تتحمل المزيد من تردي الأوضاع الاقتصادية من فرض المزيد من هذه القيود، من وجهة نظره.