اعتبر خبراء اقتصاديون من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشكل غير متناسب "ستضرب الأسر الأكثر فقراً في الولايات المتحدة" والتي ستدفع الجزء الأكبر من عبء 500 مليار دولار سنوياً إذا فاز المرشح الجمهوري وفرض تعريفات جمركية على جميع الواردات الأميركية.
يأتي ذلك بشكل متصل، بما يخطط له ترامب بشأن فرض ضريبة بنسبة 10 بالمئة على جميع الواردات الأميركية وضريبة بنسبة 60 بالمئة على البضائع القادمة من الصين. وستمول التعريفات خططه لتمديد سلسلة من التخفيضات الضريبية، التي قدمها عندما كان رئيساً في العام 2017، وذلك إلى ما بعد العام 2025 حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.
وبحسب تقرير حديث للمعهد الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، نُشر يوم الاثنين، فإن:
- تكلفة الرسوم الحالية بالإضافة إلى خطط التعريفات الجمركية لترامب خلال فترة ولايته الثانية تمثل نسبة 1.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
- هذا التقدير لا يأخذ في الاعتبار المزيد من الأضرار بما في ذلك الآثار الجانبية الأخرى مثل فقدان القدرة التنافسية.
- تكاليف الرسوم الجمركية الجديدة المقترحة من قبل ترامب ستكون حوالي خمسة أضعاف تلك الناجمة عن صدمات تعريفة ترامب حتى أواخر العام 2019، مما يولد تكاليفاً إضافية للمستهلكين تبلغ حوالي 500 مليار دولار سنويًا.
ويبلغ متوسط الضربة التي تتلقاها الأسرة ذات الدخل المتوسط 1700 دولار سنويا. وسوف تشهد أفقر 50 بالمئة من الأسر، التي تميل إلى إنفاق نسبة أكبر من دخولها، انخفاض دخلها المتاح بمعدل 3.5 بالمئة، نتيجة لتلك السياسات.
وكانت التعريفات التجارية - وخاصة ضد بكين - واحدة من السمات الاقتصادية المميزة لولاية ترامب الأولى في منصبه. ولم يتراجع عنها الرئيس جو بايدن، منافس ترامب مرة أخرى.
- وكشف بايدن الأسبوع الماضي عن رسوم جمركية إضافية على صادرات التكنولوجيا الخضراء الصينية، بما في ذلك ضريبة بنسبة 100 بالمئة على السيارات الكهربائية الصينية.
- تزعم الإدارة الأميركية أن إعانات التصنيع التي تقدمها بكين تخاطر بإثارة وفرة في المعروض العالمي من شأنها أن تجبر الشركات الأميركية على التوقف عن العمل.
وقال لفلي لصحيفة فايننشال تايمز إن تصرفات بايدن لن يكون لها تأثير سلبي على الأمريكيين الفقراء لأنها تغطي حصة أصغر بكثير من الواردات. وقالت: "نحن لا نتحدث عن عبء كبير هنا، على الأقل حتى الآن"، مضيفة أن بايدن "صرح صراحة بأنه لا يدعم الاستخدام الواسع النطاق للرسوم الجمركية".
تداعيات سلبية
فيما يخص مسألة الرسوم الجمركية، يقول عضو الحزب الجمهوري، ماك شرقاوي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- لا شك أن سياسة حماية الصناعات الوطنية بزيادة التعريفات أو الرسوم الجمركية سياسة تؤثر بالإيجاب في حماية هذه الصناعات وتنميتها وازدهارها.
- لكن إذا لم تكن الولايات المتحدة الأميركية قادرة على التصنيع داخلها لكثير من المنتجات التي ذهبت إلى الصين من ثمانينات القرن الماضي، فكيف تحمي الصناعة الوطنية إذا كانت تلك الصناعات تصنع في الصين؟
- زيادة التعريفة الجمركية من سيتحمل العبء الناجم عنها هو الشعب الأميركي، والأسر الأكثر فقراً، خاصة أن الكثير من السلع التي يستهلكها الأميركان من منتجات صينية أرخص كثيراً من منتجات أميركية.
وأوضح أن التحدي الآن يتمثل في كيفية جذب أميركا الشركات للعودة مرة أخرى إلى السوق الأميركية، هل عبر إعفاء ضريبي وقروض ميسرة مع دعم العمالة ودعم توطين الصناعات؟ ذلك يعد مشروعاً كبيراً لابد أن تكون له رؤية أكبر من مجرد زيادة الجمارك والتعريفة الجمركية على المنتجات.
ما رأي الشارع الأميركي؟
بالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فقد أشار إلى أنه يمكن لتصرفات بايدن وخطط ترامب أن تجد صدى لدى الناخبين.
وعلى الرغم من أن الرسوم ستؤدي إلى رفع الأسعار في الولايات المتحدة، فقد وجد الإصدار الأخير من استطلاع الرأي الشهري الذي تجريه FT-Michigan Ross أن أقلية كبيرة تعتقد بأن الرسوم الجمركية ضرورية لحماية الوظائف في الولايات المتحدة. فيما كانت الأغلبية تؤيد فرض تعريفات جمركية أكثر حدة على الصين.
وفي الوقت نفسه، يتزايد قلق الاقتصاديين إزاء تكلفة خطط ترامب لتمديد قانون الضرائب والوظائف، الذي تم تقديمه في عام 2017 ومن المقرر أن ينتهي في عام 2025.
صنع في أميركا
المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- المرحلة الحالية تتطلب العمل على حماية السوق الأميركية في ضوء ضعف القدرة نسبياً على الإنتاج والتطوير مقارنة بالصين.
- المواطن الأميركي يتقبل فكرة "صنع في أميركا" وحماية الولايات المتحدة بشكل كبير، ويدعم الاتجاه نحو ذلك.
- يتعين النظر أولاً إلى وضع الميزان التجاري الأميركي اليوم، والذي يشهد معاناة واضحة (..) وأحد أسباب ذلك الصين وصعودها والفائض الصناعي لديها (..).
- الولايات المتحدة كانت تعمل على عدم وضع حدود على الاستيراد والتصدير والابتعاد عن حماية المنتج الأميركي تحت مسمى التنافسية العالمية، لكن هذا أدى إلى تدمير قطاعات كاملة لصالح الصين ودول أخرى.
وعليه، يعتقد بأن مسألة زيادة التعريفات الجمركية على السلع الصينية من شأنها أن تؤدي إلى خلق فرص أوسع لبعض القطاعات في الولايات المتحدة والتي تعرضت لخسائر كبيرة بسبب عدم القدرة على المنافسة مع الصين (..) وهذا سيؤدي بدوره إلى وظائف جديدة على المدى الطويل.
لكن وبينما جادل فريق ترامب بأن هذه الجولة الثانية من الرسوم الجمركية يمكن أن تسد أي فجوة مالية متبقية في تمديد التخفيضات الضريبية، فإن ورقة معهد بيترسون تدعي أن الإيرادات من الرسوم ستصل، في أحسن الأحوال، إلى 2.75 تريليون دولار.
فترة ترامب الأكثر رواجاً
من جانبه، يرى خبير العلاقات الدولي، الدكتور أيمن سمير، أن:
- وجهة نظر الرئيس السابق دونالد ترامب تقوم على استعادة الاستثمارات والشركات الأميركية في الخارج مرة أخرى إلى داخل أميركا من خلال المنح والمزايا التي يمنحها للشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى العملاقة.
- عهد ترامب شهد تدفق شركات كبيرة من الصين والمكسيك وبلدان أخرى، وهو ما عكس الرواج الاقتصادي الكبير في الولايات المتحدة خلال فترة ولاية ترامب فضلاً عن انخفاض معدلات البطالة وطلبات إعانة بطالة التي كانت هي الأدنى منذ عقود.
- ترامب في ذات الوقت، لا يفرض أعباءً إضافية على الأغنياء، وهو ما يمثل نقطة خلافية مع جو بايدن الذي يسعى لفرض ضرائب على الأغنياء من أجل منحها لما يسميهم بالفقراء.
- وجهة نظر ترامب تتمثل في العمل على تحفيز الشركات ومنحهم حوافز تساعد على فتح مجالات للعمل وفرص عمل أكثر، كما يساعد الحكومة في تقديم خدمات حقيقية للمواطنين.
ويضيف: "ترامب يعتقد بأن أفكار الحزب الديمقراطي هي أفكار اشتراكية تقوم على منح الأموال لغير مستحقين وهذا يضر في النهاية بالاقتصاد الأميركي، كما يهتم ترامب بدعم مصادر الطاقة مثل اكتشاف النفط والغاز وأيضاً تعزيز موقع الولايات المتحدة كمصدر للطاقة".
على الجانب الآخر "الديمقراطيون يتحدثون عن الطاقة الخضراء، وقاموا بغلق أكثر من مشروع يتعلق بالطاقة الأحفورية.. وهذه نقطة خلافية حقيقية"، وفق سمير، الذي يؤكد أن "وجهة نظر الديمقراطيين تسعى إلى تعزيز فكرة التجارة الحرة، ولذلك في عهد باراك أوباما وقعت الولايات اتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهاديء مع ثمان دول من آسيا في غرب المحيط الهاديء، لكن مع ترامب كانت له وجهة نظر أخرى وهي أن الاستيراد من الخارج يسهم في تقديم أموال الأميركيين إلى دول أخرى، وبالتالي خلق وظائف لديهم على حساب أميركا، الأمر الذي أدى إلى فرض حواجز جمركية أكثر وجمارك على الواردات من الصين لاعتقاده بوجود خلل في الميزان التجاري مع الصين".
ويؤكد خبير العلاقات الدولية على أن ترامب يلقى دعماً من ولايات تعرضت لإغلاق مصانعها خلال عهد باراك أوباما وتمت إعادة فتح هذه المصانع في عهده، ومن خلال تقليل التجارة من الخارج في عهد ترامب، خاصة وأن وجهة نظره أن يتم منح مزايا للشركات لمساعدة الاقتصاد من فتح مجالات جديدة، إنتاج جديد وتقليل مستويات البطالة".