شهد العالم في العقد الأخير تحولاً ملحوظاً نحو استخدام السيارات الكهربائية كبديل مستدام للسيارات التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، ومع تزايد اهتمام الحكومات والشركات بالحفاظ على البيئة والتخفيف من آثار تغير المناخ، تبرز تساؤلات حول مدى تأثير الانتقال إلى السيارات الكهربائية على اقتصادات الدول؟
وذكرت تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن اعتماد السيارات الكهربائية بديلاً مستداماً للسيارات التقليدية يثير قلقاً بشأن تأثيرها الاقتصادي المحتمل مما يجعل تقدير مدى هذا التأثير أمراً حيوياً في مسألة دعمها أو تخفيضه.
وأوضح التقرير أن السيارات الكهربائية تفيد البيئة بالفعل من حيث انبعاثات الكربون، وإن كان ذلك يتباين بشكل واسع اعتماداً على كيفية توليد الكهرباء التي تشغلها ومن أين تأتي مواد البطاريات، لكنها بالمقابل تشكل خطراً على الاقتصاد حيث قلصت بعض الحكومات الغربية التزاماتها تجاه السيارات الكهربائية، خوفاً من أن تؤدي إلى تفاقم مشاكل مثل التضخم، وفقدان الوظائف في الصناعة، وارتفاع الدين العام.
ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ الإنتاجية
ويمكن أن يؤدي تحول الطاقة في نهاية المطاف إلى رفع النمو الاقتصادي، نظراً لانخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة. لكن الابتعاد عن الوقود الأحفوري من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ الإنتاجية بما يقدر بربع نقطة مئوية سنويا حتى عام 2030، بحسب تقرير أعده الخبيران الاقتصاديان جان بيساني فيري وسلمى محفوظ لرئيس الوزراء الفرنسي في نوفمبر الماضي.
ضرر اقتصادي واجتماعي
الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل قال في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "نعم، هناك ضرر كبير على العديد من الدول المصدرة للسيارات مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان حيث يتراجع الإنتاج مما أجبرها إلى التحول لصناعة السيارات الكهربائية لتنافس الصين المتقدمة جداً في هذه الصناعة".
لكن صناعة السيارات الكهربائية أضافت ضرراً اقتصادياً واجتماعياً يتجلى في تسريح العمال من صناعة السيارات التي تعمل بالبنزين بسب تراجع الطلب والتحول إلى صناعة السيارات الكهربائية التي لا تحتاج إلى عمالة كبيرة، فضلاً عن تضرر الصناعات المساندة للسيارات الكهربائية مثل صناعة القطع التي تم الاستغناء عنها في السيارات الكهربائية، ولمعالجة هذه السلبيات أوقفت دول الاتحاد الأوروبي الدعم المقدم للسيارات الكهربائية، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أن هناك من يطالب بتحسين أداء المحركات التقليدية للسيارات لمحاربة انبعاثات الكربون والتخفيف منها بنسبة 30 بالمئة، لكنه يرى أن هذه الطرح جاء متأخراً جداً وذلك بعد فرض الصين هيمنتها على أسواق السيارات الكهربائية وغزوها لأسواق الولايات المتحدة وأوروبا.
ويهدد التحول إلى السيارات الكهربائية في أوروبا نمو اقتصادات دولها، وينذر بزيادة معدل البطالة في الدول التي تستقبل استثمارات ضخمة في صناعة المركبات منذ عقود، ومع انخفاض الأسعار الذي يؤدي إلى تحفيز الطلب، فإن حصة السيارات الكهربائية المبيعة هذا العام قد تصل إلى 45 بالمئة في الصين، ونحو 25 في المئة في أوروبا، وأكثر من 11 بالمئة في الولايات المتحدة، بحسب لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.
وأضاف عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية: "لقد تقلص استهلاك أميركا من البنزين إلى 376 مليون غالون يومياً (8.94 مليون برميل يومياً) في العام 2023 بعد تسجيل مستوى قياسياً عند 392 مليون غالون في عام 2018، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، بينما تشهد كل من الهند وإندونيسيا على سبيل المثال ارتفاعًا ملحوظًا في استهلاك البنزين، مدفوعاً بعوامل رئيسية تشمل ازدهار مبيعات السيارات التقليدية والنمو الاقتصادي المتين، والانتشار المحدود للسيارات الكهربائية حيث تشير التوقعات إلى استمرار هذا الاتجاه في السنوات المقبلة مع توقع نمو مطردٍ في طلب البنزين في هذين البلدين.
عمالة صناعة السيارات الكهربائية أقل 40 % مقارنة مع التقليدية
كما نوه عقل إلى أن صناعة السيارات الكهربائية تحتاج إلى عمال أقل بنسبة 40 بالمئة بالمقارنة مع السيارات والشاحنات التي تعمل بالبنزين، ما يرجح ترافق سياسات الانتقال إلى السيارات الكهربائية، مع تخفيض عدد الوظائف في صناعة السيارات على نطاق واسع لأنها تحتوي على أجزاء أقل مقارنة بالسيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، لافتاً إلى أن قطاع السيارات في ألمانيا على سبيل المثال فسه، قد يفقد 400 ألف وظيفة خلال العقد المقبل وسط التحول إلى الطاقة الكهربائية.
عجز التمويل نتيجة تأثر ضريبة الوقود
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "بينما يتم الإشادة بالسيارات الكهربائية لفوائدها البيئية، مثل تقليل الانبعاثات بشكل كبير مقارنة بالمركبات التقليدية، فإن الآثار الاقتصادية أكثر تعقيداً، فلنأخذ ضريبة الوقود، وهي ضريبة مفروضة على استهلاك الوقود في أميركا ودول أخرى حول العالم لتمويل البنية التحتية للنقل من شوارع وسائل المواصلات، ومع زيادة عدد الأشخاص الذين يتحولون إلى السيارات الكهربائية، سيحدث عجزاً في النهاية لتمويل هذه الأصول المهمة، وهذا قد يتطلب تغيير الألية الضريبية المتبعة حالياً".
وللسيارات الكهربائية تأثير مباشر متوقع على نسبة التضخم، لأن الانتقال إلى هذه النوع من السيارات ينطوي على تكاليف عالية مبدئية للمركبات والبنية التحتية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين على المدى القصير، هذه الضغوط التضخمية قد تستقر مع زيادة تبني السيارات الكهربائية الذي سيؤدي إلى انخفاض تكاليف الإنتاج، ولكن ذلك يحتاج وقتاً طويلاً، طبقاً لما قاله القمزي.
الاستثمارات الداعمة للسيارات الكهربائية تزيد الإنفاق العام
وأضاف الخبير الاقتصادي القمزي: "من المهم أيضاً ملاحظة أن التحول إلى السيارات الكهربائية يفتح فرصاً اقتصادية جديدة، ويشمل ذلك خلق فرص عمل في قطاعات جديدة متعلقة بتصنيع السيارات الكهربائية وتكنولوجيا الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يعزز الأمن الطاقي والاستقرار الاقتصادي للدول المستوردة للنفط، بينما سؤثر سلباً على تلك البلدان المصدرة له".
وقد تزيد الاستثمارات الأولية المطلوبة للبنية التحتية الداعمة للسيارات الكهربائية من الإنفاق العام بشكل عام، بينما توجد تحديات مرتبطة بدمج السيارات الكهربائية اقتصادياً خاصة من حيث تمويل البنية التحتية والتضخم، فإن الفوائد الطويلة الأمد المترتبة، تقدم حوافز اقتصادية إيجابية، ولكنها تتباين بشكل كبير من دولة إلى أخرى بناءً على السياسات، وسرعة تبني السيارات الكهربائية، وسرعة خفض انبعاثات شبكة الكهرباء، بحسب تعبيره.
ألمانيا تخفض دعم السيارات الكهربائية
وبالعودة إلى تقرير "وول ستريت جورنال"، فقد لفت إلى أن ألمانيا خفضت دعم السيارات الكهربائية قبل الأوان في ديسمبر الماضي بعد أن ألغت المحكمة أداة تمويل حكومية، وفي مارس خففت إدارة بايدن قواعد الاقتصاد في استهلاك الوقود المقترحة التي تتطلب من شركات صناعة السيارات التخلص التدريجي من مبيعات السيارات التقليدية، بينما يدرس الاتحاد الأوروبي فرض رسوم استيراد إضافية على السيارات الكهربائية الصينية، على الرغم من أن التكاليف المرتفعة ستؤدي إلى إبطاء تبني التكنولوجيا التي روج لها منذ فترة طويلة.
وأشار إلى أن الرؤية الواضحة للسيارات الكهربائية جعلت منها قضية محورية في التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخضراء، وهذا الانتقال ليس كالتحول السابق عندما حل الفحم الرخيص محل الخشب في القرن التاسع عشر أوحل النفط محل الفحم في القرن العشرين مع ظهور تقنيات جديدة، فهذه المرة، تدفع السياسة العامة بالجدول الزمني بشكل أسرع مما تسمح به التكنولوجيا بخلاف ذلك، مما يحول التكلفة البيئية إلى تكلفة اقتصادية، والنتيجة هي ما يطلق عليه الاقتصاديون صدمة العرض، إذ تعتبر زيادات أسعار النفط في السبعينيات أو أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا عام 2022 أكثر الأمثلة شهرة على ذلك، على الرغم من أن تأثير الطاقة الخضراء تدريجي وليس مفاجئاً.
ويوضح نظام الطاقة الألماني المشكلة ذلك أنه منذ عام 2000، تضاعفت قدرة توليد الكهرباء بأكثر من الضعف حيث قامت البلاد ببناء مزارع الرياح والطاقة الشمسية. انخفض الطلب على الكهرباء نفسه بنسبة 5 بالمئة، وفقًا لشركة BloombergNEF. مع وجود نظامين للطاقة يخدمان نفس الاقتصاد، انهارت إنتاجية الصناعة، مع جود أسباب أخرى لتعثر النمو الألماني بالتأكيد.