تعد الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2024 محط أنظار العالم بأسره؛ وذلك بفضل الأحداث السياسية والاقتصادية الملحوظة التي شهدتها الولايات المتحدة والعالم خلال السنوات الأخيرة.
يعيش الناخبون والمراقبون حالة من الترقب والقلق حيال مستقبل البلاد والتوجه الذي ستسلكه السياسة الأميركية في السنوات القادمة.
في هذه الانتخابات، يبرز الوضع الاقتصادي كعامل حاسم يؤثر بشكل كبير في اختيار الناخبين بين المرشحين. بينما يتساءل الناخبون عن كيفية تأثير سياسات المرشحين المحتملين، جو بايدن ودونالد ترامب، على اقتصاد البلاد وعلى حياتهم اليومية.
تتفق استطلاعات الرأي على الدور الحاسم للملفات الاقتصادية في حسم المنافسة في انتخابات نوفمبر المقبل، لا سيما مع تصاعد التحديات الاقتصادية الناجمة عن سلسلة من التطورات الداخلية والخارجية غير المسبوقة، ومع معدلات تضخم لا تزال بعيدة عن هدف الفيدرالي الأميركي عند 2 بالمئة، وفي ظل ارتفاع أسعار الفائدة.
من بين أحدث تلك الاستطلاعات الاستطلاع الذي أجرته صحيفة فاينانشال تايمز مع جامعة ميشيغان، والذي كشف عن نتائج سلبية بالنسبة للرئيس الحالي جو بايدن، مقابل نتائج إيجابية لمنافسه دونالد ترامب في الانتخابات المرتقبة.
- نسبة تصل إلى 80 بالمئة من الناخبين يرون أن ارتفاع الأسعار في البلاد أكبر التحديات الاقتصادية والمالية التي يعانون منها.
- 58 بالمئة من الناخبين قالوا إنهم لا يوافقون على طريقة تعامل الرئيس جو بايدن مع الاقتصاد (مقارنة بنسبة 55 بالمئة في استطلاع الشهر الماضي).. بينما 40 بالمئة فقط وافقوا على أدائه.
- نسبة 49 بالمئة من الناخبين يشعرون بالقلق حيال مستويات الدخل (كانت هذا النسبة 45 بالمئة في استطلاع الشهر الماضي).
- نحو 32 بالمئة من الناخبين يشعرون بالقلق بشأن تكاليف السكن (مقابل 27 بالمئة فقط استطلاع أبريل)
وبينما يدق الاستطلاع ناقوس الخطر بشأن أداء بايدن الاقتصادي، ومدى تأثيراته المحتملة عليه في انتخابات نوفمبر المقبل لجهة ما يُظهره من تراجع مستمر في الثقة في سياساته، فإنه في الوقت ذاته يعكس تفوقاً نسبياً للرئيس السابق دونالد ترامب.
بحسب الاستطلاع، فإن نسبة 43 بالمئة في استطلاع هذا الشهر قالوا إنهم يثقون في ترامب، مقارنة بنسبة 41 المئة في استطلاع أبريل. بينما 35 بالمئة فقط دعموا بايدن، و16 بالمئة قالوا إنه لا يثقون في أي منهما (النسبة المتبقية قالت قالت لا أعرف).
أما على صعيد الفئات الاقتصادية المختلفة، أظهر الاستطلاع أن 40 بالمئة من الناخبين المسجلين، قالوا إن بايدن قام بعمل أفضل في تمثيل مصالح ذوي الياقات الزرقاء. و40 بالمئة آخرون قالوا الأمر ذاته بالنسبة لترامب.
الاستطلاع كشف عن أن ترامب مرحب به من جانب وول ستريت والشركات الكبرى باعتباره يمثل مصالحهم. فيما بايدن أكثر إيجابية بالنسبة للنقابات العمالية.
وفي السياق، رصد محللون مختصون في تصريحات منفصلة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أبرز الفرص والتحديات أمام كل من بايدن وترامب، فيما يتعلق بالملف الاقتصادي، في ضوء السياسات التي يتبعها كل منهما ومدى قبولها لدى قطاعات عريضة من المجتمع الأميركي، وانعكاس ذلك بشكل مباشر على نتائج انتخابات نوفمبر المرتقبة.
من الأفضل اقتصادياً؟
بدوره، يرى المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، أن:
- دونالد ترامب يعتبر المرشح الأفضل "من الناحية الاقتصادية"، وبالأخص على صعيد أسواق المال، وهو ما يتفق عليه الكثيرون.
- تعزز ذلك توجهات ترامب السابقة نحو العمل على خفض الضرائب، والإصلاح الضريبي، وهو ما يعد أساساً في التعاملات التجارية والاستثمارية في الولايات المتحدة.
- فترة ولاية ترامب شهدت أيضاً التعامل بصورة جيدة مع ملف أزمة كورونا وتداعياتها السلبية، عبر الإنفاق الحكومي المتزايد خلال هذه الأزمة، مما أدى إلى تقليل آثار وتداعيات الأزمة على الاقتصاد الأميركي.
على الجانب الآخر، يشير الغبرا، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "بايدن قام بعدة أخطاء اقتصادية كبيرة منذ بداية موجة التضخم، باعتبارها أزمة قصيرة الأجل ناتجة من تبعات أزمة كورونا وستنتهي، ثم خروجه مرة أخرى والتأكيد بعد أشهر أن الأزمة ستستمر ويتعين تحمل تبعات فترة صعبة في السيطرة علي هذا التضخم".
ويوضح أن "المواطن الأميركي يعيش حالة استياء الآن من واقع يشهد معدلات فائدة مرتفعة أكثر من المعتاد.. وبشكل عام المواطن يرى أن قيمة الدولار في حسابه تنخفض بينما هو غير واثق في المستقبل، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على رؤيته للحكومة الحالية".
ويتوقع المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية أن تصب الترجيحات لصالح ترامب على الصعيد الاقتصادي تحديداً، مؤكداً أن مشاكل ترامب تتعلق بأمور اجتماعية ليست أمنية أو اقتصادية.
بحسب بيانات وزارة التجارة الأميركية، فإن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي السنوي، والذي يستثني مكونات الغذاء والطاقة المتقلبة، قد ظل دون تغيير عند 2.8 بالمئة خلال مارس الماضي، بعكس التوقعات أن يتراجع إلى 2.6 بالمئة. كما ظل مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الشهري في مارس دون تغيير عند 0.3 بالمئة، بما يتماشى مع التوقعات.
وارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي السنوي في الولايات المتحدة خلال مارس بأكبر من المتوقع إلى 2.7 بالمئة، من 2.5 بالمئة في فبراير.
سياسات بايدن
على الجانب الآخر، يعتقد الباحث في مؤسسة أميركا الجديدة، باراك بارفي، بأن الرئيس الحالي جو بايدن "ليس مسؤولاً عن المشاكل الاقتصادية الحالية، قائلاً: "رغم المشكلات التي تشهدها المؤشرات الاقتصادية في عهد بايدن، إلا أنه ليس مسؤولاً بعكس ما يراه الشعب الأميركي".
يأتي ذلك في إشارة إلى تأثير العوامل الضاغطة على الاقتصادات المختلفة، بما في ذلك الاضطرابات الجيوسياسية وتصاعد الإشكالات المرتبطة بها.
لكنه في الوقت نفسه يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن ثمة انقساماً على صعيد اختيار أحد المرشحين المحتملين في السباق الانتخابي المقرر في نوفمبر المقبل، ما بين بايدن وترامب".
وفي الوقت الذي يعد فيه الاقتصاد حجر الزاوية لحسم ذلك التباين، يضيف بارفي: "سوق المال الأميركية سجلت أداءً متميزاً خلال فترة ولاية ترامب"، لافتاً في الوقت نفسه إلى الأزمة التي واجهتها إدارة بايدن والمرتبطة بمعدلات التضخم المرتفعة والتي يقول إنها "بدأت منذ عهد ترامب"، أي أنها ليست ناتجة عن سياسات بايدن.
وتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية خلال الربع الأول من العام الجاري بأكبر من التوقعات، وذلك في قراءة أولية، ليسجل أبطأ وتيرة نمو في نحو عامين، مع تزايد العجز التجاري بسبب قفزة في الواردات لتلبية إنفاق استهلاكي لا يزال قويا.
ولكن تسارع التضخم عزز التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لن يخفض أسعار الفائدة قبل سبتمبر.
وأظهرت بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي التابع لوزارة التجارة أن نمو الاقتصاد الأكبر في العالم قد بلغ 1.6 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الأول من 2024، مقابل توقعات بأن يتباطأ إلى 2.5 بالمئة. وكان الاقتصاد الأميركي قد سجل نموا بالربع الأخير من العام الماضي بنسبة 3.4 بالمئة.
سياسات ناجحة
من جانبه، يشير خبير العلاقات الدولية والشؤون الأميركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- الواقع يعكس دعم شركات وول ستريت والبنوك الكبرى والشارع الاقتصادي في أميركا بشكل عام لترامب وليس بايدن لاعتبارات اقتصادية بسبب السياسات التي يتبناها الرئيس السابق.
- أبرز تلك السياسات تتمثل في خفض الضرائب على الشركات الكبرى من أجل دعم توسعات أعمالها وتوفير فرص عمل.
- هذه الاستراتيجية نجحت بقوة خلال الفترات الماضية.
- على الجانب الآخر، فإن سياسات بايدن تميل إلى سياسة اقتصادية مختلفة تقوم على فرض المزيد من الضرائب على الشركات والبنوك والشركات الكبرى من أجل تمويل الإنفاق الاجتماعي والميزانية الضخمة التي يتبناها في الإنفاق على ملفات الصحة والهجرة وغيرها.
- وفي ضوء ذلك، فمن الطبيعي أن تميل وول ستريت إلى ترامب، خاصة وأن سياساته تضمنت أيضاً فرض رسوم جمركية على الشركات الأجنبية مثل سلع الصين وغيرها، وهذا أيضا يسهم في دعم الصناعات المحلية والشركات الأميركية في مجالات مختلفة مثل التصنيع وغيره.
- وبالتالي هذه السياسات تدفع دائما القطاع الاقتصادي إلى الميل نحوه والتصويت له.
ويؤكد أنه خلال الفترة الأولى لترامب حقق إنجازات بأفكار رجل أعمال يتبنى الفكر الحر والتوسع في القطاع الخاص وخفض الضرائب وإحداث انتعاشة قوية "لولا جائحة كورونا والتي أدت إلى سياسة العزلة والغلق وتعثر هذه الإنجازات".
ويشير في الوقت نفسه إلى أن ما يهم القطاع الاقتصادي في أميركا هي السياسات المرتبطة بالشركات والضرائب والرسوم والمنافسة مع السلع الخارجية وجميعها يتبنى ترامب سياسات داعمة لخطط الشركات بها".
وتراجعت ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة خلال التقديرات الأولية عن شهر مايو، لتسجل أدنى مستوى في ستة أشهر، مع تجدد المخاوف بشأن توقعات التضخم والبطالة وأسعار الفائدة في العام المقبل.
وكشفت بيانات جامعة "ميشيغان"، عن انخفاض مؤشر ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة بنسبة 12.7 بالمئة على أساس شهري عند 67.4 نقطة في القراءة الأولية لشهر مايو، مقابل 77.2 نقطة في الشهر السابق، ومقارنة بتوقعات رجحت تسجيل 76.3 نقطة.
وانخفضت قيمة مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي بنسبة 12.9 بالمئة على أساس شهري عند 68.8 نقطة في مايو، فيما تراجعت قيمة مؤشر التوقعات المستقبلية من 76 نقطة إلى 66.5 نقطة.
ترقب لعودة ترامب
وإلى ذلك، يفيد عضو الحزب الجمهوري، ماك شرقاوي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأنه:
- لا شك أن وول ستريت تترقب بشكل كبير نتائج انتخابات نوفمبر لتحديد الفائز بين كل من المرشحين بايدن وترامب.
- الفترة الأخيرة وما تشهدها من سياسات نقدية (متشددة) ومع عدم خفض أسعار الفائدة حتى الآن، تؤثر بالسلب على أداء الأسواق .
- بالتالي فإن الجميع ينظر لفترة ترامب بشكل إيجابي، خاصة أن مرحلته شهدت انتعاشاً في سوق المال والأسهم، بالإضافة إلى استقرار معدلات التضخم واستقرار أسعار الوقود.
ويشير في السياق ذاته إلى أن الفترة الحالية للرئيس الحالي بايدن تشهد ارتفاعاً في أسعار الوقود والنفط، مؤكداً أن مجتمعات الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية تنظر بترقب وتتوقع تحسن الأمر في حالة تولي ترامب مرة أخرى.