شهدت "البتكوين" تقلبات سعرية واسعة خلال شهر أبريل المنصرم، ما بين مستويات تاريخية محققة في منتصف الشهر تقريباً اقتربت معها إلى مستويات الـ 74 ألف دولار، والتراجع إلى دون الـ 60 ألفاً بحلول نهاية الشهر، فما هي الأسباب؟
كانت عملة "البتكوين"، التي تصل قيمتها السوقية إلى نحو 1.2 تريليون دولار، قد استهلت شهر أبريل (وهو شهر حدث التنصيف الذي كانت تنتظره سوق الكريبتو) عند مستويات 71011 دولار، حتى وصلت إلى مستوى قياسي في منتصف الشهر وقبل أيام من عملية الـ halving مُتجاوزة الـ 73 ألف دولار، لكنها أنهت أبريل عند مستويات متدنية في حدود الـ 60 ألف دولار يوم الثلاثاء، وبما يعني انخفاض العملة المشفرة الأكبر بأكثر من 15 بالمئة منذ بداية الشهر، وفق حسابات موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية".
وبذلك شهدت العملة المشفرة أسوأ شهر لها تقريباً منذ العام 2022، كما أنها "قد تشهد المزيد من الانخفاض في الشهر الجديد"، تبعاً لتقديرات محللين لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
يشكل هذا الانخفاض الشهري -رغم المكاسب المحققة منذ بداية العام العام الجاري- لغطاً في سوق الكريبتو، لجهة أن العديد من المتعاملين كانوا يتوقعون ارتفاعات قياسية بعد حدث التنصيف، غير أن محللين برروا تلك التقلبات التي شهدتها العملة المشفرة الأكبر خلال الشهر إلى عوامل مرتبطة بجني الأرباح والتدفقات الخارجية من صناديق الاستثمار، لا سيما وأن الأسواق كانت قد دفعت بالبتكوين لمستوى قياسي في منتصف الشهر استباقاً لحدث التنصيف، أي أنها امتصت الحدث قبل حدوثه حينها.
وتشهد صناديق الاستثمار المتداولة في البتكوين تدفقات خارجة مستمرة، وقد أظهرت بيانات CoinShares لإدارة الأصول الرقمية، الاثنين الماضي، أن صناديق استثمار العملات المشفرة شهدت أسبوعاً ثالثاً على التوالي من تدفقات رأس المال إلى الخارج، بقيمة 345 مليون دولار.
يأتي ذلك مع تراجع الزخم حول صناديق الاستثمار المتداولة الأميركية التي تم إطلاقها في وقت سابق من هذا العام.
وبينما العديد من التوقعات تشير لارتفاعات مستقبلية محتملة على المدى الطويل بالنظر إلى الأداء التاريخي للبتكوين بعد التنصيف، إلا أن مؤسسات مالية ألمحت إلى سيناريوهات أخرى مغايرة، على غرار بنك جيه بي مورغان، الذي يرى بعض المخاطر الهبوطية على المدى القريب في عملة البتكوين، والتي بدت مُحققة بالفعل خلال الأيام الأخيرة بشكل واضح.
المؤشرات التاريخية
من جانبه، يؤكد الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر لدراسات أسواق المال، عمرو زكريا عبده، أن السعر يميل تاريخياً إلى الارتفاع؛ بسبب انخفاض العرض وزيادة الطلب (بعد عملية التنصيف التي تؤدي إلى خفض معدل عملات البتكوين الجديدة التي تدخل التداول)، مما يخلق ندرة، وبما يؤدي في الوقت ذاته إلى ارتفاع الأسعار، مضيفاً أن عمليات التنصيف السابقة أدت إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار.
ويشار في هذا السياق إلى أنه في أعقاب عمليات التنصيف التي حدثت في أعوام 2012 و2016 و2020، ارتفع سعر العملة المشفرة الأم بنحو 93 مرة و30 مرة و8 مرات على الترتيب.
ويقول عبده:
- يؤدي تخفيض عملة البتكوين إلى النصف إلى خفض الحوافز الممنوحة للمعدنيين إلى النصف ويتم ذلك مرة واحدة كل أربع سنوات تقريباً، حسب ما هو منصوص عليه في كود البتكوين.
- والمقصود من ذلك إبطاء إصدار عملات البتكوين، مما يخلق تأثير الندرة ويسمح للعملة المشفرة بالحفاظ على جودتها الرقمية الشبيهة بالذهب.
ويشدد زكريا في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، على ضرورة ملاحظة العوامل المختلفة التي تؤثر على قيمة البتكوين، بما في ذلك معنويات السوق وظروف الاقتصاد الكلي، وربما أهم تلك العوامل الآن حالة عدم اليقين بشأن اتجاهات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
ويشير إلى أن التنصيف يعد حدثاً مبرمجاً (في كود البتكوين)، وبالتالي متوقع مسبقاً"، وعلى الرغم من أنه يمكن أن يسبب تقلبات في السوق على المدى القصير نتيجة عمليات جنى أرباح أو تغيير كفاءة المعدنين للمصادقة على المعاملات، وبالتالي تغيير في تكلفة المعاملات، مؤكداً أن التاريخ وقواعد العرض والطلب يشيران إلى أن البتكوين ستعاود الارتفاع مجدداً.
التوقعات الاقتصادي
بدوره، يقول كبير الاقتصاديين في شركة ACY، نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": إن تاريخ العملات الرقمية و"البتكوين" على رأسها، مليء بالتقلبات العنيفة والتي لا يمكن تبريرها بشكل منطقي ومقنع، لافتاً إلى أنه جرت العادة أن يجد المحللون الماليون والاقتصاديون وسائل شتى لتبرير هذه التحركات، في محاولة منهم لبناء نمط مفهوم يفسر تقلبات الأسعار الحادة، وغالباً ما يقدمون مبررات غير مقنعة من الناحية الاقتصادية، على حد قوله.
ويضيف: "لا نملك في الوقت الراهن الحجج الاقتصادية الكافية لتفسير التقلبات السعرية للبتكوين وباقي العملات الرقمية، فقد جنح أغلب المحللون إلى استخدام التحليل التقني لتفسير هذه التقلبات، وبالتالي فإن كل التفسيرات والتبريرات تنصب على الناحية التقنية أي (الرياضية والرقمية)".
لكنه يوضح في الوقت نفسه أن عملة البتكوين أصبح لديها دعم مؤسساتي واعتراف حكومي في بعض الدول، بما قد يسهم في تشكيل قاعدة اقتصادية لها، وهذا تجلى في موافقة هيئة الأوراق المالية الأميركية على إدراج الصناديق الاستثمارية لـ"بتكوين" من المؤسسات مثل شركة Blackrock وغيرها.
بسبب هذا الدعم المؤسساتي -في تقدير الشعار- يمكن تفسير عدم ارتفاع أسعار البتكوين أخيراً وحتى انخفاضها الحالي، بأن التسعير قد حدث سابقًا، عندما أعلنت هذه المؤسسات نيتها بالاستثمار في البتكوين بموافقة هيئة الأوراق المالية الأميركية على ذلك.
ويرى أنه بحسب التاريخ السعري لـ" البتكوين"، فإن هناك احتمال بارتفاع الأسعار خلال الستة أشهر المقبلة.
عام حافل
ويعد العام الجاري 2024 عاماً حافلاً بالتطورات بالنسبة لسوق الكريبتو، لا سيما عملة البتكوين، والتي بخلاف حدث التنصيف في أبريل، كانت قد شهدت في الشهر الأول، وتحديداً في 10 يناير الماضي، حدثاً تاريخياً، ففي خطوة طال انتظارها من شأنها تمكين المستثمرين العاديين من إمكانية الوصول إلى العملة المشفرة الأشهر والأكبر في العالم، قررت جينها الهيئات التنظيمية الأميركية لأول مرة الموافقة على الصناديق المتداولة في البورصة التي تستثمر بشكل مباشر في عملة بتكوين المشفرة.
مثلت تلك الموافقات تراجعاً نادراً من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات بعد معارضة استمرت لأكثر من عقد.