الوتيرة القوية التي يتزايد بها الطلب العالمي على الطاقة تعني أن البدائل لا يمكن أن تحل محل النفط، كما يقول الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"؛ هيثم الغيص.
وأضاف الغيص في مقال نشره موقع Mees، إنه بدلاً من الدعوة إلى وقف استخدام النفط، ينبغي أن يكون التركيز على خفض الانبعاثات.
وأشار الأمين العام لأوبك إلى أن تقريرا نشرته صحيفة The Economist يوضح بعض الاتجاهات المثيرة للقلق، والمتمثلة في مقالات أو موضوعات تستخدم بشكل متزايد مصطلحات مثل "نهاية النفط"، بينما تقلل في الوقت نفسه أو تغفل التفاصيل الرئيسية المتعلقة بالطلب الحالي والمستقبلي على النفط.
وأضاف أن استخدام مثل هذه المصطلحات، على الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك، يصبح أكثر خطورة نظراً لقدرتها على دعم سياسات الطاقة التي تعمل على "تغذية الفوضى في قطاع الطاقة".
وتساءل الغيص، ماذا لو انخفضت الاستثمارات في القطاع نتيجة لذلك، لكن الطلب على النفط استمر في الارتفاع، كما نشهد اليوم؟
وقال الأمين العام لـ "أوبك" إنه على الرغم من أن الهدف الرئيسي لاتفاق باريس بشأن تغير المناخ هو الحد من الانبعاثات - وليس اختيار مصادر الطاقة – "ولكن يبدو أن هذا الأمر قد تم نسيانه"، بحسب تعبيره.
وأضاف أن الخطابات التي تطالب بتقليل الطلب على الهيدروكربونات قد حلت محل الهدف الرئيسي لاتفاق باريس، دون التفكير في التأثيرات على أمن الطاقة، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية،أو الحد من فقر الطاقة.
وأوضح الغيص أن هذا النوع من المصطلحات تتناسى أن النفط لا يزال يشكل عنصراً لا يمكن تعويضه في تعزيز الرخاء العالمي والحفاظ على أمن الطاقة.
وقال: " لم يكن إد كونواي يبالغ في كتابه "العالم المادي" - أحد أفضل كتب مجلة الإيكونوميست لعام 2023 - عندما ذكر أن عصر النفط "أنقذ البشرية من الكثير من كدح العمل اليدوي، وزاد الدخل في جميع أنحاء العالم، وساعد البشر على العيش لفترة أطول، ووفر المواد الكيميائية التي نصنع منها الأسمدة التي تبقي نصف الكوكب على قيد الحياة".
"من السهل أحيانا أن ننسى مدى أهمية النفط في حياتنا اليومية، ولكن من دونه لن يكون لدينا البنزين وزيت التدفئة ووقود الطائرات والمحاقن والصابون وأجهزة الكمبيوتر وإطارات السيارات والعدسات اللاصقة والأطراف الصناعية والعديد من أنواع الأدوية"، بحسب الغيص.
وأشار الأمين العام لمنظمة أوبك أن نهاية النفط "ليست في الأفق"، موضحا أن النفط يشكل ما يقرب من ثلث مزيج الطاقة العالمي اليوم، ويستمر الطلب العالمي على النفط في الارتفاع.
وفي العام الماضي، شهد الطلب العالمي على النفط نمواً بنحو 2.5 مليون برميل يومياً، كما تتوقع منظمة أوبك والعديد من الوكالات حدوث نمو كبير خلال السنوات المقبلة أيضاً، بحسب الغيص.
وقال الغيص إن الإشارة إلى أن الطلب على النفط قد يصل إلى ذروته بحلول عام 2030، أو أنه قد ينخفض بأكثر من 25 بالمئة خلال نفس الإطار الزمني كما تشير بعض الروايات، يتجاهل ما يمكن أن توفره جميع مصادر الطاقة الأخرى فعليًّا وعلى أي نطاق زمني، "خاصة أن عام 2030 سيأتي في أقل من 6 أعوام"، بحسب قوله.
وأشار الأمين العام لـ أوبك إلى أن وقف الاستثمار في قطاع النفط قد يؤثر بشكل بالغ الضرر على أمن الطاقة، إذ تشير أبحاث منظمة أوبك إلى أن مثل هذه الخطوة قد تتسبب في حدوث عجز يتجاوز 16 مليون برميل يوميا بحلول عام 2030، في ظل وجود توقعات العرض والطلب الحالية على النفط.
وقال :"الحقيقة البسيطة والحاسمة التي يتم استبعادها في بعض الأحيان من هذه الروايات هي أن العالم يحتاج إلى المزيد من الطاقة، حيث ستكون هناك حاجة إلى جميع مصادر الطاقة ببساطة لتلبية النمو السكاني المتزايد والتوسع الحضري. وبحلول عام 2030 وحده".
وذكر في مقاله أنه من المتوقع انتقال أكثر من نصف مليار شخص إلى المدن في جميع أنحاء العالم مع استمرار الاقتصاد العالمي في التوسع "وهذا يعادل حوالي 50 مدينة جديدة بحجم لندن"، بحسب تعبيره.
وأشار الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط إلى أن الروايات التي تدعو إلى وقف استخدام النفط تتجاهل الواقع القاسي المتمثل في فقر الطاقة، على الرغم من أن حوالي 700 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء، و2.3 مليار شخص يفتقرون إلى حلول الطهي النظيف.
وتساءل: "ألا يستحق جميع السكان مستويات معيشية مماثلة لتلك التي يتمتع بها العالم المتقدم؟ هل من المقبول أن تكون الجهود العالمية لتحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة بشأن الطاقة النظيفة والميسورة التكلفة قاصرة؟".
وقال: "الحقيقة هي أن العديد من البدائل لا يمكنها أن تحل محل النفط بالمستوى اللازم، أو أنها لا يمكن تحمل تكاليفها في العديد من المناطق".
وقال إن العالم استثمر أكثر من 9.5 تريليونات دولار في "تحول الطاقة" على مدى العقدين الماضيين "، ومع ذلك لا تزال طاقة الرياح والطاقة الشمسية توفر فقط ما يقل قليلاً عن 4 بالمئة من الطاقة العالمية".
وأضاف: "علاوة على ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة فيما يتعلق بشبكات الكهرباء والقدرة على تصنيع البطاريات والمعادن الحيوية".
وأوضح الغيص أنه مع ضمان قدرة الناس على الوصول إلى المنتجات والخدمات التي يحتاجون إليها للعيش بشكل مريح، يجب على العالم أيضا أن يتخذ إجراءات جادة للحد من الانبعاثات.
"لتحقيق هذه الغاية، تعمل صناعة النفط على التطوير والاستثمار في تقنيات مثل استخدام احتجاز الكربون وتخزينه، والهيدروجين النظيف، والاحتجاز المباشر للهواء. كما تعمل على تحسين الكفاءة التشغيلية".
وأضاف أن قطاع النفط أظهر أن بإمكانه خفض الانبعاثات من إنتاج النفط، وذلك بعد موافقة حوالي 50 من كبار منتجي النفط والغاز في مؤتمر الأطراف (COP28) على الحد من انبعاثات غاز الميثان إلى ما يقرب من الصفر بحلول عام 2030.
"ربما في المرة القادمة التي نقود فيها أطفالنا إلى المدرسة، أو نجلس في المستشفى، أو نحدق في توربينات الرياح، دعونا ندرك الدور الحاسم الذي يستمر النفط في القيام به حتى مع وجود دعوات إلى زواله المفاجئ"، بحسب قول الغيص.
وأضاف: "في نهاية الأمر، لا يتعلق اتفاق باريس بخفض الطلب على النفط؛ يتعلق الأمر بخفض الانبعاثات. لقد حان الوقت لأن تعكس جميع الروايات هذا الواقع بدقة".