تواصل بكين الكشف عن المزيد من المعلومات المتعلقة بخطة "المقايضة" التي تهدف إلى تقديم حوافز مالية تُشجع الشركات والأسر الصينية على استبدال السيارات والآلات القديمة الموجودة لديهم بتقنيات جديدة، فبعد أربعة أشهر من إعلان الرئيس شي جين بينغ عن هذه الخطة، كشف مسؤولون صينيون مؤخراً عن المزيد من المعلومات بشأنها، مع إشارتهم إلى أنها ستخضع للعديد من التعديلات في المستقبل.
وبحسب بلومبرغ، فإن الخطة الصينية تحمل أهدافاً متعددة، فهي أولاً ستعطي دفعة كبيرة للجهود الأخيرة التي بذلتها الحكومة لتسريع النمو في البلاد، حيث تريد الصين من جميع السكان أن يتاجروا بسياراتهم القديمة وثلاجاتهم وغسالاتهم ومختلف الأدوات الكهربائية العتيقة للمساعدة في إنقاذ اقتصادها، من خلال تشجيع المشتريات في الداخل.
أما الهدف الثاني للخطة سيكون دعم صناعة السيارات الكهربائية الصينية، التي تقع في قلب التوترات التجارية المتزايدة مع الولايات المتحدة وأوروبا، في حين يتمثل الهدف الثالث بتخفيف بعض المخاوف العالمية بشأن الطاقة الفائضة التي تمتلكها الصين، فتجديد مختلف الأدوات الكهربائية في المنازل والمصانع، سيساعد البلاد على خفض كمية الطاقة الكهربائية التي تحتاجها سنوياً، والذي لا يزال الفحم يمثل ما يقرب من 60 بالمئة من إمداداتها، بحسب بيانات مجلس الكهرباء الصيني التي نقلتها "S&P Global Commodity Insights".
ورغم أن الكثير من علامات الاستفهام لا تزال قائمة، بشأن خطة "المقايضة" الصينية، بما في ذلك مجمل المبلغ الذي ستنفقه الحكومة عليها، إلا أن السلطات المحلية في مدينة سوتشو، في مقاطعة جيانغسو الثرية في الصين، بدأت بالفعل بالإعلان عن تخصيص إعانات دعم بقيمة 100 مليون يوان للسيارات الكهربائية أو ما يعادل 14 مليون دولار أميركي، و20 مليون يوان أو 2.7 مليون دولار أميركي للأجهزة الكهربائية، وذلك ابتداء من 20 إبريل.
ما هي خطة المقايضة الصينية؟
تهدف الخطة الشاملة إلى ترقية مخزون الصين من المعدات الصناعية والمنزلية، عبر وضع الآلات القديمة التي تستهلك الكثير من الطاقة، والتي ينبعث منها المزيد من التلوث خارج نطاق الخدمة، كما تهدف إلى إعطاء دفعة للإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري في البلاد.
فالخطة الصينية تغطي كل شيء، بدءاً من الصناعات الثقيلة مثل البتروكيماويات والصلب، مروراً بتركيب مصاعد جديدة في المباني السكنية، وصولاً إلى تقديم حوافز للمستهلكين للتخلص من الغسالات القديمة وشراء غسالات جديدة تستخدم كميات أقل من المياه.
وتقول أكبر وكالة للتخطيط الاقتصادي في الصين، إن الاستثمار في تحديث المعدات في الصناعات الرئيسية بلغ 4.9 تريليون يوان (680 مليار دولار أميركي) العام الماضي، والهدف هو زيادة الرقم بنسبة 25 بالمئة بحلول عام 2027.
ما هي تكلفة الخطة؟
لم تحدد بكين بعد مقدار الأموال التي ستكون على استعداد لإنفاقها، ولكن بحسب المعلومات المتوفرة فإن تجارة السيارات ستكون محور الدعم المالي المقدم من الحكومة المركزية الصينية، التي ستقوم بتمويل الإعانات للمستهلكين الذين يشترون سيارات كهربائية جديدة، أو غيرها من السيارات الموفرة للطاقة، في حين ستتحمّل السلطات المحلية بعض من هذه التكاليف.
أما بالنسبة لترقية الأجهزة المنزلية، فمن المتوقع أن تتحمل السلطات المحلية كل العبء المالي، في حال لم تكن تعاني من ديون.
وبالنسبة للصناعة، فسيكون هناك مزيج من الإعانات، والاستثمار الحكومي في المعدات الجديدة، والإعفاءات الضريبية للمنتجين الذي يحافظون على البيئة، والقروض المخفضة لمساعدة الشركات على ترقية أدواتها.
ويقول دينغ شوانغ، كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى وشمال آسيا في بنك ستاندرد تشارترد لبلومبرغ، إن المعايير البيئية الجديدة التي تلحظها الخطة، ستجبر الشركات على التخلص من بعض المعدات القديمة، واصفاً ذلك بأنه "السمة الأكثر تميزاً" في الخطة.
كيف سيساعد البرنامج في تسريع وتيرة النمو في الصين؟
يرى دينغ شوانغ أن جزءاً كبيراً من الإنفاق في الخطة الصينية، قد يندرج ضمن مقترحات الميزانية الحالية للبلاد، مرجحاً أن يكون تأثير هذه الخطة مدمجاً في هدف النمو الرسمي للصين.
وتوقع شوانغ في حديثه لبلومبرغ أن لا تؤدي الخطة إلى تحفيز مالي إضافي في الصين، رغم أنها ستوفر للحكومة المزيد من القنوات لإنفاق الأموال التي تم وضعها جانباً، أما بالنسبة للإنفاق الإضافي الذي سينتج عن المستهلكين والشركات، فيقول دنكان ريجلي من شركة بانثيون إيكونوميكس، إنه من الصعب تحديد ذلك دون الحصول على التفاصيل التمويلية الخاصة بالخطة، في الوقت الذي يسهم فيه الإنفاق الاستهلاكي حالياً بما نسبته 0.7 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي الصيني.
وقال الاقتصاديون في سيتي جروب في مذكرة، إن الصفقات التجارية بموجب الخطة يمكن أن تعزز مبيعات التجزئة بنحو 0.5 بالمئة هذا العام، في حين أن تحديث المعدات يمكن أن يزيد مقياس الاستثمار الأوسع في الصين بنسبة 0.4 نقطة مئوية حتى عام 2027.
وفي الشهر الماضي، توقع الاقتصاديون في غولدمان ساكس، ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 0.6 نقطة مئوية في عام 2024، يأتي أكثر من ثلثيها من الإنفاق الأسري الإضافي، وخصوصاً من الإنفاق على السيارات.
هل ستساعد الخطة في إعادة التوازن إلى الاقتصاد؟
يعد نجاح قطاع السيارات الكهربائية في الصين، رمزاً للجهود التي تقودها حكومة البلاد في التركيز على الصناعات المتقدمة، لكن الصين تواجه اتهامات من الولايات المتحدة وأوروبا بإغراق الأسواق العالمية بالسلع الرخيصة وعدم القيام بما يكفي لتشجيع الطلب المحلي، ولذلك يمكن لخطة المقايضة، أن تساعد المشترين الصينيين على الاستهلاك، وبذلك تقطع السلطات الصينية شوطاً نحو معالجة الانتقادات الأميركي الأوروبية بهذا الشأن.
وبالنسبة لشركات صناعة السيارات، التي تواجه إجراءات مضادة محتملة في الاتحاد الأوروبي هذا العام، فإن خطة المقايضة توفر تحوطاً ضد التباطؤ المحتمل في الصادرات.
أما بالنسبة للتهمة الأخرى الموجهة إلى بكين، والتي كررها المستشار الألماني أولاف شولتز الأسبوع الماضي، وهي أن الشركات الدولية تعاني من التمييز في الأسواق الصينية، فقد أكد مسؤول بوزارة التجارة الصينية أن الشركات الأجنبية والمحلية، ستحصل على معاملة متساوية بموجب خطة المقايضة.
ماذا سيحدث للمعدات والأجهزة القديمة؟
تشجع خطة المقايضة شركات التجارة ومنتجي الأجهزة، على جمع الأجهزة القديمة للمستخدمين من عتبة الباب، وحتى العام الماضي، كان لدى الصين 336 مليون سيارة وأكثر من 3 مليارات ثلاجة وغسالة ومكيف هواء، ووفقاً لبكين، فإن إعادة تدوير حصة صغيرة من هذه المعدات سيكون بمثابة تحدٍ كبيرٍ، علماً أن خطة المقايضة تتضمن الاستثمار في شبكات إعادة التدوير، مع إضافة 2000 محطة لإعادة التدوير في جميع أنحاء الصين هذا العام.
ويكشف دينغ شوانغ، كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى وشمال آسيا في بنك ستاندرد تشارترد لبلومبرغ، أن خطة المقايضة ومن خلال اشتراطها معايير أعلى، لإعادة تدوير منتجات مثل بطاريات الليثيوم، ستساعد الشركات الصينية على التوسع في الأسواق الخارجية، وخاصة المناطق التي تتمتع بمعايير بيئية عالية.
تعزز محركات النمو
ويقول المحلل الاقتصادي محمد الحسن في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الجهود الأخيرة التي بذلتها الصين للمضي قدماً في تحديث المعدات الكهربائية على نطاق واسع، ستعزز الاستثمار وتعزز الاستهلاك بطريقة مركزة، وهذا بدوره سيعزز محركات النمو الداخلي للبلاد، لتحقيق الأهداف الاقتصادية لهذا العام، وسط تزايد الشكوك الخارجية وتضاؤل الطلب العالمي، فبكين التي تمر بفترة حرجة من التحول الاقتصادي، بسبب القيود الأميركية التي يتم فرضها عليها، حددت مستهدفها للنمو بحوالي 5 بالمئة للعام 2024، حيث يحتاج تحقيق هذا الهدف إلى جهود دؤوبة.
وبحسب الحسن فإن الموجة المقبلة من تحديث المعدات التي تلحظها المبادرة أو خطة المقايضة الصينية، سوف تساهم وبحسب تقديرات معهد أبحاث بنك الصين، في زيادة بنحو 1.2 إلى 1.5 نقطة مئوية في إجمالي الاستثمار في الأصول الثابتة في البلاد، وستدفع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين بنحو 0.4 نقطة مئوية، ووفقاً للتقديرات فإن قيمة الطلب الناتجة عن هذه الخطة ستتراوح بين 210.9 مليار يوان (29.3 مليار دولار أميركي) و629.3 مليار يوان (86.8 مليار دولار أميركي)، مشيراً إلى أن الصين كدولة مكتظة بالسكان، توفر أسواقها إمكانات كبيرة فيما يتعلق بالاقتصاد والتحديث الصناعي، الأمر الذي سيساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي لعام 2024.
ركيزة جديدة للنمو الاقتصادي
ويشرح الحسن أن سياسات التحفيز التقليدية، التي تم اعتمادها سابقاً، عانت من انخفاض الفعالية بسبب عوامل مختلفة، منها تشبع السوق بالسلع الاستهلاكية المعمرة، وبالتالي فإن خطة المقايضة الجديدة تركز على فكرة تجديد المنتجات التي باتت ركيزة حديثة للنمو الاقتصادي المستقر، علماً أن الكفاءة المنخفضة لبعض المعدات الحالية الموجودة في الصين، أعاقت القدرة الصناعية في البلاد على تلبية الطلب المتغير في السوق، ولذلك سنرى أن القطاع الصناعي في الصين سيكون على أعتاب تحول كبير بعد عملية التجديد التي سيخضع لها، والتي ستعزز مستويات الأتمتة في المصانع التي ستحافظ على قدرتها التنافسية في سوق السلع الاستهلاكية سريعة التطور.
إيجابيات بيئية
وشدد الحسن على أن جزءاً كبيراً من المنتجات الالكترونية في الصين، وصل إلى عمر متقدم نسبياً، مما يؤدي إلى ارتفاع استهلاكها للطاقة وإصدارها لمستوىً عالٍ من الانبعاثات المضرة، إضافة الى الخطر الذي تشكله على السلامة بسبب فترة الاستخدام الطويلة، ولذلك فإن خطة المقايضة ستسرع من عملية تجديد هذه المنتجات، ما سينعكس إيجاباً على البيئة من ناحيتين الأولى تخفيض الطلب على الكهرباء، والثانية تخفيض الطلب على بعض المواد الأولية التي سيتم الحصول عليها من الأدوات والالآت المعاد تدويرها.
نسبة الأجهزة المؤهلة للحصول على حسم
من جهتها تقول الكاتبة والمحللة الاقتصادية باتريسيا جلاد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أكثر من نصف المنتجات الإلكترونية في الصين، ستكون مؤهلة للحصول على حسم بنسبة 10 بالمئة على الأقل وفقاً لخطة المقايضة، كما أن الهيئات التنظيمية المالية في البلاد، قامت بإزالة الحدود القصوى للقروض على المشتريات الشخصية، من المركبات الكهربائية الجديدة منذ بداية أبريل، ولذلك فإنه من المتوقع أن تشهد قطاعات مثل التصنيع والزراعة والبناء والنقل، والتعليم والسياحة والرعاية الصحية، زيادة في الاستثمار في المعدات، بنسبة تزيد عن 25 في المئة بحلول عام 2027، مقارنة بعام 2023، في حين أن عملية إعادة تدوير الأجهزة المنزلية المهملة ستحقق نمواً بنسبة 30 بالمئة.
أسباب تردد الشركات في الاستفادة من الخطة
وترى جلاد أن خطة المقايضة أو الخطة الاقتصادية التي أعدتها الصين، ستساعدها هذا العام على تحقيق أهدافها الكبرى، في الوصول إلى معدل بطالة يبلغ نحو 5.5 بالمئة في المناطق الحضرية، إضافة إلى خلق 12 مليون فرصة عمل جديدة في هذه المناطق، كاشفة أن العديد من الشركات والأفراد في الصين، ربما لا يزالون مترددين في الاستفادة من المبادرة أو الخطة الجديدة، حيث ينبع هذا التردد من اعتقادهم أن المعدات الحالية التي يملكونها لا تزال قادرة على العمل، كما أن العبء المالي الذي تسببه عملية تجديد المعدات، يعمل أيضاً كرادع للعديد من الشركات، وبالتالي فإنه ينبغي على السلطات في الصين ولإنجاح خطتها، الموازنة بين الحوافز المالية المقدمة، والحوافز الضريبية التي يجب أن تكون أكبر، والتي ستشجع المزيد من الشركات على الإنضمام لهذه الخطة.