يبدو أن الشهية العالمية الهائلة لتبني منتجات الذكاء الاصطناعي، تدفع بعض الشركات التكنولوجية، وتحديداً تلك المختصة بتصنيع مُعالجات الذكاء الاصطناعي إلى تصعيد المنافسة فيما بينها، بعد أن تحوّل هذا النوع من المعالجات إلى المنتج الرئيسي الأكثر طلباً من أكبر الشركات التقنية والصناعية في العالم.
فاستمرار تزايد الطلب على الذكاء الاصطناعي التوليدي، ودمجه في المزيد من المنتجات والخدمات، أدى إلى زيادة هائلة في الحاجة الى المعالجات الرسومية المتطورة باهظة الثمن، مع إدراك حقيقة أن القدرات الرقمية للذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء كلام ونصوص وصور وفيديوهات، غالباً ما يتم انتاجها في مرحلة ما من خلال هذه المعالجات.
وحالياً تهيمن شركة Nvidia على سوق رقائق الذكاء الاصطناعي، بحصة سوقية تزيد على 80 بالمئة، إذ يعود هذا التفوق الى امتلاك الشركة لمجموعة كبيرة من الشرائح الرسومية التي تعد الأكثر قوة على الإطلاق في السوق، ولكن يبدو أن هذا الواقع لن يستمر طويلاً، مع إعلان شركة إنتل الأميركية عن الشريحة الرسومية الجديدة Gaudi 3 التي تعتبر أحدث خطوة تصعيدية لمواجهة نفوذ إنفيدياً في سوق رقائق الذكاء الاصطناعي.
مواصفات Gaudi 3
وتقول إنتل إن رقاقة Gaudi 3 الجديدة تتفوق بأداء أسرع بنسبة 70 بالمئة في عمليات تدريب الذكاء الاصطناعي، مقارنة بمنافستها المباشرة شريحة H100 من إنفيديا، كما أنها أسرع بنسبة 50 في المئة في عمليات استدلال الذكاء الاصطناعي مقارنة بـ H100، في حين تؤكد إنتل أن كفاءة Gaudi 3 في توفير الطاقة أعلى بنسبة 40 بالمئة مقارنة بمنافستها من إنفيديا.
وتم تصنيع Gaudi 3 وفقاً لتقنية 5 نانوميتر، مما يضيق الفجوة بين إنتل وإنفيديا في مجال دقة التصنيع، كما تستخدم الرقاقة الجديدة ذاكرة تخزينية من نوع HBM2E بسعة قدرها 128 جيجابايت وهي أقل تكلفة مقارنةً بالأنواع المستخدمة في الرقاقات المنافسة، في حين تم تزويد Gaudi 3 بذاكرة وصول عشوائي بحجم قدره 96 ميجابايت.
وستدخل شريحة Gaudi 3 مرحلة الإنتاج بكميات كبيرة خلال الربع الثالث من عام 2024، حيث تستهدف إنتل من خلالها منافسة رقاقة H100 من إنفيديا التي تعاني من نقص في المعروض بسبب تهافت الشركات عليها، حيث يرى المحللون أنه في ظل الاختناقات التي تعاني منها سلسلة توريد شريحة H100، قد تكون رقاقة Gaudi 3 بديلاً جذاباً للشركات في حال تم طرحها بسعر تنافسي ملائم، علماً أن إنتل لم تكشف بعد عن سعر Gaudi 3، في الوقت الذي تباع فيه شريحة H100 من إنفيديا بسعر يتراوح بين 30 و40 ألف دولار.
الإيرادات المتوقعة من رقائق الذكاء الاصطناعي
وبحسب مؤسسة جارتنر للأبحاث فإن أشباه الموصلات المصممة لتنفيذ أعباء مهام الذكاء الاصطناعي، ستمثل فرصة إيرادات بقيمة 67.1 مليار دولار، لصناعة أشباه الموصلات عموماً في عام 2024، بزيادة قدرها 25.6 بالمئة عن عام 2023، مشيرة إلى أن التطورات التي تشهدها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، والاستخدام المتزايد لمجموعة واسعة من التطبيقات القائمة على هذه التكنولوجيا، إضافة إلى مراكز البيانات وغيرها من البنى التحتية اللازمة، تتطلب وجود وحدات معالجة رسومية عالية الأداء (GPUs)، وهذا ما سيدفع إيرادات أشباه الموصلات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، إلى تحقيق نمو مزدوج الرقم خلال الفترة المقبلة، فبحلول عام 2027، من المتوقع أن تزيد إيرادات رقائق الذكاء الاصطناعي بأكثر من ضعف حجم السوق في عام 2023، لتصل إلى 119.4 مليار دولار.
ولفتت جارتنر إلى أنه على المدى الطويل، ستبحث الشركات التي تسعى إلى تبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي عن طرق فعالة، ومنخفضة التكلفة تمكنها من الاستفادة من هذه التكنولوجيا.
منافسة شرسة بين مصنعي الرقائق
ويقول مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن رقائق الذكاء الاصطناعي، ستقود موجة تحويلية عبر صناعات التكنولوجيا والرعاية الصحية والسيارات والاتصالات والطاقة، حيث تعمل هذه الرقائق التي تغذي قدرات الذكاء الاصطناعي، على إعادة تشكيل الصناعات بشكل أساسي، وهي تبشر بعصر جديد من الابتكار، وهذا ما أشعل منافسة شرسة بين مصنعي الرقائق لتطوير حلول يمكنها التعامل مع المتطلبات الصارمة للذكاء الاصطناعي، مشدداً على أن المعالجات الالكترونية المتطورة تمتلك إمكانات هائلة في دفع الصناعات المتنوعة نحو مستقبل ذكي وفعال ومبتكر.
ويشرح سعد الدين أن الصراع على تطوير رقائق الذكاء الاصطناعي ينحصر حالياً بين 3 شركات أميركية هي إنفيديا وAMD وIntel، مع تفوق كبير لصالح إنفيديا، في حين تواجه الشركات الأخرى صعوبة في الدخول إلى السوق، بشرائح تملك القدرات ذاتها، علماً أنه حتى الساعة لا تزال الرقائق التي تنتجها إنفيديا هي الأقوى من حيث السرعة عند تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، فشريحة Gaudi 3 من إنتل تستهدف منافسة شريحة H100 من إنفيديا، ولكن الأخيرة تملك أيضاً شرائح أقوى من H100 مثل شريحتي H200 وB200 وبالتالي فإن إنتل لا تزال متأخرة عن إنفيدياً كثيراً وهذا ما يفسر عدم تفاعل السوق مع إعلان إنتل عن شريحة Gaudi 3 حيث سجّل سهم الشركة تراجعاً قاربت نسبته الـ 5 بالمئة منذ الإعلان عن الشريحة الجديدة.
هل تتفوق Gaudi 3 على شريحة إنفيديا؟
وبحسب سعد الدين فإن الأداء الفعلي لشريحة Gaudi 3 مقارنة بشريحة H100 من إنفيديا، لا يزال غير معروف وذلك في انتظار خضوع الشريحة لاختبارات مستقلة، ولكن وبحسب المعلومات الواردة على الورق فإن Gaudi 3 تتشارك بالكثير من المواصفات، مع H100 لا بل تتفوق عليها في بعض الأحيان، وحتى لو افترضنا أن شريحة إنتل أقوى بالفعل من شريحة إنفيديا من حيث المواصفات، يبقى علينا الانتظار لرؤية كيف سيكون أداء Gaudi 3 وتفاعلها مع الأنظمة التشغيلية، وهذه نقطة مصيرية في مسار تبني السوق للشريحة الجديدة، علماً أن هناك العديد من المعلومات المفقودة المتعلقة بأداء Gaudi 3 والتي لم يتم نشرها بعد، خاصة سعر المبيع الذي يعد ركيزة أساسية ستساعد الشريحة في حجز مكان لها في السوق.
هل تُكسر هيمنة إنفيديا؟
من جهتها تقول مطورة التطبيقات التكنولوجية دادي جعجع، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن شريحة Gaudi 3 لا تملك القدرة على كسر هيمنة إنفيديا على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي، ولكنها ستؤسس لهذا الأمر، فاستمرار تقدم Intel وأيضاً في هذه السوق، يعني حكماً زوال السيطرة المطلقة لإنفيديا في السنوات المقبلة، خصوصاً أن الشركات التي تسعى لتبني الذكاء الاصطناعي في منتجاتها، باتت تبحث وكما أكدت مؤسسة جارتنر للأبحاث عن منتجات فعالة ومنخفضة التكلفة، حيث أنه وفي حال استفادت AMD وIntel من هذا التوجه عبر طرح شرائح متطورة توازن بين كفاءة الأداء وكفاءة التكلفة، فقد تتمكنا من الاستحواذ على حصة كبيرة من هذه السوق.
وتؤكد جعجع أنه حتى لو استمرت إنفيديا في صنع الغالبية العظمى من الشرائح المتطورة، فالنمو المتوقع في نشر برامج ومنتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والحاجة الكبيرة جداً للشرائح التي تُشغّل هذه التكنولوجيا، تشير إلى أن هناك ضرورة لوجود منافسين آخرين في السوق، معتبرة أن شريحة Gaudi 3 خطوة لا بد منها من إنتل، ففي حال برهنت من خلال أدائها أنها شريحة قوية، ونجحت في إقناع الشركات في ذلك، فإن هذا سيؤدي حكماً إلى حجز الشركة مقعداً ثابتاً لها في هذه الصناعة، التي ستدر مليارات الدولارات عليها، خصوصاً أن المعلومات تشير إلى أن سعر Gaudi 3 سيكون أرخص بنحو 10 آلاف دولار من شريحة H100 من إنفيديا.