رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي بشكل طفيف للعام 2024 إلى 3.2%، وفقًا لأحدث تقرير لآفاق الاقتصاد العالمي نُشر الثلاثاء.
وقال صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد العالمي يتجه لعام آخر من النمو البطيء والمطرد في الوقت نفسه، إذ تدفع قوة اقتصاد الولايات المتحدة الناتج العالمي ليتجاوز الرياح المعاكسة الناجمة عن استمرار التضخم المرتفع وضعف الطلب في الصين وأوروبا وتداعيات حربين إقليميتين.
ويتوقع الصندوق نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي 3.2 بالمئة لعامي 2024 و2025، وهو المعدل ذاته لعام 2023.
وجرى تعديل توقعات عام 2024 بالرفع 0.1 نقطة مئوية عن تقديرات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي السابق في يناير، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المراجعة الصعودية الكبيرة لتوقعات نمو الاقتصاد الأميركي.
وقال كبير خبراء الاقتصاد بالصندوق بيير أوليفييه غورينشاس للصحفيين "يواصل الاقتصاد العالمي إبداء مرونة ملحوظة مع ثبات النمو وتراجع التضخم، ولكن لا يزال أمامه الكثير من التحديات"، مضيفًا أن العديد من الدول تحدت التوقعات القاتمة للركود مع قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم.
وقال صندوق النقد الدولي في تقريره إن العديد من البلدان تظهر أيضا "ندوبا" أقل من جائحة كوفيد-19 وأزمات تكلفة المعيشة، وتعود إلى مستويات إنتاج ما قبل الوباء بسرعة أكبر مما كان متوقعا في السابق.
وقال غورينشاس إن التضخم يتراجع، لكن التقدم في إعادته إلى أهداف البنك المركزي تباطأ في الأشهر الأخيرة، مشيرا إلى أن البيانات الأميركية الأخيرة تظهر طلبا قويا.
وقال "ما زال المسار العام يتماشى مع توقعنا بانخفاض التضخم على مدار العام الحالي، مما يضع الفيدرالي في موقف يسمح له ببدء تخفيف أسعار الفائدة، لكنه أوضح بأن هذه العملية قد لا تكون بالسرعة التي توقعتها الأسواق".
كما حذر غورينشاس من أن التصعيد المحتمل للصراع في الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل ربما يكون له "تأثير قوي" على الحد من النمو، مشيرا إلى أنه سيؤدي لارتفاع أسعار النفط والتضخم ويدفع بالتالي البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الثلاثاء إن الوزارة تستعد خلال الأيام المقبلة لفرض عقوبات جديدة على إيران ربما تحد من قدرتها على تصدير النفط.
ووصف التقرير "السيناريو المعاكس" الذي سيؤدي فيه التصعيد في الشرق الأوسط إلى زيادة أسعار النفط 15 بالمئة وارتفاع تكاليف الشحن مما سيرفع التضخم العالمي بنحو 0.7 نقطة مئوية.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض متوسط التضخم الأساسي العالمي إلى 2.8 بالمئة بحلول نهاية 2024 من أربعة بالمئة العام الماضي وإلى 2.4 بالمئة في 2025.
كما رفعت كذلك المنظمة توقعاتها لعام 2024 للنمو الاقتصادي الأميركي إلى 2.7 بالمئة بزيادة 0.6 نقطة مئوية عن التوقعات السابقة في يناير.
لكن أحدث توقعات لصندوق النقد الدولي أظهرت تباينات صارخة مع دول أخرى، بما في ذلك منطقة اليورو، حيث تم تخفيض توقعات النمو لعام 2024 إلى 0.8 بالمئة نزولًا من 0.9 بالمئة في يناير، ويرجع ذلك أساسًا إلى ضعف معنويات المستهلكين في ألمانيا وفرنسا.
كما تم تخفيض توقعات النمو في بريطانيا لعام 2024 بمقدار 0.1 نقطة مئوية إلى 0.5 بالمئة حيث تكافح البلاد مع ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم المرتفع المستمر.
وحذر صندوق النقد الدولي أيضًا من ضعف أداء الدول منخفضة الدخل مقارنة ببقية العالم، حيث خفض الصندوق تقديراته لنمو هذه الدول. وقد شهدت هذه البلدان تضخماً أعلى من المتوقع، بسبب قوة الدولار الأميركي، فضلاً عن تأثير ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والأسمدة.
المرونة الروسية
وفي واحدة من أكبر المفاجآت، قام صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، بتحديث توقعاته للنمو الاقتصادي الروسي في عام 2024 بالرفع، حيث ساعد ارتفاع الإنفاق العسكري على تجنب موسكو الركود.
وقال صندوق النقد الدولي في تقريره إنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 3.2 بالمئة هذا العام، ارتفاعا من التوقعات السابقة البالغة 2.6 بالمئة والتي نشرت في يناير.
وخصص الكرملين 10.8 تريليون روبل (115 مليار دولار) للدفاع في عام 2024، مما يضع الاقتصاد على قدم وساق مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث.
ساعدت الزيادة الكبيرة في الإنفاق روسيا على تجاوز التوقعات التي توقعها الكثيرون بانخفاض حاد عندما أمر الرئيس فلاديمير بوتين القوات العسكرية باجتياز الحدود في فبراير 2022.
لكن تجنيد مئات الآلاف من الجنود، وتصعيد الإنتاج المحلي للأسلحة، وخروج الرجال الذين يسعون لتجنب التجنيد، أدى إلى نقص عمالة عميق في أجزاء من الاقتصاد.
كل هذا أدى مجتمعًا إلى خلق دوامة من ارتفاع أجور الأسعار الاستهلاكية.
وأبقى البنك المركزي الروسي الشهر الماضي على أسعار الفائدة دون تغيير، حيث حذرت المحافظه إلفيرا نابيولينا من أنها لا تزال "ترى علامات على سخونة مفرطة" في الاقتصاد.
أزمة العقارات في الصين
ترك صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الصين دون تغيير لتهبط إلى 4.6 بالمئة في عام 2024 من 5.2 بالمئة في عام 2023، مع انخفاض إضافي آخر إلى 4.1 بالمئة لعام 2025.
لكن الصندوق حذر من أن عدم وجود حزمة إعادة هيكلة شاملة لقطاع العقارات المتعثر في البلاد قد يطيل أمد التراجع في الطلب المحلي ويزيد من سوء آفاق الصين.
يمكن لمثل هذا الوضع أيضًا أن يزيد من الضغوط الانكماشية في اقتصاد الصين، مما يؤدي إلى ارتفاع الصادرات الرخيصة من السلع المصنعة والتي يمكن أن تؤدي إلى انتقام تجاري من قبل دول أخرى - وهو سيناريو حذرت منه وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين خلال رحلة إلى الصين في وقت سابق من هذا الشهر.
وأوصى صندوق النقد الدولي بأن تقوم الصين بتسريع خروج المطورين العقاريين غير القادرين على الاستمرار وتعزيز استكمال مشاريع الإسكان غير المكتملة، مع دعم الأسر الضعيفة للمساعدة في استعادة الطلب الاستهلاكي.
لكن صندوق النقد الدولي، أشار إلى نقاط مضيئة في بعض دول الأسواق الناشئة الكبرى الأخرى، ورفع توقعاته لنمو الاقتصاد البرازيلي في عام 2024 بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 2.2 بالمئة، وزاد توقعات النمو الاقتصادي في الهند بمقدار 0.3 نقطة مئوية إلى 6.8 بالمئة.
وأشار التقرير إلى أن دول الأسواق الناشئة الكبرى في مجموعة العشرين تلعب الآن دورا أكبر في النظام التجاري العالمي ولديها القدرة على تحمل المزيد من أعباء النمو في المستقبل.
لكن صندوق النقد الدولي قال إن الدول النامية منخفضة الدخل لا تزال تعاني من إجراءات التكيف بعد الجائحة ومستويات أعلى من "الندوب" الاقتصادية مقارنة بالأسواق الناشئة متوسطة الدخل. وكمجموعة (الدول الناشئة)، تم تخفيض توقعات نمو هذه الدول النامية منخفضة الدخل في عام 2024 إلى 4.7 بالمئة من تقدير سابق بلغ 4.9 بالمئة في يناير.