يبعث المسؤولون في الولايات المتحدة الأميركية والصين برسائل "إيجابية" حول الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة بين أكبر اقتصادين في العالم، مع بقاء الملفات الخلافية الأساسية ومحاور المنافسة بينهما مشتعلة على أوجها بشكل واسع.
وقبيل أيام، أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ مكالمة هاتفية -استمرت 105 دقيقة- هي الأولى بين الزعيمين منذ التقيا في سان فرانسيسكو في نوفمبر، وذلك في محاولة لتحقيق الاستقرار في العلاقات الأميركية الصينية.
- البيت الأبيض ووزارة الخارجية الصينية قالا في بيانين منفصلين بعد المكالمة، إن الرئيسين أجريا مناقشات "صريحة".
- البيت الأبيض أفاد بأن بايدن شدد على ضرورة السلام والاستقرار في مضيق تايوان وسيادة القانون في بحر الصين الجنوبي. كما عبر عن قلقه بشأن الدعم الصيني للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية و"تأثيره على الأمن الأوروبي وعبر الأطلسي".
- الخارجية الصينية ذكرت أن شي أبلغ بايدن أن العلاقات استقرت منذ اجتماعهما في سان فرانسيسكو لكن هناك أيضا "عوامل سلبية" متزايدة.
- وقالت الوزارة إن الوزير استشهد بالعقوبات الأميركية التي تهدف إلى "قمع" التطور التكنولوجي الصيني وحذر من أن بكين "لن تجلس وتراقب" دون رد فعل.
- بكين أفادت بأن شي حذر أيضاً من أن تايوان تمثل "خطا أحمر لا يمكن تجاوزه"، ودعا بايدن إلى ترجمة التزامه بعدم دعم استقلال تايوان إلى "أفعال ملموسة".
كما أخبر بايدن شي عن مخاوفه بشأن ملكية شركة صينية لـ TikTok، وفقًا لجون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي. وذلك في الوقت الذي يدرس فيه مجلس الشيوخ مشروع قانون لإجبار ByteDance على سحب التطبيق. وقد وافق مجلس النواب بالفعل على هذا الإجراء.
وقبل المكالمة، قال مسؤول أميركي كبير إن المكالمة لم تكن مصممة لإصدار أي إعلانات كبيرة، وإنها كانت تهدف جزئيًا إلى التحقق من التقدم الذي تم إحرازه بشأن الاتفاقات التي تم التوصل إليها في سان فرانسيسكو، بحسب ما نقلته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
وبحسب ما أورده تقرير الصحيفة، فإن الرئيسين يتابعان أيضًا التزامهما "بالحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة ومنتظمة لإدارة المنافسة بشكل مسؤول ومنع الصراع غير المقصود" بين القوتين.
المنافسة الأميركية الصينية تتصدر المشهد
يقول الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المكالمة الهاتفية التي جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، الأسبوع الماضي، جاءت لتأكيد استمرارية آلية الحديث المباشر بين زعيمي البلدين؛ باعتبار أنَّ هذا مؤشراً على أن العلاقات بينهما تحرز تقدماً، ذلك أنها أول مكالمة هاتفية بينهما منذ القمة التي جمعتهما العام الماضي.
ويضيف: "قد يعطي الحديث بين الرئيسين انطباعات بأن الأمور ليست خارجة عن السيطرة، لكنَّ الحقيقة أننا أمام تنافس حقيقي وصراع بين واشنطن وبكين"، مؤكداً أن العالم أمام قوة عظمى دائمة تحاول أن تحافظ على مكانتها وقوة أخرى تصعد بشكل أسرع.
ويشير إلى أن العلاقات الأميركية الصينية شهدت في السنوات الأخيرة عديداً من "الانتكاسات" وصلت في بعض الأحيان إلى "مرحلة شديدة التدهور"، مثلما حدث أثناء زيارة نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأميركي سابقًا، إلى تايوان، وهي الزيارة التي صاحبتها كثيرٌ من التوترات وإيقاف بعض آليات التعاون من جانب الصين، وبعد ذلك كانت هنالك محاولات من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي أرسلت عددًا من كبار المسؤولين، منهم وزيرة الخزانة ووزير الخارجية وآخرين، ثم اللقاءات التي تكرَّرت بين وزير خارجية الصين ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، من أجل إذابة الجليد.
ويتابع: ما حدث كانت محاولات من الطرفين لاحتواء الخلاف بينهما إلى أقصى حد ممكن، ولكن هناك أموراً عديدة تشير إلى أن البلدين يسيران في اتجاهين متعارضين، ويمكن الإشارة هنا إلى ما يلي:
- الرئيس شي جين بينغ خلال اتصاله بالرئيس بايدن، أكد أن تايوان خطاً أحمر ولا يمكن للولايات المتحدة تجاوزه.. ومن الناحية الأخرى في واشنطن يعتبرون أن لديهم مسؤولية تجاه تايوان، لذلك حثَّ بايدن نظيره الصيني على إبقاء الوضع هادئًا في تايوان.
- التحركات الأميركية في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيط الهادي بشكل عام تُثير مخاوف الصين، التي من ناحيتها تتخذ خطوات متقدمة تكون لها انعكاسات إقليمية، مثلما شاهدنا الخلاف الدائر حاليًا بين الفلبين والصين.
- المناورات التي تنخرط فيها الولايات المتحدة الأميركية مع كوريا الجنوبية واليابان، علاوة على تعزيز القوات الأميركية في هذه المنطقة.
- التعديلات التي تجري حالياً على صيغة التعامل العسكري الأميركي الياباني ووضع الصين هدف محتمل للتدريبات العسكرية المشتركة.
- الاتهامات التي تُوجه إلى الصين من الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية فيما يخص عمليات التجسس والقرصنة.
- القضايا الاقتصادية المتنوعة والتصريحات الدعائية بشأنها.
وفيما يخص تصريحات بايدن بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، يؤكد إسماعيل أن الأسلحة النووية ليست في يد بايدن ولكن تمتلكها كوريا الشمالية، ولم يمكن أن يُفرِّط الرئيس الكوريي يون سوك يول، في الرئة التي تتنفَّس بها دولته "القدرات النووية" دون الحصول على ضمانات أكيدة على أرض الواقع (..)وربما يتطلَّع إلى هذا الأمر الأميركيون، ولكن تفعيله على أرض الواقع يبدو بعيد المنال.
ويتابع إسماعيل: "على أرض الواقع، لم تتغيَّر السياسة الاقتصادية أو العسكرية بين البلدين في حال فوز بايدن أو دونالد ترامب الرئيس السابق لأميركا، ولكنها مجرد تصريحات أو دعاية انتخابية (..) الصين ورقة رابحة في السياسة الداخلية الأميركية، فمن يزايد على بكين يكسب عديداً من الأصوات، وهذا سوف نشاهده خلال الأسابيع والشهور القليلة المقبلة سواء كانت الإدارة الأميركية القادمة ديمقراطية أو جمهورية.
وتدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في العام الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ أن أقامت الدولتان العلاقات الدبلوماسية في عام 1979.
وكانت هناك علامات على الاستقرار منذ اجتماع سان فرانسيسكو، لكن المسؤولين الأميركيين والصينيين يقولون إن الخلافات الأساسية بين الجانبين لم تتغير.
ويحاول مسؤولو البلدين إحياء قناة اتصال عسكرية كانت منتظمة ذات يوم أوقفتها الصين في عام 2022 بعد أن قامت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب في ذلك الوقت، بزيارة تايوان.
ويعمل الجانبان (الأميركي والصيني) على مجالات التعاون، ويأملان في إطلاق حوار ثنائي حول الذكاء الاصطناعي "في الأسابيع المقبلة" على النحو المتفق عليه في قمة سان فرانسيسكو.
فيما رحبت الولايات المتحدة ببعض التحركات الأولية التي اتخذتها الصين للقضاء على تصدير المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها لتصنيع الفنتانيل بشكل غير قانوني، وهو مادة أفيونية اصطناعية أثارت وباء المخدرات القاتل في الولايات المتحدة.
ترميم العلاقات مع الصين
على الجانب الآخر، يقول استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الرئيس الأميركي جو بايدن يريد أن يرمم علاقاته مع الصين في إطار الحملة الانتخابية القائمة، وذلك في محاولة لمقاربة مختلفة عمَّا يطرحه الجمهوريون، خاصةً بعد اتهامه من الأميركيين بالتهاون مع الصين، ودفعها إلى مزيدٍ من التشدد، لذلك فكان لتوقيت الحديث دلالة كبيرة.
ويضيف: الصين من مصلحتها تقارب وجهات النظر مع الولايات المتحدة في هذا التوقيت، كما أن الرئيس الصيني لديه رؤية وهي ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة وحصرها في الملفات الاقتصادية، خاصة بعد الحديث الأميركي عن "مشروع الممر الاقتصادي"، وأوروبا عن "البوابة العالمية"، الأمر الذي يتعارض مع مشروع "الحزام والطريق" مما يخلق مساحة كبيرة من التجاذب بينهما.
ويؤكد أن الاقتصادين (الأميركي والصيني) بينهما اعتماد متكامل، وحاول الطرفان خلق حلول بديلة ولكن باء الأمر بالفشل، كما أن هناك ملفات شائكة قائمة بين البلدين ومنها ملفات لم تنتهِ منها:
- تعديل الاتفاقات الخاصة بالعمل والصناعة والمزارعين.
- أزمة التكنولوجيا متعددة الأغراض "الرقائق الإلكترونية".
- الرئيس بايدن يريد أن يضغط على الصين لعدم تدخلها في الانتخابات الأميركية مثلما حدث في الانتخابات الروسية.
- هناك محاولة من الإدارة الأميركية لجر الصين خارج نطاق التحالف الاستراتيجي مع روسيا، خاصة أن التحالف مع روسيا الآن يغير الكثير من قواعد اللعبة.
ويشير إلى أن هناك سيناريوهات محتملة بشأن مكالمة الرئيسين الهاتفية، متسائلًا: هل تمثل تحولاً نوعياً في إطار العلاقة بين البلدين؟
- السيناريو الأول وهو الشكلي من خلال الاتصالات غير الدورية والتصريحات الإعلامية، خاصة أن هناك تياراً أميركياً يدعو إلى تقريب وجهات النظر مع الصين وعدم إقصائها ودفعها إلى حافة الهاوية وهو التيار الغالب في الإدارة الأميركية، حيث يدعو إلى ضرورة التعامل مع الصين طرفاً شريكاً وليس طرفاً معادياً.
- السيناريو الآخر يشير إلى أن الولايات المتحدة تعيد بناء هيكلية جديدة للنظام الدولي الراهن تخوفاً من عالم متعدد الأقطاب يجمع روسيا والصين، خاصة أن الأميركان يحاولون تهدئة المشهد الراهن، وبالتالي لم يقتصر الأمر على الاتصالات والإجراءات الدبلوماسية الناعمة وغيرها، بل تكون هناك لقاءات وتعاون مشترك.
ويستطرد: ولكن السيناريو الأرجح هو أن الولايات المتحدة تتعامل مع الصين على أنها طرف وشريك وليس عدواً مناوئاً.
وبينما تحرص الولايات المتحدة على منع العلاقات من أن تصبح أكثر توتراً في عام الانتخابات، تسعى الصين إلى رسم صورة لتحسين العلاقات مع واشنطن.
وفي الأسبوع قبل الماضي، التقى شي بمجموعة من 18 من قادة الأعمال الأميركيين وأخبرهم أن التوترات بين البلدين تنبع من "تصورات خاطئة" في واشنطن حول نوايا بكين، وفقًا لوكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا). ولكن إلى جانب هذه الإيماءات، حافظت الصين على خطابها المتشدد ضد الولايات المتحدة.
وكررت وكالة التجسس التابعة لوزارة أمن الدولة الصينية، قبل أيام، وجهة نظرها بأن الشركات الاستشارية الأجنبية غالبا ما تعمل نيابة عن أجهزة المخابرات الخارجية. لقد تسببت الغارات التي شنتها وزارة الأمن العام على الشركات الاستشارية الأجنبية في إثارة حالة من الفزع لدى المستثمرين الدوليين في الصين.
الخلافات القائمة والمصالح المشتركة
إلى ذلك، يؤكد نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير علي الحفني، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن العلاقات بين الولايات الأميركية والصين قائمة على مصالح مشتركة، وأن كل طرفاً يسعى إلى تحقيق مصالحه، مضيفاً: "المواجهة بينهما ستستمر ولكن بطرق أخرى قد تكون أقل حدة".
ويوضح أن:
- "الميزان التجاري وحجم التجارة الدولية" أمور حاكمة للعلاقات بين الدولتين.
- ربط المصالح بينهما بعديد من المؤسسات الأميركية التي تستثمر داخل الصين.
- الولايات المتحدة لا تنظر بارتياح إلى الصعود الصيني، خاصة في تقنيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي وغيره، والتي تتسع يوماً بعد يوم لصالح الصين في هذه المجالات التي ستكون حاكمة في العقود المقبلة، وهو أمر يؤرق الولايات المتحدة والغرب.
- قدرة الصين على المنافسة في الكثير من المجالات الأخرى واتساعها بشكل كبير.
- التقدم في مجال البحث العلمي والتقنيات الفائقة.. وتمتد هذه المجالات إلى الجوانب العكسرية وتكنولوجيا الفضاء.
- الصين أصبحت رقماً فاعلاً على المسرح الدولي؛ خاصة من خلال تحالفها مع دول مختلفة سواء من خلال الاتحاد الروسي أو الاقتصادات البازغة لتماثل المواقف فيما يتعلق بعدد من المواقف الإقليمية والدولية، أو الدول النامية.
- استمرار النجاح الصيني في تعزيز وجود بكين دولياً.
وحول التأثير المحتمل للانتخابات الرئاسية الأميركية على العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم، يلفت إلى أن الصين تتعامل مع السياسة الأميركية بصرف النظر عن الأنظمة الحاكمة، مردفاً: "يمكن أن تتأثر العلاقات لكن ليست بنسبة كبيرة.. وسوف يراعي ذلك التغير الأخذ في الاعتبار مصالح كل منهما".