مع تزايد الطلب على العملة الرقيمة بتكوين، توقع مدير صندوق التحوط، الرئيس التنفيذي لشركة "Morgan Creek Capital Management" مارك يوسكو، أن يتضاعف سعرها هذا العام، ما يطرح سؤالاً جوهرياً حول إمكانية التنبؤ بتحركات هذه العملة الرقمية، والعوامل التي يمكن أن تتحكم بأسعارها صعوداً أو هبوطاً؟
واستبعد خبراء متخصصون في الاستثمار وأسواق المال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إمكانية التنبؤ بأسعار العملات الرقمية وأهمها البتكوين لعدة أسباب أبرزها، أن هذه العملة لا يمكن اعتبارها نقداً لأنها لا تحمل مواصفات النقود، كما أن قوى العرض والطلب عليها غير مبينة على أسس اقتصادية، إلى جانب وجود مستوى عال من الريبة والشك باستخدامها في عمليات غير شرعية، فضلاً عن تأرجح مواقف الحكومات تجاهها.
وبحسب شبكة (سي إن بي سي) رجح يوسكو أن يصل سعر البتكوين في العام الجاري إلى 150 ألف دولار، واصفاً هذه العملة بـ "الملك" وأنها أفضل من الذهب، ويرى أنه يجب على المستثمرين تخصيص ما لا يقل عن 1 بالمئة إلى 3 بالمئة لعملة البتكوين في محافظهم الاستثمارية.
وأضاف يوسكو: "أعتقد أنها يمكن أن ترتفع بمقدار 10 أضعاف من المستويات الحالية بسهولة خلال العقد المقبل".
وارتفعت البتكوين بنحو 159 بالمئة خلال العام الماضي، وقد تجاوزت مستوى 73 ألف دولار في وقت سابق من هذا الشهر.
لا يمكن اعتبار البتكوين نقداً
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الدكتور نضال الشعار، كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" بأستراليا: "لا أحد قادر على إخضاع البتكوين والعملات الرقمية بشكل عام إلى التحليل الاقتصادي والتنبؤ بتحركاتها، وأي عملية من هذا القبيل فيها نوع من التكلف والمبالغة، فحتى الآن الأمر غير واضح، ولا يمكن اعتبار البتكوين نقداً لأنها لا تحمل مواصفات النقود، لكنها يمكن أن تشترك مع النقود بإمكانية استخدامها كوسيلة للتبادل أو التداول أو تصفية حسابات الصفقات".
قوى العرض والطلب غير مبينة على أسس اقتصادية
وفي حال اعتبار البتكوين سلعة، فإن قوى العرض والطلب عليها غير مبينة على أسس اقتصادية، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يحرك العرض والطلب عليها هو الإرادة وقبول من يتعامل بها وهو ما يؤثر على سعرها انخفاضاً أو ارتفاعاً، وقد شهدنا فترات كانت درجة القبول على البتكوين منخفضة وبالتالي انخفض السعر بشكل كبير، بل وشهدت العملة الرقمية تقلبات عنيفة، وفقاً لما قاله الدكتور الشعار.
ريبة من استخدام البتكوين بعمليات غير شرعية
إضافة إلى ذلك ومع أن التكنولوجيا المستخدمة في البتكوين تعد متقدمة جداً (البلوك تشين) أو ما يسمى بسلاسل الكتل، وفيها فائدة لتثبيت وتوثيق التعاملات المالية، إلا أن هناك مستوى عال من الريبة والشك في استخدام البتكوين وسلاسل الكتل في عمليات غير شرعية، وهذا شيء مثبت وهناك آلاف الحالات موجودة وتثبت أنه يوجد خطر كبير جراء استخدام هكذا طريقة في تصفية الصفقات وتبادل المواد، بحسب تعبيره.
وأضاف خبير الأسواق المالية الشعار: "فإذا تم اعتبار البتكوين سلعة فلا يمكن لأي سلعة في العالم أن تزيد أسعارها عشرات الأضعاف، ففي عام 2017 كان السعر الأدنى الذي وصلت إليه البتكوين نحو 755 دولاراً والسعر الأعلى لنفس العام 20089 دولاراً أي أن التقلبات كانت بنحو 30 ضعفاً، وبالتالي لا يمكن اعتبارها سلعة مستقرة بل تنتفي عنها صفة السلعة ويبقى فقط عامل القبول الوحيد الذي يؤثر في أسعارها بالإضافة إلى الحاجة لاستخدامها من قبل بعض هواة التكنولوجيا أو أعداء المصارف المركزية، حيث أن هناك شحنة عاطفية سلبية ضد المصارف المركزية وبشكل خاص ضد الدولار كعملة عالمية، ودائماً نرى أن لهذه الشحنة تأثيراً كبيراً في تحركات البتكوين، وخصوصاً أنه يوجد حالياً هجوم على الدولار وبالتالي يرتفع سعر البتكوين".
تشبيه البتكوين بالذهب يجافي الحقيقة
ورداً على سؤال فيما يعتبره البعض بأن عملة البتكوين تعد أداة استثمار أفضل من الذهب أجاب الدكتور الشعار: "إن تشبيه البتكوين بالذهب بالأساس أمر يجافي الحقيقة، فالذهب له استخدامات مادية فيزيائية واضحة بينما البتكوين ليس لها أي استخدام مادي أو فيزيائي واضح، وأهم من ذلك أن البتكوين خاضعة لقرارات، بمعنى وجود عملة البتكوين واستمراريتها خاضع لقرارات برلمانات وحكومات ومصارف مركزية، فإذا شعرت المصارف المركزية على سبيل المثال أن البتكوين تسبب خللاً ما في التوازن الاقتصادي فمن السهل إصدار قرار بمنع التعامل بها وبالتالي قد تنخفض قيمتها إلى الصفر، وهذا أمر وارد جداً".
وأوضح كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" بأستراليا: أنه "على الرغم من أن هيئة الأوراق المالية في الولايات المتحدة قامت بقبول الصناديق الاستثمارية للبتكوين فهذا كان مبنياً على أن البتكوين سلعة وليست نقوداً، فالتقلبات الإدارية الممكنة تحكمها ظروفاً سياسية وجيوسياسية كبيرة ويمكن أن تنهي البتكوين ويمكن أن تحدث تقلبات سعرية كبيرة وبالتالي ما نراه اليوم من ارتفاعات في سعر البتكوين يمكن أن يستمر لثلاثة أسباب هي:
- قبول هيئة الأوراق المالية الأميركية لصناديق الاستثمار بالبتكوين.
- الإرادة الجديدة للمؤسسات الاستثمارية بإصدار صناديق استثمارية في البتكوين كنوع من المخاطرة والتنويع حيث تبحث هذه المؤسسات عن استقطاب مستثمرين جدد وبالتالي البتكوين كانت فكرة معقولة أن يكون لها صندوق استثماري طالما باتت تحصل على قبول متزايد من قبل الأفراد.
- طريقة إنتاج البتكوين، ففي 21 أبريل المقبل سيكون هناك "تنصيف" لعملية استخراج البتكوين إذ كان كل يوم يتم إنتاج 900 قطة بتكوين أما بعد هذا التاريخ فسيصبح الرقم 450 قطعة وهذا يعيدنا إلى قوى العرض والطلب وبالتالي سيكون هناك احتمال كبير لارتفاع الأسعار وهو ما يراهن عليه المستثمرون.
التنبؤ بمستقبل البتكوين
بدوره قال الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons"، علي حمودي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بمستقبل البتكوين، فهناك نتيجتان محتملتان يجب أخذهما في الاعتبار حالة الصعود وحالة الهبوط، وقد يعتمد المستقبل الصعودي للبيكوين على متانة الأطر المصرفية التقليدية، قد نرى مشكلات خطيرة في الاقتصاد العالمي، حيث تواجه الولايات المتحدة أزمة مصرفية والتزامات ديون متزايدة، وإذا رأينا استمرار تعثر بعض البنوك في عام 2024، فقد تضطر الحكومة إلى التدخل لتقديم التحفيز أو طباعة المزيد من الأموال، وهذا من شأنه أن يزيد من انخفاض قيمة الدولار الأميركي".
في هذا السيناريو، فإن البتكوين يمكن أن تصبح جذابة للمستثمرين باعتبارها أصلاً معروفاً ومرناً وعرضها ثابتاً حيث لا يمكن تغيير قواعد اللعبة بسهولة، بحسب حمودي.
ومع ذلك، يشير حمودي إلى أن كل استثمار له جوانب سلبية محتملة، إذ لا تشكل عملة البتكوين استثناءً، وعلى سبيل المثال، قد يؤثر ضغط البيع على المدى القصير سلباً على سعر البتكوين.
وأوضح الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons" أن تداعيات السياسات البيئية والنقدية والتنظيمية للاقتصادات وخصوصاً الكبرى تعد مصدر قلق آخر لعملة البتكوين، فهناك هجمات مستمرة على التأثيرات البيئية لبتكوين، حيث يقترح البيت الأبيض فرض ضريبة تصل إلى 30 بالمئة على القائمين بتعدين بتكوين في الولايات المتحدة، وبالمثل، إذا استمر انتقاد بتكوين بسبب استهلاكها للطاقة، فقد يهدد ذلك سعرها.
تأرجح مواقف الحكومات تجاه البتكوين
إن التأرجح في المواقف تجاه البتكوين والعملات المشفرة من قبل الحكومات يؤثر على السعر ويمكن أن يؤدي إلى الانخفاض، بالإضافة إلى ذلك، فإذا كانت عملة البتكوين ستهدد احتكار الدول وخاصة الاقتصاديات الكبرى للعملات والأصول التقليدية بسبب اعتمادها على نطاق واسع، فيمكن للحكومات أن تتحرك بسرعة لتقييدها، بحسب تعبيره.
ويرى محلل الأسواق حمودي أنه يجب على المستثمرين أن يتذكروا أنهم يستثمرون في البتكوين على مسؤوليتهم الخاصة، ولن يأتي بنك الاحتياطي الفيدرالي أو أي بنك مركزي آخر لإنقاذهم في حال انهيار السعر بنسبة 10 بالمئة أو حتى 70 أو 80 بالمئة، على عكس ما تتخذه البنوك المركزية في بعض الأحيان من خطوات لدعم سوق الأوراق المالية نظراً لأن البتكوين لا تشكل حتى الآن تهديداً كبيراً للأنظمة المصرفية والمالية العالمية.