كان يوم الثلاثاء يومًا تاريخيًا بالنسبة للمقرضين اليابانيين، بعد أن حدد البنك المركزي الياباني سعر الفائدة في نطاق يتراوح بين صفر و0.1 بالمئة، وهو ما يمثل أول زيادة في سعر الفائدة منذ 17 عاما وينهي حقبة من أسعار الفائدة السلبية.

وبحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإنه "ينبغي لأرباح البنوك اليابانية أن تكون أول من يعكس هذا التحول".

بنك اليابان أشار إلى بداية نهاية سياسته النقدية التيسيرية من خلال إزالة ضوابط منحنى العائد، وهي السياسة التي تحدد سقفًا لعوائد سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات. وقد ظل هذا قائما منذ عام 2016.

يأتي هذا التحول بعيدا عن عقود من التحفيز النقدي الضخم، وبما يتعين معه أن تكون هناك المزيد من الزيادات في الأفق.

لكن، بحسب تقرير الصحيفة، فسوف تعتمد وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة على عدة عوامل، ليس أقلها ما إذا كانت الشركات المحلية والأسر قادرة على التعامل مع تكاليف الاقتراض المرتفعة. وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص؛ نظراً لارتفاع مستويات الدين الوطني.

أخبار ذات صلة

الين الياباني يرتفع بدعم توقعات رفع سعر الفائدة وضعف الدولار
صادرات اليابان ترتفع للشهر الثالث على التوالي

وصلت ديون اليابان إلى مستوى قياسي بلغ 8.6 تريليون دولار في نهاية العام الماضي، وفقا لبيانات حكومية. بما يزيد عن 250 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى في الاقتصادات الكبرى في العالم.

وبالنسبة لبلد حيث كانت أسعار الفائدة السلبية موجودة لفترة طويلة، فإن زيادة بنسبة 0.1 بالمئة تعتبر مشكلة كبيرة.

وتمتلك البنوك المحلية احتياطيات تزيد قيمتها عن 700 مليار دولار ولا تدفع حاليا أي فوائد، وفقا لبيانات البنك المركزي.

ليست البنوك فقط هي التي لديها أكوام من النقد الخامل. ففي اليابان، كانت مدخرات الشركات في ارتفاع لأكثر من عقدين من الزمن. وقد تُرك نصيب الأسد من هذه الأموال الإضافية نقدًا، مما يعكس أساليب الإدارة المحافظة والمخاوف بشأن عدم اليقين بشأن التمويل في المستقبل.

حتى مع احتساب الارتفاع الكبير في عمليات إعادة شراء الأسهم في السنة المالية 2023، وباستثناء المجموعات المالية، فإن الشركات اليابانية لديها نقد بنسبة 49 بالمئة في ميزانياتها العمومية كنسبة من صافي الأصول، وفقا لبنك جيه بي مورغان.

وارتفعت أسهم أكبر بنك في اليابان، مجموعة ميتسوبيشي يو إف جي المالية، بالفعل بأكثر من 80 بالمئة في العام الماضي. كما ارتفع أقرانهم بشكل حاد.

يتم تداول أسهم Mitsubishi UFJ بما يزيد قليلاً عن قيمتها الدفترية الملموسة. وقد تضاعف تقييمها على مدى السنوات الثلاث الماضية لتتماشى مع نظيراتها الإقليمية، مما يعكس التوقعات بزيادات أسعار الفائدة.

وتشير الصحيفة إلى أن البنوك المحلية تتمتع بالفعل بقاعدة قوية من مستثمري التجزئة المحليين الذين يعتمدون على أرباح البنوك كمصدر للدخل المستقر. ومع تحسن الربحية، كذلك يتعين أن تتحسن جاذبيتها للمستثمرين الأجانب الذين تجاهلوا هذا القطاع.

من جانبه قال كبير استراتيجيي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة "BDSwiss" مازن سلهب، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن بنك اليابان يحاول إرسال الرسالة الصحيحة للأسواق من خلال تأكيده على أن رفع الفائدة إلى 0 بالمئة، وهذا أول رفع للفائدة منذ عام 2007، لا يعني بشكل أو آخر تشديداً للسياسة النقدية لأن:

  • الفائدة في اليابان ببساطة ستبقى متدنية أصلاً مقارنةً مع بقية الاقتصادات المتقدمة لكنه سيستمر بشراء السندات حتى لو كان بنسبة أقل.
  • يعني ذلك أن قوة الين لن تحدث بسرعة ويعني أن مؤشر نيكي الياباني الذي وصل حالياً فوق 40800 نقطة في مستوى تاريخي جديد قد يستمر بهذا الأداء المميز في الأشهر القليلة القادمة مع ارتفاعه 22 بالمئة في 2024 متفوقاً على المؤشرات الأميركية والأوروبية.
  • الأهم سيكون مراقبة عوائد السندات الحكومية اليابانية بعد أن قرر بنك اليابان الخروج من التحكم بمنحى عائد السندات وتركه للأسواق، وهذا قد يعني ارتفاعاً في عوائد السندات اليابانية، حيث تعتبر اليابان ثاني أضخم سوق سندات في العالم بعد أميركا، تمثل 1/5 في مؤشر السندات السيادية.

وأضاف سلهب: "باعتقادنا أن بنك اليابان سيكون في غاية التمهل والحرص قبل الاستمرار في المزيد من رفع الفائدة، لعوامل ديموغرافية واقتصادية ونقدية تتعلق ببقاء الين مقبولاً ومنافساً، مع قدرة على المناورة في سعر الصرف لدعم الصادرات ومنافسة اليوان الصيني والروبية الهندية مع صعود صادرات البلدين".

وأكد سلهب أن بنك اليابان لا يريد أن يعيد التاريخ الذي حدث قبل 33 عاماً، عندما رفع الفائدة قبل أن يصل مؤشر نيكي لقمته التاريخية ثم تراجع بقوة، ما تسبب في دخول البلاد في ركود لعقدين كاملين.

أخبار ذات صلة

بنك اليابان يطوي صفحة بالتخلي عن سياسة "الفائدة السلبية"
في تحول تاريخي.. بنك اليابان يقرر رفع الفائدة

تداعيات التحول "التاريخي"

من جانبه، علق محلل أول أسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على خطوة المركزي الياباني، بقوله إن مكاسب الأسعار وارتفاع الأجور وارتفاع تكاليف الاقتراض تعني عودة دورة أعمال أكثر طبيعية للشركات اليابانية البالغ عددها 3.7 مليون شركة، ذلك أنه للمرة الأولى يطالب العمال بزيادات في الأجور ويفوزون بها.

أخبار ذات صلة

بنك اليابان أمام لحظة تاريخية.. هل يتخلى عن الفائدة السلبية؟
2024 عام تحول البنوك المركزية.. من يخفض الفائدة أولاً؟

وأضاف عزام أنه لأسعار الفائدة المرتفعة جوانب سلبية ستظهر على الاقتصاد الياباني وهي:

• توجيه ضربة للشركات المثقلة بالديون بعد فترة السياسة النقدية التسهيلية.
• عديد من الشركات تكافح من أجل سداد الديون، بينما ارتفاع الفائدة يعني زيادة مديونية تلك الشركات.. وهذا ما قد يرفع إمكانية ظهور حالات الإفلاس في الشركات.
• يواجه المستهلك بعض المخاوف فيما يتعلق بالإنفاق والاستثمار بشكل مبالغ فيه، حيث أن الجيل الحالي قد اعتاد الفائدة السلبية وذلك قد يؤثر على ثقة المستهلك.
• من المرجح أن يظل النمو الاقتصادي ضعيفاً بسبب تسارع شيخوخة السكان وتقلص القوى العاملة.
• نمو الأجور الإجمالي لايزال متخلفاً عن التضخم الاستهلاكي.
• قد تؤدي خطوة بنك اليابان إلى زيادة تكاليف الاقتراض الحكومي مما يزيد من صعوبة مواجهة الصدمات الاقتصادية من خلال إجراءات التحفيز التي تغذيها الديون.
• قد يضطر رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، إلى الدفاع عن قضايا لا تحظى بشعبية مثل زيادة الضرائب.

وأكمل عزام: رغم الجوانب سالفة الذكر إلا أن هناك أطرافاً مستفيدة من رفع الفائدة يأتي على رأسها:

• القطاع المصرفي الياباني الذي طالما اشتكى من الفائدة السلبية.
• شركات الأوراق المالية قد تشهد زيادة حجم العملات في أسواق الدخل الثابت تدريجياً.

الين الياباني

فيما حلل المدير التنفيذي لشركة VI Markets، أحمد معطي ، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، تداعيات رفع المركزي الياباني للفائدة والتي سينجم عنها في تقديره:

• دعم الين الياباني مقابل الدولار بعد حلقة من التراجع حتى وصل إلى 150 يناً مقابل الدولار الواحد.
• لم نر هذه النتيجة حتى الآن بوضوح على الين الياباني، لأن معدل الفائدة الذي كُشف عنه جاء أقل مما كان متوقعًا فهو في نطاق يتراوح بين 0 و0.1 بالمئة فهي وإن لم تكن سلبية، لكنها في نفس الوقت ليست مجزية لجذب أموال المستثمرين للبنوك في ظل وجود بدائل أفضل كالولايات المتحدة التي تعطي فائدة للمستثمر تقدر بـ 5.25 بالمئة.
• ستبدأ السوق في رؤية قوة صاعدة للين الياباني حال إقدام الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية العالمية على خفض الفائدة.
• اقتصاد اليابان بدأ في الدخول في معدلات نمو جيدة ومستويات أجور مرضية، إضافة إلى وصول التضخم لمعدل الـ 2 بالمئة وهذه أحد مستهدفات المركزي الياباني التي حققها.

وشدد معطي على أنه رغم الإيجابيات السابقة فالمستثمر سيبحث عن ملاذ استثمار أفضل وأوضح من الين الياباني وذلك بسبب:

• رئيس المركزي الياباني أعلن إمكانية تبنيه من جديد للسياسة النقدية فائقة التيسير في الوقت الحالي حال عودة الاقتصاد الياباني لمرحلة الركود.
• كما أنه لم يكشف عن موعد الرفع الجديد لأسعار الفائدة، خصوصًا وأن النسبة التي رفعها ليست جاذبة لأموال المستثمرين .

المركزي الياباني.. آخر بنوك العالم التي تودع الفائدة السلبية