السياسة الصناعية في الولايات المتحدة تمثل جزءاً حيوياً من الاقتصاد والسياسة العامة؛ إذ تهدف إلى تنظيم وتشجيع النمو الاقتصادي وتطوير الصناعات المحلية وتعزيز التنافسية في السوق العالمية.

منذ تولي الرئيس جو بايدن السلطة، شهدت الولايات المتحدة تطورات ملموسة فيما يخص السياسة الصناعية، حيث تم إطلاق برامج ومبادرات جديدة تهدف إلى دعم الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا، ومكافحة التضخم.

أحد أبرز البرامج التي أطلقتها الحكومة الفيدرالية في إطار السياسة الصناعية هو قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف، الذي يقدر بتمويل يبلغ 550 مليار دولار.

أخبار ذات صلة

البيت الأبيض: حزمة دعم بقيمة 20 مليار دولار لشركة "إنتل"
شريحة "إنفيديا" B200 للذكاء الاصطناعي.. "قوة خارقة"

بالإضافة إلى ذلك، تم تبني قانون الرقائق والعلوم بقيمة 280 مليار دولار، وهو يستهدف تعزيز البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا، وتعزيز قدرة الولايات المتحدة على المنافسة في السوق العالمية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والأتمتة.

ومن أجل مواجهة التحديات الاقتصادية المتنوعة، اتخذت الحكومة الفيدرالية خطوات للتصدي للتضخم من خلال قانون الحد من التضخم، وهو القانون الذي يهدف إلى تعزيز استقرار الأسعار وتقليل الضغوط التضخمية على الاقتصاد، من خلال سياسات تحفيزية وتنظيمية تهدف إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ومنع تفاقم الأزمات الاقتصادية.

تلعب السياسة الصناعية دوراً حيوياً في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في الولايات المتحدة. ومع ترسيخ الأوجه الجديدة من السياسات الصناعية، تثار تساؤلات حول نجاعة تلك السياسة –لا سيما بالنظر إلى تأثيراتها على حلفاء واشنطن في أوروبا والتنافسية مع الشركات الأوروبية بعد الحوافز التي تقدمها واشنطن للشركات الأميركية- وكذلك تساؤلات بشأن التغيرات المحتملة في تلك السياسة ارتباطاً بنتائج الانتخابات المرتقبة في نوفمبر المقبل.

أخبار ذات صلة

كيف يتعامل الفيدرالي مع تحدي "الميل الأخير" في معركة التضخم؟
بايدن يعارض استحواذ مجموعة يابانية على شركة أميركية للصلب

دور الدولة في الاقتصاد

وذكر مقال كتبته رانا فوروهار، بصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أن:

  • إدارة الرئيس جو بايدن أعادت التأكيد على دور الدولة في الاقتصاد الأميركي بطرق غير مسبوقة منذ نصف قرن.
  • تضمن ذلك دعم إعادة التصنيع، ودعم الصناعات الاستراتيجية، وتعزيز النقابات، وإعادة النظر في العلاقات التجارية، وإعادة سياسة المنافسة.
  • ومع ذلك، فهذه سياسات منفصلة، ​​وليست نظام تشغيل جديدًا بشكل أساسي (..) تبنى اليسار واليمين السياسي في الولايات المتحدة التعريفات الجمركية، والإعانات، والتدخلات الحكومية الأخرى.
  • من المؤكد أن الدولة ستكون "أكثر هيمنة" بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر.

وأفادت فوروهار بأن السياسة الصناعية في الولايات المتحدة، تدور حول تحقيق أهداف مختلفة، من بينها:

  • إعادة التوازن بين الاستهلاك والإنتاج بالاقتصاد الأميركي.
  • الحد من عدم المساواة.
  • تعزيز أنماط أفضل وأكثر استدامة من النمو.
  • بناء قوة عمل أكثر قدرة على المنافسة على المستوى العالمي.
  • إيجاد أرضية وسط بين الابتكار والتنظيم.

وللقيام بذلك، تحتاج إلى اتصالات حقيقية بين أصحاب المصلحة الرئيسيين؛ أي قطاع الأعمال، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، والحكومة على جميع المستويات.

وشددت فوروهار على أن الولايات المتحدة توصف بأنها شركة بيروقراطية كبيرة، أو تكتل ضخم ومعقد ومتنوع ومهتم بمصالحه الذاتية، بحيث يصعب عليها العمل بفعالية أو إنتاجية.. فالعمليات منعزلة.

أخبار ذات صلة

لماذا لا يشعر الأميركيون بالثقة في سياسات بايدن الاقتصادية؟
ترامب يعيد إحياء خططه الاقتصادية ويلوح برفع الرسوم الجمركية

ولا يقتصر الأمر على وجود القطاعين العام والخاص في مجالات منفصلة إلى حد كبير فحسب، بل إن الأشخاص المناسبين في هذه المجالات لا يتواجدون في كثير من الأحيان في نفس الغرفة لإجراء المناقشات الأكثر أهمية.

فيما يخص الحكومة على سبيل المثال، تعد إدارة بايدن واحدة من أكثر الإدارات تعاونًا .. لكن هناك فجوات كبيرة في التواصل وأهداف السياسة بين وزارة التجارة ومكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة أو البنتاغون والخزانة، على سبيل المثال.

وتطرح الكاتبة في هذا السياق مجموعة من التساؤلات:

  • هل تعني المرونة عقد صفقات تجارية جديدة في آسيا لمواجهة الصين، وهو ما يبدو أنه نهج وزارة التجارة؟ أم أن هذا يعني الدفع باتجاه نظام تجاري جديد تماماً، كما يريد الممثل التجاري الأميركي؟
  • هل يجب علينا تسريع عملية إعادة التصنيع والتخلص من المخاطر في الصين من أجل الأمن، كما يؤيد الكثيرون في دوائر الدفاع، أو اتباع نهج تدريجي ومحاولة تسهيل الأمور مع بكين لتجنب حرب تجارية أو تضخم، وهو أمر ضروري (وجهة نظر الخزانة)؟

المنافسة مع الصين

الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه رغم انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001 ووعودها بتبني نهج موجه نحو السوق المفتوحة، لم تحقق الصين تلك الآمال ولم تستوعب معايير التجارة والاستثمار القائمة على المنافسة، مما أسهم في تعزيز موقعها كأكبر مُصدِّر في العالم مع حماية أسواقها المحلية.

وأضاف أرشيد أن:

  • الولايات المتحدة بدأت في تبني سياسات صناعية بشكل صريح مشابه للنهج الذي اتخذته الصين، خاصةً في عهد الرئيس شي جين بينغ الذي أعاد التأكيد على سيطرة الدولة على الاقتصاد، مستشهداً بمبادرة "صنع في الصين 2025" تسلط الضوء على الدعم الكبير للقطاعات المستهدفة.
  • كذلك اعتمدت الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب حماية لصناعات الصلب والألومنيوم وأعادت "توطين" إنتاج أشباه الموصلات من خلال قانون إيجاد حوافز لمساعدة إنتاج أشباه الموصلات والعلوم (CHIPS Act) وقانون خفض التضخم، مما يضع الولايات المتحدة في موقف منافسة مباشرة مع الصين.

وبينما قدمت إدارة بايدن حوافز مختلفة لتعزيز تنافسيتها، أفاد الباحث الاقتصادي بأن من بين العوامل التي ترتكز عليها السياسة الصناعية الأميركية:

  • بناء شراكات تعاونية مع مختلف الأطراف من الكونغرس وحكومات الولايات والحكومات المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية.
  • هذه الشراكات مصممة لحماية المصالح والقيم المشتركة.
  • نتج عنه هذه الشراكات تعزيز التعاون مع الحلفاء والشركاء الدوليين وتطوير بدائل إيجابية تدعم المبادئ المشتركة لنظام عالمي حر ومفتوح.

وتابع أرشيد: "رغم ذلك، هذا التعاون واجهته تحديات صينية، خاصةً في المجال الاقتصادي، حيث أسهم سجل بكين في تنفيذ التزامات الإصلاح الاقتصادي واستخدامها المكثف للسياسات وممارسات الحماية التي تقودها الدولة في تشويه الأسواق العالمية وانتهاك المعايير الدولية، مما يؤثر سلباً على الشركات والعمال الأميركيين".

أخبار ذات صلة

"يثير حسد العالم".. هكذا وصف بايدن الاقتصاد الأميركي
الحرب التجارية الأميركية الصينية مستمرة بغض النظر عن الرئيس

الشرق الأوسط ساحة للمنافسة

وأكمل الخبير الاقتصادي أن الشرق الأوسط يعتبر هو الآخر ساحة مهمة للمنافسة بين القوى العظمى والتعاون العالمي كما يلي:

  • تبرز الصين كمنافس صاعد للولايات المتحدة في تحقيق النفوذ بالمنطقة.
  • الولايات المتحدة، من جانبها، تستطيع استخدام نفوذها غير المباشر على الصين عبر عدة طرق مثل التأكيد على ضرورة التعاون بشأن القضايا الملحة مثل برنامج إيران النووي واستغلال مظلتها الأمنية كوسيلة لإقناع الصين ودول المنطقة باتخاذ خطوات أكثر حذراً تتعلق بقضايا تهم واشنطن.

وأكد أرشيد أن الولايات المتحدة تعد مركزًا للابتكار وريادة الأعمال، ويمكنها استغلال هذا الموقع لتعزيز تعاونها مع دول أخرى في مجالات البحث والتطوير والتكنولوجيا المتقدمة.

 هذا بدوره يمكن أن يسهم في خلق فرص جديدة للنمو والتوسع، وفي الوقت نفسه، يقلل من التبعية للتكنولوجيات والموارد الخارجية، مما يعزز الاكتفاء الذاتي والقدرة التنافسية الدولية للولايات المتحدة.

وواصل أرشيد: إضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من قوتها التكنولوجية والابتكارية للتفوق في المجالات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، والتقنيات الحيوية.

من خلال التركيز على هذه المجالات، يمكن للولايات المتحدة ليس فقط تعزيز تنافسيتها مع بكين، ولكن أيضًا المساهمة بشكل إيجابي في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي والأمن الغذائي.

القطاع الصناعي الأميركي

من جانبه، علق الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الاستراتيجية" طارق الرفاعي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأن القطاع الصناعي في الولايات المتحدة يعتبر أحد أقوى القطاعات مقارنة بدول أوروبا التي انكمش بعضها حاليًا وأيضًا الصين.

وأضاف الرفاعي أن قطاع التكنولوجيا يُعد من القطاعات الرئيسية في التنافسية بين الصين والولايات المتحدة، مستشهداً بضغط الولايات المتحدة على شركات تايوانية متخصصة في صناعة الرقائق لفتح مقرات ومصانع تابعة لها في الولايات المتحدة تلبية لحجم الطلب المرتفع على هذا القطاع الهام، واصفًا تلك الخطوة بالإيجابية للقطاع الصناعي في أضخم اقتصاد في العالم.