تسعى الحكومة الجزائرية للانتقال بقطاع السيارات إلى مرحلة جديدة، بإحياء الصناعة محليًا، وذلك مع الإعلان عن اعتزام شركات "شيري" و"جيلي" و"جاك" الصينية تأسيس مصانع لإنتاج سياراتها محلياً في الجزائر.
جاءت هذه الخطوات في ظل ارتفاع حجم الطلب على السيارات وانخفاض المعروض، وهو ما يترجم بارتفاع في الأسعار، وبعد أن عانت السوق الجزائرية للسيارات كثيرا بسبب وقف استيراد السيارات وغلق مصانع التجميع التي كانت حسب الرئيس عبد المجيد تبون "تكتفي بوضع العجلات فقط" مقابل امتيازات ضريبية كبيرة.
وفقًا للبيانات الرسمية، يتراوح حجم الطلب على السوق المحلية للسيارات في الجزائر ما بين 250 ألف وحدة و350 ألف وحدة سنوياً.
- تسعى الكثير من الشركات العالمية لاتخاذ خطوات لإقامة مصانع للسيارات في الجزائر.
- بحسب وكالة الأنباء الجزائرية، قدمت 30 شركة طلبات لإقامة مصانع للسيارات في الجزائر على غرار "جاك"، و"جيلي"، والشركة الكورية "هيونداي".
- تطمح الجزائر الوصول بنسبة صناعة أجزاء السيارات محليًا إلى 35 بالمئة في العام 2026.
- بعض العلامات الآسيوية والأوروبية حصلت على رخص بمجال تجميع السيارات من أجل الاستفادة من فرص الاستيراد مقابل تشييد مصانعها خلال مدة زمنية محددة.
- الجزائر رصدت ما قيمته 1.9 مليار دولار لتمويل عمليات الاستيراد.
شركة "فيات" الإيطالية كانت أول المستثمرين الجدد بالقطاع في الجزائر ، ودخلت مرحلة الإنتاج المحلي نهاية عام 2023، بطاقة إنتاج أولية تبلغ 50 ألف سيارة من 4 طرازات.
وتخطط شركة "جاك" الصينية بالشراكة "أومين أوطو" لإقامة مصنع محلي لإنتاج السيارات بنسبة إدماج تفوق 30 بالمئة، وبطاقة إجمالية قصوى تُقدر بـ100 ألف سيارة سنوياً بمحافظة عين تموشنت غرب البلاد، بحسب وزارة الصناعة الجزائرية.
تسهيلات حكومية وانتعاشة بالسوق
وفق مدير الذكاء الاقتصادي والإدارة التقنية لمتابعة ملف السيارات على مستوى وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، مقداد عقون، في تصريحات أدلى بها للإذاعة الجزائرية أخيراً، فإن سوق السيارات في الجزائر ستشهد انتعاشة خلال النصف الثاني من العام الجاري، بناء على ما قدمته الحكومة من تسهيلات وتدابير للمتعاملين في مجالي الإنتاج والاستيراد. وأفاد بأن وزارة الصناعة منحت 44 اعتمادا للمتعاملين الذين قاموا باستيفاء جميع الشروط، كما منحت أيضا 81 رخصة مسبقة حتى استيفاء الشروط .
تأسيس للصناعة
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي، استاذ الطاقة الجزائري، الدكتور مراد كواشي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن صناعة السيارات بالجزائر كانت قد مرت بمرحلة صعبة حيث شهدت تجربة غير ناجحة منذ عشر سنوات.
وأوضح أن:
- التجربة سالفة الذكر كانت عبر بدء بعض المصانع الأوروبية في التأسيس لصناعة سيارات محلية الصنع، وبعد مرور الوقت تبين أن هذه المصانع تقوم باستيراد أجزاء السيارة وتجميعها وتركيبها بالجزائر.
- تلك التجربة تسببت في استنزاف خزينة الدولة، لذلك الحكومة الجزائرية حظرت استيراد قطع الغيار لمصانع التجميع، ومنذ ست سنوات أوقفت هذه المصانع وحاولت التأسيس لصناعة حقيقية للسيارات.
- الحكومة الجزائرية أسست للصناعة من خلال دخول أول مصنع وهي الشركة الإيطالية فيات التي قامت بدعم تأسيس مصنع للسيارات في الجزائر للعلامة.. وذلك بنسبة إدماج مرتفعة أي يكون الجزء الأكبر محليًا، والعمل على رفع هذه النسبة مع مرور السنوات، تفاديًا لأخطاء الماضي.
وتقدر نسب الإدماج في القانون الجزائري الجديد، 10 بالمئة في السنة الثانية، بينما في الثالثة 20 بالمئة، وعند السنة الخامسة يكون بنسبة 30 بالمئة.
وأكد الخبير الاقتصادي، أن تأسيس شركات صينية مصانع للسيارات في الجزائر يأتي في إطار توطيد العلاقات الجزائرية الصينية، وما شهدته تلك العلاقات من تطور ملحوظ في الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن بكين أصبحت أكبر مورد للجزائر وتزويدها بنسبة كبيرة من احتياجاتها السنوية، وتشارك في مشروعات تتعلق بالبنى التحتية.
وفي العام 2023 ارتفع حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الصين والجزائر لأول مرة إلى أكثر من 10 مليارات دولار.
وأكد الخبير الاقتصادي، أن الجزائر الآن تمثل وجهة استثمارية لها العديد من المزايا، من بينها أن:
- الجزائر بلد طاقوي، وهو ما يمثل ميزة تنافسية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الطاقة خاصة في الدول الأوروبية، فبالتالي توافر الطاقة بأسعار منخفضة بالجزائر يعد ورقة رابحة بالنسبة للاقتصاد الجزائري وورقة جذب للمستثمرين.
- توافر المعادن.. ذلك أن الجزائر خلال العام الماضي باشرت في استغلال منجم غار جبيلات وهو من أكبر مناجم الحديد بالعالم، وهو ما يعول عليه لتزويد المصانع الجديدة للسيارات بما تحتاجه من مادة أولية متمثلة في الحديد، خاصة وأن أسعار الحديد ارتفعت في السوق العالمية.
- انفتاح الجزائر على سوق غرب إفريقيا.. ومنذ أيام أنشأت الجزائر منطقة حرة مع موريتانيا، وأيضًا قامت بإنشاء طريق بري يربط بين الزويرات الموريتانية وتندوف الجزائرية بمسافة تقارب 800 كيلو مترًا، كما أنها أنشأت أفرع بنوك عمومية في كل من موريتانيا والسنغال، فهي تستهدف سوق غرب إفريقيا من خلال موريتانيا والسنغال.
طفرة متوقعة
ونوه إلى أنه حتى الآن مساهمات صناعة السيارات في الاقتصاد الوطني تعد ضئيلة، متوقعًا أنه في ظل عدد المشروعات التي تم تسجيلها منذ عام تقريبًا فإن القطاع الصناعي سيشهد تطورا خلال السنوات المقبلة.
وأكد أن الحكومة الجزائرية بذلت مجهودات كبيرة هدفها تحسين مناخ الأعمال وتطوير الصناعة وخاصة صناعة السيارات، وذلك من خلال عديد من النقاط، من بينها قيام الحكومة بوضع قانون جديد للاستثمارات، يحتوي على مزايا كبيرة للمستثمرين المحليين والأجانب وتحفيزات وضمانات على جميع الأصعدة، إضافة إلى إطلاق قانون نقدي ومصرفي جديد ينظم المنظومة البنكية، وكذلك إطلاق قانون جديد للصفقات العمومية، مع وضع تحسينات فيما يتعلق بمحاربة البيروقراطية وتطوير الرقمنة.
انطلاق المشروع الاقتصادي
وبدوره، أوضح مدير مؤسسة الدراسات الاقتصادية بالجزائر، الدكتور حمزة بوغادي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الجزائر تطمح من خلال إعادة بعث مشروع صناعة السيارات لتأكيد الانطلاق الفعلي للمشروع الاقتصادي الشامل الذي بدأته منذ ثلاث سنوات.
وأوضح أن ذلك عبر إطلاق ورش كبرى لإصلاح الاقتصاد، بتغيير وتحديث قوانين الاستثمار وجعلها أكثر جاذبية وتنافسية، موضحًا أن الجزائر في خطتها تعتمد على عدد من المحاور الرئيسية لإعادة بعث هذه الصناعة، وهي:
- الخبرات المتراكمة للصناعات الميكانيكية التي انطلقت في تجسيدها منذ سبعينات القرن الماضي، والتي يستمر البعض منها إلى يومنا هذا كمصنع SNVI للشاحنات ومصنع ENMTP للآلات والجرارات الفلاحية.
- الرؤية الجديدة والبحث عن الاستفادة من أخطاء الماضي، خصوصا مشاريع تركيب السيارات المتعثرة التي أطلقت أواخر سنة 2014.
- الاعتماد على الزخم الطاقوي الذي تستحوذ عليه باعتبارها دولة رائدة في الغاز و النفط ومع غناها بالمواد المعدنية والصناعية كالفولاذ الزجاج و البلاستيك، إضافة إلى اليد العاملة الشابة.
- ما تمثله السوق الجزائرية الكبيرة للسيارات بسبب شساعة مساحة البلاد وارتفاع حجم الطلب.
وأكد أن الجزائر تراهن على تطوير شراكتها في هذا المجال على شريك تجاري وسياسي متين، مشيرًا إلى أن العلاقات الجزائرية الصينية تتميز بالجودة والاستقرار ما يجعل الشراكة الاقتصادية فعالة، بالإضافة إلى التعويل على التحول نحو التصدير أو التحول إلى منصة إفريقية لصناعة السيارات والتنويع في نسيجها الاقتصادي.
ويتوقع مشروع قانون المالية الجزائري العام 2024، الذي عرضه وزير المالية لعزيز فايد، على لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، نموًا اقتصاديًا بنحو 4.2 بالمئة في العام 2024، مع انتعاش بنحو 1 بالمئة في قطاع المحروقات.
وأظهر المشروع، أن النمو الاقتصادي سينتقل إلى 3.9 بالمئة عام 2025، و4 بالمئة في 2026، مدفوعًا بأداء جميع القطاعات، فيما ينتظر أن ينتعش قطاع المحروقات بفضل صادرات الغاز الطبيعي، والغاز الطبيعي المسال، وغاز البترول المسال.