ثبّت الذكاء الاصطناعي المتقدم وبشكل متسارع وطأة قدمه في عالم إنتاج النفط، لتتحوّل هذه التكنولوجيا إلى مكوّن أساسي يفرض وجوده في هذه الصناعة، إذ يرى منتجو النفط والغاز في العالم، أن تكامل أعمالهم مع الذكاء الاصطناعي، يسمح لهم بجني القيمة الحقيقية التي توّلدها صناعة النفط والغاز.

وتملك الأدوات التي توفرها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في صناعة النفط والغاز، القدرة على تحسين كفاءة التنقيب والإنتاج والتوزيع، والتخزين والتكرير وتحليل البيانات، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف وتسريع عمليات الإنتاج واستخراج المزيد من النفط من الأرض، كما أن استخدام أدوات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عالم النفط، يسهم في جني العديد من الفوائد، لناحية تحسين الاستدامة وتقليل الأضرار البيئية.

الذكاء الاصطناعي يتمدد في صناعة النفط

وبحسب تقرير لبلومبرغ، فإن صناعة النفط، أحالت منذ فترة طويلة أدوات الذكاء الاصطناعي إلى المهام المكتبية، أو المهام الخلفية مثل تقييم المسوحات الزلزالية، في حين أبقت على عمليات الحفر والتكسير الهيدروليكي في أيدي البشر، ولكن هذا الواقع تبدّل الآن، إذ باتت الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لإدارة عمليات الحفر عن بعد، واقتراح طرق أفضل للتكسير الهيدروليكي، والتنبؤ بموعد فشل مضخات الآبار النشطة.

أخبار ذات صلة

أرامكو تعزز وحدة البيانات والذكاء الاصطناعي لرفع الأرباح
تطبيق الذكاء الاصطناعي في "أدنوك" يحقق قيمة تجارية ضخمة

ووفقاً لبيانات شركة "Kimberlite International Oilfield Research" وهي شركة دولية متخصصة في أبحاث واستشارات سوق النفط والغاز، فإنه على مدى السنوات الخمس الماضية، قلل المقاولون يوماً واحداً من الأسبوعين اللازمين لحفر بئر، وثلاثة أيام من متوسط 11 يوماً للتكسير الهيدروليكي، كما تمكنوا من حفر آبار أفقية يصل طولها إلى 3 أميال، حيث فعلوا ذلك باستخدام مزيج من التكنولوجيات والتقنيات الجديدة، والآن يَعدُ الذكاء الاصطناعي المتطور بتحقيق مكاسب أكبر، من تلك التي تحققت في السنوات الخمس الماضية.

سرعة وإنتاجية ووفورات في التكاليف

وقد بدأت شركة "Nabors Industries" الأميركية للتنقيب عن النفط والغاز فعلياً باستخدام روبوتات لتولي مسؤولية تشغيل منصة حفر في حقل نفط في داكوتا الشمالية، مما أدى إلى كف يد المشغل البشري، حيث ساهمت هذه الروبوتات بزيادة سرعة العمل بنسبة 30 بالمئة على الأقل.

ويقول سوبود ساكسينا وهو نائب الرئيس الأول في شركة Nabors في حديث لبلومبرغ، إن البئر الصخرية، تحصل على معدل استرداد يبلغ 8 بالمئة، لافتاً إلى أنه إذا كان من الممكن رفع هذا المعدل بمساعدة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن حجم المردود لصناعة النفط سيكون هائلاً، في حين توقع جيمس ويست المحلل لدى شركة Evercore ISI للأبحاث، أن تبدأ شركات النفط الترويج لتوفير التكاليف من خلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الأرباع المالية القليلة المقبلة، مشيراً إلى أن استخدام هذه التكنولوجيا في صناعة النفط والغاز، ستنتج عنه هناك وفورات كبيرة في التكاليف، بنسبة تتراوح بين 25 بالمئة و50 بالمئة وذلك في سيناريوهات معينة.

أخبار ذات صلة

"أدنوك" ترفع الاستثمار في خفض الانبعاثات إلى 23 مليار دولار
شركة "AIQ" تتعاون مع "AWS" لإطلاق برنامج لتحليل الآبار

ولا يتم استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، في المساعدة على استخراج النفط من التكوينات الصخرية فقط، بل أيضاً من حقول النفط البحرية، حيث أعلنت SLB وهي أكبر شركة في العالم في مجال خدمات حقول النفط، في يناير 2024، أنها قامت وبمساعدة هذه التكنولوجيا، بحفر أجزاء من خمس آبار قبالة سواحل البرازيل، مما أدى إلى تسريع وقت الحفر بنسبة 60 بالمئة.

وقال جيسوس لاماس، رئيس وحدة بناء الآبار في شركة SLB لبلومبرغ، إنه خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، سيتم التحكم في 15 بالمئة من جميع الآبار، بشكل مستقل بواسطة الذكاء الاصطناعي، لافتاً إلى أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تكون أساسية، لخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لكل برميل نفط.

المحافظة على تدفق الآبار الحالية

ويكشف تقرير بلومبرغ، أن الذكاء الاصطناعي يساعد أيضاً في الحفاظ على تدفق الآبار الحالية للنفط، حيث تم مؤخراً إطلاق RoboWell، وهو مشروع للذكاء الاصطناعي من Halliburton وAIQ، يهدف لمساعدة شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، في الحفاظ على ضخ آبار الغاز من خلال التعديلات الذاتية المستقلة.

بدورها تعتبر ليزا هيلبر، وهي جيولوجية في شركة هيلكورب للطاقة، إحدى أكبر شركات إنتاج النفط والغاز الخاصة في الولايات المتحدة، أنها تستطيع منع ما يقرب من نصف مليار قدم مكعب من إنتاج الغاز وبشكل فوري، من الخروج عن خط الإنتاج، باستخدام التعلم الآلي للتنبؤ بأعطال المعدات، بخلاف ذلك، قد يستغرق الأمر حوالي أسبوع، حتى يتجول العامل في شاحنة لفحص جميع الآبار، بحثًا عن تلك التي توقفت عن الضخ.

أما شركة ShearFRAC الناشئة، التي تساعد منتجي النفط على تحسين الإنتاجية، فتستخدم الذكاء الاصطناعي لتكسير الآبار بشكل أكثر كفاءة، حيث تقوم أدواتها بتقديم اقتراحات لطواقم التكسير الهيدروليكي الموجودين في الميدان، ليقرر هؤلاء وبعد اطلاعهم على الاقتراحات، ما إذا كانوا سينفذون عملية التكسير أم لا.

خطورة الذكاء الاصطناعي في عالم النفط

ويقول الخبير في شؤون النفط والطاقة حمزة الجواهري، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الذكاء الاصطناعي سيشكل عاملاً تغييرياً في صناعة النفط والغاز، وسيقلل من تدخل الإنسان بشكل مباشر، فأنظمة الذكاء الاصطناعي أسرع من البشر، وذات مهارة ودقة أكبر، خصوصاً في الأماكن التي لا يمكن للإنسان الوصول إليها، حيث تقوم التكنولوجيا بتزويد الإنسان بالمعطيات المطلوبة، ليتم إتخاذ القرار بناءً على هذه المعلومات.

ولكن ورغم الإمكانيات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، فقد حذّر الجواهري من أن ترك القرار في صناعة خطيرة جداً مثل صناعة النفط والغاز للذكاء الاصطناعي، هو أمر لا يمكن القبول به، داعياً إلى التفكير مرتين قبل السماح بهذا الأمر، فأي استنتاج يتوصل إليه الذكاء الاصطناعي، ويحوله إلى قرار بعيداً عن نظر وسلطة البشر، يمكن أن يسبب مشكلة كبيرة، كونه قد يكون قراراً خاطئاً، فصحيح أن هذه التكنولوجيا يمكن أن يكون لها دور كبير، في تطوير العمل النفطي في مجالات غير خطيرة مثل الحفر الأفقي، إلا أن تركها تتخذ القرارات، أمرٌ غير مقبول، ويحتاج لمزيد من الوقت، حتى تتطور هذه التكنولوجيا، وحتى ذلك الوقت، يجب أن يبقى هذا الأمر منوطاً بالإنسان فقط.

أخبار ذات صلة

السيارات الكهربائية.. تهديد صيني جديد للولايات المتحدة!
أديبك 2023 يقدم خارطة شاملة لمستقبل صناعة الطاقة

هل يؤثر الذكاء الاصطناعي في تراجع أسعار النفط؟

وعن إمكانية أن تتعارض عملية تسريع الإنتاج، واستخراج المزيد من النفط بفضل الذكاء الاصطناعي، ووسط جهود الدول المنتجة للنفط للإبقاء على الأسعار، عند مستوى معين وعدم تراجعها، يقول الجواهري إن تحديد أسعار النفط، سيبقى مرتبطاً باتفاقات سياسية غير ظاهرة، يتم نسجها بشكل غير مرئي لعامة الناس، فحتى لو تمكنت أدوات الذكاء الاصطناعي من رفع مستوى وكمية النفط المنتجة، فإن تحديد السعر سيبقى مرتبطاً بالسياسة، حيث أن القرار السياسي ليس له علاقة بآليات السوق، ولذلك لا يمكن الربط بين مساهمة الذكاء الاصطناعي في رفع كمية النفط المستخرجة، وبين احتمال تراجع أسعار النفط، مشيراً إلى أن أسعار النفط في الوقت الراهن تتراوح بين 80 و85 دولاراً، وهذه الأسعار هي نتيجة قرار سياسي بين الدول الكبرى، وهو ما سيبقى سارياً في الفترة المقبلة.

استخراج المزيد من النفط

من جهته، يقول الخبير في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي جو زغبي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صناعة النفط ستبدأ قريباً بجني الفوائد، الناتجة عن الحلول التي توفرها أدوات الذكاء الاصطناعي مثل خفض تكاليف الحفر وتسريع العمليات وزيادة الكفاءة، لتبقى النقطة الأهم في هذا المجال، هي قدرة هذه الأدوات على المساعدة على استخراج المزيد من النفط من الأرض، مشيراً إلى أن معدلات الاسترداد من المكامن النفطية، تتراوح عادة بين 5 و20 بالمئة، ما يعني أنه يتم استخراج نسبة صغيرة فقط من النفط والغاز الموجود في المكمن، وذلك ناتج عن عوامل عدة، حيث إنه إذا تمكن التطور المستمر في عالم الذكاء الاصطناعي، من التوصل إلى حلول تساعد في رفع هذه النسبة، فإننا نكون بالتالي أمام إنجاز عظيم، لناحية رفع كمية النفط المستخرجة من الأرض، ووفرة أكبر في المعروض.

كيف يتم تخفيض الكلفة؟

ويشرح زغبي أنه حالياً يمكن لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مساعدة المنتجين على خفض تكلفة إنتاج برميل النفط، وزيادة الكفاءة، وخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، فمنتجو النفط يلجؤون إلى الذكاء الاصطناعي، لمساعدتهم في التنبؤ بحدوث عطل وشيك في المضخات، ما يساعد تلك الشركات على زيادة إنتاجية المضخات وكفاءتها، وبالتالي تقليل تكاليف التشغيل في نهاية المطاف، لافتاً إلى أن الكاميرات فائقة الدقة، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكنها تصوير أدق التفاصيل في خطوط الأنابيب، في حين أن الروبوتات الذكية يمكنها إجراء عمليات تفتيش، وصيانة منتظمة في منشآت النفط والوصول إلى مناطق، يستحيل على العمال البشريين الوصول إليها.

أخبار ذات صلة

الذكاء الاصطناعي وخفض الانبعاثات.. استراتيجات وابتكارات مهمة

 الخاسرون المحتملون

وأكد زغبي أن الذكاء الاصطناعي يعتبر محوراً رئيسياً في تقدم العمل، وتحسين الإنتاجية وتحسين سلامة الموظفين في القطاع النفطي، فالثنائية التي ستنبثق عن دمج أدوات الذكاء الاصطناعي بصناعة النفط، ستنتج عنها إمكانات "لا تصدق"، لناحية الوعود بعمليات حفر أسرع لحقول النفط، في حين أن الخاسرين المحتملين، من ركوب صناعة النفط لموجة الذكاء الاصطناعي، هم الموظفون الذين قد يخسرون وظائفهم لصالح الآلة، رغم أنه حالياً من السابق لأوانه، معرفة التأثير المحتمل لهذه التكنولوجيا على العمالة في عالم النفط.

أدنوك ومركز الذكاء الصناعي