بعد مرور 13 عامًا على اندلاع الحرب في سوريا، لا يزال الاقتصاد هناك يعاني تحت وطأة تحديات هائلة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع المستمر وتداعياته الممتدة.
شهد الاقتصاد السوري –طيلة تلك السنوات- تدهورًا شديدًا وانخفاضًا مدمرًا في مختلف القطاعات، ما أثر بشكل كبير على حياة المواطنين واستقرار البلاد بشكل عام.
في الأعوام الأخيرة بشكل خاص –في ظل ما يواجهه الاقتصاد العالمي من ضغوطات- تفاقمت المعاناة السورية، مع تأثر جميع القطاعات الاقتصادية بشكل كبير، والتراجع الحاد في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة وغيرها من المؤشرات.
أحد أبرز الآثار السلبية للحرب هو النزوح الكبير للسكان وتفكك البنية الاقتصادية. علاوة على أن ملايين السوريين فروا من منازلهم بحثًا عن الأمان، مما أدى إلى نقص حاد في اليد العاملة وتدمير البنى التحتية والمؤسسات الاقتصادية.
وتشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى نحو 6.5 مليون لاجئ سوري في 130 دولة.
هذا التفكك الاقتصادي أدى إلى اضطرابات في إمدادات السلع الأساسية وتدهور في مستوى المعيشة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تزيد من تعقيدات الوضع الاقتصادي، ضمن مجموعة واسعة من العوامل المعقدة التي عمقت أزمة اقتصاد بلد يرزح تحت وطأة المعاناة منذ أكثر من عقد.
- انعكست تداعيات الأزمة الاقتصادية السورية على تدهور عديد من المؤشرات الاقتصادية.
- تحول نحو أكثر من 90 بالمئة من السوريين "تحت خط الفقر"، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.
- تراجع حاد في قيمة الليرة السورية وتفاقم معدلات التضخم.
- العملة السورية سجلت تراجعاً بأكثر من 99 بالمئة من قيمتها منذ اندلاع الحرب، بعدما كان التداول يجرى بواقع 47 ليرة للدولار، الأمر الذي تسبب بجانب التضخم في ارتفاع حاد في مستويات الأسعار.
- وجرى التداول في السوق الموازية بواقع نحو 14,500 ليرة للدولار، وفق مواقع رصد غير رسمية، في حين أن سعر الصرف الرسمي محدد بـ12,500 ليرة للدولار.
تداعيات الأزمات الاقتصادية
وصف الكاتب والمحلل السوري، شريف شحادة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" الوضع الاقتصادي لدولة سوريا بـ"السيء"، خاصة خلال الأعوام الماضية، في ضوء تدهور عديد من المؤشرات الاقتصادية، ومع تواصل انخفاض قيمة الليرة السورية، وارتفاع معدلات البطالة بالإضافة إلى تفاقم معدلات التضخم.
أضافت الأعوام الماضية منذ 2020 ضغوطات أوسع على الاقتصاد السوري، لا سيما مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية حول العالم جراء صدمة جائحة كورونا ومن بعدها الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الممتدة على الاقتصاد العالمي.
وأضاف شحادة:
- تدهور تلك المؤشرات الاقتصادية تسبب في قفزة كبيرة على صعيد مستويات الأسعار، وبالتالي تهاوت القوة الشرائية بشكل أكبر، وهو ما انعكس سريعًا على وضع الدولة الاقتصادي بصورة أكثر سلبية.
- الاقتصاد السوري يواجه عقبات واسعة، لا سيما وأن هناك قسماً من الأراضي السورية محتلاً، ومع استمرار الحرب.
- هذه الأوضاع الناتجة عن الحرب تقلص بدورها من فرص تدفق أي استثمارات خاصة، لا سيما وأن الاستثمارات بحاجة إلى بيئة جيدة ومناخ مناسب.
- مؤشرات سلبية للاقتصاد السوري، وبما لا يدعو للتفاؤل حتى الآن، في ضوء الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما ينعكس على المنظومة الاقتصادية.
الانكماش مستمر
يقول البنك الدولي، إن النمو الاقتصادي في البلاد مرشح إلى "مزيد من الانكماش حال تباطؤ أعمال إعادة الإعمار".
ووفق تقديرات البنك فإن ذلك الانكماش الإضافي يعود في الأساس إلى تدمير رأس المال المادّي وتعطّل النشاط التجاري، وذلك في خط متوازٍ مع "محدودية الموارد العامّة، وضعف الاستثمارات الخاصّة، وقلّة المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المناطق المتضرّرة".
وضع اقتصادي قاسٍ
بدوره، أشار المحلل والناشط السوري، محمود مرعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن الوضع الاقتصادي في سوريا عقب 13 عامًا من الحرب سيئاً بدرجة كبيرة، إذ انخفضت القيمة الشرائية للعملة المحلية، عقب تراجعها من 50 ليرة سورية مقابل الدولار في العام 2010 إلى أكثر من 14 ألف ليرة سورية.
وأضاف:
- نشهد انهيار العملة السورية بشكل قوي.
- كانت الرواتب والأجور بالكاد تكفي معيشة المواطنين، بينما حاليًا لا تكفي أكثر من أسبوع، وهو ما يدفع الكثير إلى البحث عن وسائل معيشية أخرى.
- ارتفاع الأسعار أيضًا من مظاهر انهيار الوضع الاقتصادي، لاسيما في ما يتعلق بأسعار مواد البناء وسعر طن الحديد وأجور الأيدي العاملة بالاضافة إلى أسعار المواد الغذائية.
- الحرب أثرت على مفاصل الاقتصاد السوري تأثيرًا بالغ الشدة، ودفعت السوريين إلى الهجرة خارج البلد، نتيجة ذلك الوضع الاقتصادي القاسي.
وأوضح أن عدم دخول موارد الدولة لخزينة سوريا، من عائدات النفط وغيرها من الموارد يؤثر تأثيرًا بالغًا على الاقتصاد السوري (..)، مؤكداً أن الحل يتمثل في الوصول إلى إتفاق والتفاهم مع القوى الدولية والإقليمية إلى عقد مؤتمر حواري سوري للخروج من هذه الأزمة وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي للوصول إلى حل سياسي وحكومة وحدة وطنية تشاركية من السلطة والمعارضة كي نصل إلى الحل السياسي والخروج من هذه الأزمة، ومن ثم بدء ضخ استثمارات من دول عربية وغيرها لإعادة الاعمار، خاصة وأن ثلث دولة سوريا مدمر وبحاجة إلى إعمار وعودة المهاجرين وبناء المرافق الأساسية.
تفاقم المعاناة الإنسانية
تفاقمت المعاناة الإنسانية في سوريا بشكل مدمر بعد مرور 13 عامًا من الحرب المستمرة. بينما ملايين السوريين يعانون من نقص حاد في الإمدادات الأساسية مثل المأكل والمشرب والدواء، وتدهور مستويات المعيشة بشكل كبير.
كذلك النزوح الكبير للسكان أدى إلى زحف الفقر والتشرد في جميع أنحاء البلاد، مع تفكك الأسر وانعدام الأمان الذي يجبر الناس على البقاء في ظروف قاسية ومحتملة للخطر.
تزيد الظروف الاقتصادية الصعبة وتيرة المعاناة الإنسانية، حيث يجد الكثيرون صعوبة في توفير سبل العيش الكريمة لأنفسهم وأسرهم.
في ظل هذه الظروف المعقدة، تفاقمت المعاناة الإنسانية بشكل لا يمكن إهماله، مما يجعل الحاجة إلى الإغاثة الإنسانية العاجلة والدعم الدولي أمرًا حيويًا لمساعدة الشعب السوري على التغلب على تحدياتهم اليومية والبدء في مسار نحو الشفاء والتعافي.
وفي السياق، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان له قبيل أيام، إن:
- عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في سوريا وصل إلى أعلى مستوياته منذ اندلاع الحرب.
- يحتاج 3 من كل 4 أشخاص للإغاثة، ويعاني أكثر من نصف السكان من الجوع. وتكافح مجتمعات بأسرها من أجل البقاء.
- يحدث ذلك في وقت انخفض فيه تمويل الجهود الإنسانية إلى أقل مستوياته على الإطلاق.
- ما يقرب من نصف سكان فترة ما قبل الحرب في سوريا، ما زالوا نازحين داخل أو خارج سوريا.
وشدد على ضرورة فعل كل ما يلزم للتوصل إلى حل سياسي حقيقي وذي مصداقية يلبي تطلعات الشعب السوري ويستعيد سيادة ووحدة واستقلال سوريا وسلامة أراضيها بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (الصادر عام 2015)، ويخلق الظروف الضرورية للعودة الطوعية للاجئين بأمان وكرامة.