تكشف النظرة المستقبلية الإيجابية التي حددتها وكالة "فيتش" في تصنيفها الأخير لتركيا، الفرص التي ينتظرها الاقتصاد التركي في المرحلة المقبلة، رغم تفاقم الضغوطات على نطاق واسع.

وكانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أعلنت مساء الجمعة الماضي، رفع تصنيف تركيا من "B" إلى "+B" وعدلت نظرتها المستقبلية من "مستقر" إلى "إيجابي"

الوكالة أوضحت في بيانها، أن رفع التصنيف الائتماني للديون طويلة الأجل لتركيا يأتي على خلفية التغيير الذي جرى في السياسة الاقتصادية منذ يونيو 2023.

أخبار ذات صلة

2024 عام تحول البنوك المركزية.. من يخفض الفائدة أولاً؟
شيمشك: ملتزمون في تركيا بتشديد السياسة النقدية لكبح التضخم

فيما تعكس البيانات الرسمية للتضخم في تركيا، استفحال الضغوطات التضخمية بشكل واسع، وذلك بعد تسجيل نسبة 67.1 بالمئة على أساس سنوي في فبراير الماضي، في مقابل 64.9 بالمئة في يناير.

كما أن خبراء الاقتصاد المستقلين في مجموعة أبحاث التضخم يطعنون بصحة هذه الأرقام الرسمية رغم أنها مرتفعة، ويفيدون بأن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بلغ 122 بالمئة على أساس سنوي.

  • بمعدل شهري، وصل ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الذي يغذيه التراجع شبه المتواصل في سعر صرف الليرة التركية، إلى 4.5 بالمئة.
  • شمل ارتفاع الأسعار خصوصا المنتجات الغذائية (+71,1 بالمئة)، والنقل (+78 بالمئة)، والصحة (+81,25 بالمئة)، والتعليم (+91,8 بالمئة)، وكذلك الفنادق والمطاعم (+94,8 بالمئة)، وفقًا لتقرير معهد الإحصاء التركي.

أخبار ذات صلة

لأول مرة منذ 12 عاما.. لماذا رفعت "فيتش" تصنيف تركيا؟
فيتش ترفع تصنيف تركيا إلى ‭B+‬ بعد تشديد السياسة النقدية

مستهدفات حكومية

وتتبنى الحكومة التركية مستهدفات طموحة لخفض التضخم خلال عام. ووفقًا لتصريحات سابقة أدلى بها وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك، في مقابلة مع إحدى القنوات المحلية، فإن التضخم السنوي سيظل مرتفعا في الأشهر المقبلة بسبب تأثيرات سنة الأساس وعدم ظهور تأثير السياسة النقدية، لكنه سينخفض خلال الاثني عشر شهرا التالية.

وأبان أن البرنامج الاقتصادي للحكومة يعمل بشكل أفضل من المتوقع في بعض القطاعات، إذ يظهر اتجاه الربع الأول أن صافي الصادرات سينعكس بشكل إيجابي على النمو وسينخفض عجز ميزان المعاملات الجارية إلى ما بين 30-35 مليار دولار خلال الفترة فبراير -مارس.

واعتمدت الحكومة برنامجًا تدريجيًا للاقتصاد، يعطي الأولوية لمعالجة التضخم والموازنة وتحقيق استدامة عجز الحساب الجاري.

تداعيات ارتفاع معدلات التضخم

في هذا الصدد، قال المحلل التركي عضو حزب العدالة والتنمية، يوسف كاتب أوغلو، في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أرقام معدلات التضخم التي أُعلن عنها تشير إلى ارتفاع طفيف في التضخم، لكنه ارتفاع مؤقت ولحظي، موضحاً أنه يعتبر نوعًا من الثبوت في مستوى التضخم منذ نهاية العام المنصرم مرورًا بالشهر الماضي.

وتوقع استمرار معدلات التضخم عند مستوى 60 بالمئة حتى منتصف العام الجاري، مستدلًا على ذلك بإعلان وزير الخزانة والاقتصاد التركي "أنه تم إيقاف النزيف وثبات التضخم، والهدف هو إنزال التضخم إلى مرتبة الآحاد".

كما أكد أن ما يسعى إليه وزير الاقتصاد لن يتم بشكل سريع، فربما يحدث نهاية عام 2025 ليكون هناك انخفاضًا واضحًا بالتضخم.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، أن سياسات "مكافحة التضخم ستبدأ نتائجها في الظهور فعليا في نهاية العام".

أخبار ذات صلة

تركيا.. التضخم السنوي يتجاوز حاجز الـ 67% في فبراير
انخفاض صادرات تركيا إلى روسيا 34 بالمئة في فبراير

أسعار الطاقة

وأرجع أوغلو السبب وراء تراجع الاقتصاد التركي وارتفاع معدلات التضخم إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل خاص، لا سيما وأن تركيا تعتمد على استيراد 90 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة اللازمة، وبالتالي هناك زيادة في الطلب على العملة الأجنبية وارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة التركية، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي معدلات التضخم، لافتًا إلى أن هذا الوضع لا يقتصر فقط على تركيا لكن تعاني منه كل الدول التي تستورد الطاقة من الخارج مثل أوروبا والكثير من الدول المستوردة للطاقة.

  • عانت الليرة من انخفاض مستمر منذ عام 2018، وفقدت أكثر من 80 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار خلال السنوات الخمس الماضية.
  • فقدت العملة التركية نحو 37 بالمئة من قيمتها العام الماضي وستة بالمئة منذ بداية العام.

وأكد أن هناك خطوات كبيرة لمحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وهو ما يحتاج إلى وقت لحين تحقيقه، وحتى ذلك الوقت سيكون هناك كثير من التحديات، مع معدلات التضخم وارتفاع بالأسعار وانخفاض قيمة الليرة التركية، مشددًا على أن هذا الوضع مؤقتًا، مرجعًا ذلك للأسباب التالية:

  • تركيا تخطط خلال العامين المقبلين إلى أن يكون لديها اكتفاء ذاتي من الطاقة، خاصة بعد بدء عدة مشاريع في الطاقة البديلة على رأسها مفاعل أكويو النووي في مرسين التركية، الذي من المنتظر أن يبدأ هذا العام تشغيل المرحلة الأولى منه ليوفر 10 بالمئة من الاحتياج التركي من الطاقة.
  • توفر احتياطي من الغاز الطبيعي في حقول البحر الأسود، والذي سيبدأ ضخه في منتصف هذا العام في معظم تركيا.
  • إضافة إلى آبار البترول المكتشفة في جنوب شرق تركيا، والتي من المتوقع أن توفر 20 بالمئة من احتياجات البلاد.

وشدد عضو حزب العدالة والتنمية، أن تراجع قيمة العملة التركية من بين انعكاسات زيادة التضخم، والتي لابد من دعمها من خلال تحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأيضا دعم روافد العملة الأجنبية على رأسها السياحة وضخ الصادرات التركية بقوة إلى العالم الخارجي، لتعزيز الاقتصاد التركي والاحتياطي النقدي، وبالتالي يكون هناك ثبات بالأسعار والتحكم بأسعار الطاقة التي تعتبر المؤثر الأساسي في موضوع التضخم في تركيا.

وصدرت تركيا ما قيمته 255.81 مليار دولار العام الماضي، بزيادة 0.6 بالمئة على أساس سنوي.

وفي يونيو الماضي، أظهر الرئيس التركي رغبته في زيادة قيمة الصادرات إلى 265 مليار دولار بنهاية 2023، رغم المشهد الاقتصادي العالمي السلبي.

خبير اقتصادي: رفع الفائدة في تركيا لم يحقق النتائج المرجوة

مسارات محتملة لمستويات التضخم

وبشأن الأهداف المرجوة والمسارات المحتملة لمستوى التضخم في العامين المقبلين، توقع المحلل التركي أن تعاود مستويات التضخم إلى الانخفاض والانحسار مع النصف الثاني من العام الجاري، وأن هذا ما يخطط له البنك المركزي وما يخطط له الاقتصاديون في تركيا، مؤكدًا أن التضخم لن يستمر في هذا الارتفاع فكان قد وصل إلى الثمانينات ونزل إلى الستينات، ومن المتوقع أن يبدأ بالانحدار إلى مستوى 40 بالمئة مع نهاية هذا العام، وخلال النصف الأول من العام المقبل قد يصل إلى أقل من 20 بالمئة، بينما في نهاية العام نفسه من المتوقع أن يصل إلى 9 بالمئة.

ورفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة ثماني مرات متتالية منذ مايو 2023، وكان رفع الفائدة الأخير، في 25 يناير الماضي بمقدار 250 نقطة أساس ليصل المعدل إلى 45 بالمئة.

تفاؤل

ومع هذه المعطيات، فإن ثمة تفاؤل بشأن مستقبل الاقتصاد التركي، وهو التفاؤل الذي عكسه تصنيف "فيتش" الأخير، وقد اعتبر وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشك، أن:

  • سياسات تركيا"القائمة على القواعد والقابلة للتنبؤ والمتوافقة مع المعايير الدولية" كانت سبباً في هذا التصنيف.
  • الوزير قال عبر موقع "إكس" يوم السبت الماضي، إن النتائج الملموسة للبرنامج الاقتصادي المطبق تنعكس أيضا على التصنيف الائتماني لتركيا.
  • وكالة التصنيف الائتماني الدولية "فيتش" لم تبق غير مبالية بهذا النجاح ورفعت تصنيف تركيا درجة مع تغيير نظرتها إلى إيجابية.

أخبار ذات صلة

تركيا.. عدد السياح الأجانب يتجاوز مليونين في يناير
نمو الاقتصاد التركي 4.5% في 2023 متجاوزا التوقعات

عوامل يتحدد عليها مستوى التضخم

فيما أوضح الباحث المتخصص في الشؤون التركية، كرم سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن مسألة التضخم وتراجع مؤشرات الاقتصاد في تركيا مرتبطة بمجموعة من الأبعاد، من بينها:

  • ارتباك السياسات النقدية: فبالرغم من وجود فريق اقتصادي جديد بعد انتخابات مايو 2023 لكن يبدو أن هناك ارتباكاً وعدم انسجام بين هذا الفريق، والدليل على ذلك استقالة محافظة البنك المركزي حفيظة غاية إركان وتعيين نائبها فاتح كاراهان.
  • تراجع الاستثمارات: إن استمرار بعض القضايا الخلافية بين تركيا وبعض القوى الدولية يلقي بظلاله على الاقتصاد التركي

وأكد الباحث المتخصص في الشؤون التركية أن تراجع المؤشرات الاقتصادية أثر على مستويات المعيشة لدى المواطنين الأتراك، لافتًا إلى أن هناك محاولات لكبح جماح هذا المستوى من التضخم، لكن الاقتصاد التركي أمام مسارين:

  • إما أن تنجح الحكومة في حل هذه المعضلة خاصة مع اقتراب الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها قبل نهاية هذا الشهر، وهناك رهان على ضرورة استعادة البلديات الكبيرة التي فقدها حزب العدالة والتنمية، فلربما نشهد في الفترة المقبلة مزيدًا من الإجراءات من قبل الحكومة لضبط معدلات التضخم قبل جولة الاقتراع بنهاية مارس.
  • استمرار معدلات التضخم على مستواها الراهن، وربما زيادتها خاصة في ظل التراجع الحاد في سعر الصرف لليرة التركية وانخفاض مستوى الاستثمارات، واستمرار حالة الاستقطاب السياسي في الداخل التركي، بالإضافة إلى استمرار بعض التوترات مع القوى الغربية ومنها على سبيل المثال رفض تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي والتي تمثل أولوية اقتصادية كبيرة لتركيا.

أخبار ذات صلة

لأول مرة.. الناتج المحلي التركي يسجل 1.1 تريليون دولار
تركيا تثبت الفائدة للمرة الأولى منذ مايو 2023

وأوضح أن مستويات التضخم في تركيا ترتبط بمجموعة من الأسباب، ومنها الإجراءات الاقتصادية غير التقليدية التي تبناها الرئيس أردوغان في وقت من الأوقات، والتي ترتبط بانخفاض معدل الفائدة قبل التراجع عنها، مشيرًا إلى أن هذه السياسة لم تجن ثمارها بل بالعكس حملت تأثيرات سلبية على الاقتصاد التركي، والتي تم العودة عنها مع تشكيل فريق اقتصادي جديد.

من بين العوامل أيضاً استمرار حالة الاستقطاب السياسي في الداخل التركي علاوة على الكلفة الاقتصادية التي تحملتها تركيا جراء الانخراط في الصراعات الإقليمية خاصة في سوريا وليبيا، فالتحركات العسكرية لها كلفة اقتصادية كبيرة أثرت بشكل واضح على أوضاع الاقتصاد في تركيا.

النمو الاقتصادي

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد تطرق في تصريحات له خلال تجمع انتخابي بولاية أيدن غربي البلاد، إلى إعلان هيئة الإحصاء التركية، أرقام النمو لعام 2023، وقال:

  • إن الناتج المحلي الإجمالي لتركيا سجل للمرة الأولى تريليونا و119 مليار دولار.
  • الاقتصاد التركي حقق نجاحا مهما جدا العام الماضي بنموه 4.5 بالمئة رغم الزلزال والسلبيات الأخرى.
  • الاقتصاد التركي نجح في النمو 14 ربعا متتاليا، وبهذا المعدل، أصبحت الدولة الأسرع نموا بين دول الاتحاد الأوروبي.

ووفق هيئة الإحصاء التركية ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية 75 بالمئة في 2023 مقارنة بالعام الذي قبله.

وكان صندوق النقد الدولي توقع وصول النمو في تركيا إلى 4.0 بالمئة هذا في 2023،  و3.25 بالمئة العام الجاري، فضلا عن انخفاض التضخم إلى 46 بالمئة في نهاية 2024.