لا تزال مخاوف كبار الاقتصاديين قائمة رغم وصول الأسهم العالمية إلى مستويات قياسية، ملقون اللوم في المقام الأول على الضغوط التضخمية التى تشكل هاجسًا لهم من حدوث حالة من الصدمة المفاجئة للأسواق.
• أدى الارتفاع الواسع في أسهم التكنولوجيا إلى دفع مؤشر ناسداك 100 إلى مستوى قياسي جديد، وساعد مؤشر S&P 500 على الإغلاق فوق مستويات 5000 للمرة الأولى على الإطلاق.
• عززت نشوة الذكاء الاصطناعي أسهم شركات التكنولوجيا إلى مستويات تاريخية، حيث تجاوزت القيمة السوقية لأسهم Nvidia قيمة 2 تريليون دولار لأول مرة على الإطلاق.
• وفي آسيا، حقق مؤشر نيكي 225 الياباني أداءً مذهلاً، حيث تجاوز مؤشر سوق الأسهم في البلاد مؤخرا مستويات الـ 40 ألف نقطة
• تخطت البيتكوين -أكبر عملة مشفرة- في العالم حاجز الـ 70 ألف دولار وهو مستوى سعر لم نشهده منذ أكثر من عامين.
• جذبت أسعار الذهب انتباه المستثمرين، حيث سجل المعدن الثمين رقمًا قياسيًا جديدًا يزيد عن 2100 دولار. وقد عززت المكاسب توقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية والمشكلات الاقتصادية في الصين، مع ارتفاع الذهب تقليديًا في أوقات الضغوط الاقتصادية.
التضخم وأسعار المستهلك
هذه الأرقام القياسية للأسواق لم تمنع بعض المستثمرين من القلق بشأن التضخم في الولايات المتحدة فلازال أكثر عناداً مما توقعه الخبراء.
- بخلاف التوقعات، سجل معدل التضخم ارتفاعا طفيفا في الولايات المتحدة خلال شهر فبراير الماضي، في ظل ارتفاع تكاليف البنزين والمعيشة، مما يشير إلى استمرار التضخم وتأثيره المحتمل على تأخير قرار متوقع من مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في شهر يونيو.
- وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في أكبر اقتصاد في العالم، إلى 3.2 بالمئة على أساس سنوي في فبراير الماضي، بعكس توقعات بأن يظل التضخم دون تغيير عن مستواه في يناير عند 3.1 بالمئة، بحسب مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل الأميركية.
أشار بول كروغمان، الحائز على جائزة نوبل، إلى الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة في مقال شاركه أخيراً على موقع "إكس"، معتمدًا على أفكار مارك زاندي، الخبير الاقتصادي لدى موديز بشأن زيادة أرقام مقياس نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي.
وقال كروغمان: "استطلاعات الشركات لا تزال تفشل في إظهار ارتفاع مفاجئ للتضخم. تبدو أرقام يناير وكأنها ومضة 'عززتها عوامل موسمية إشكالية'، كما يقول مارك زاندي".
الخبير الاقتصادي الأميركي، الذي يُلقب غالبًا بـ "دكتور دوم"، نورييل روبيني، تطرق أيضًا إلى أن إعادة انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يمكن أن تسبب مشاكل للاقتصاد العالمي ، نظرًا لأن سياساته يمكن أن تؤجج التضخم مرة أخرى وربما تؤدي إلى الركود التضخمي.
مخاطر الركود التضخمي
حذر كبير استراتيجيي السوق في JPMorgan ، ماركو كولانوفيتش ، أيضاً من مخاطر الركود التضخمي. وقال في مذكرة بحثية حديثة: "قد تستمر موجة التضخم الثانية"، مع احتمالية "تحول السيناريو بعيدًا عن التوقعات المثالية نحو شيء يشبه ركود التضخم في السبعينيات فيما يعرف باسم (سيناريو جولديلوكس)".
ويقصد بـ سيناريو جولديلوكس الاقتصادي، حيث لا يكون الوضع الاقتصادي شديد الركود ولا شديد التضخم وتكون فيه الظروف الاقتصادية ليست مشتعلة وليست هادئة للغاية، وتُعد مناسبة تمامًا.
يتميز ركود التضخم بركود اقتصادي مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع مع ارتفاع معدلات البطالة.
قال محمد العريان، كبير الاقتصاديين ومستشار شركة أليانز، في مقال رأي بصحيفة بلومبرغ، إن تركيز مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشكل مفرط على البيانات الاقتصادية قد يؤدي إلى عدم استقرار مالي.
وأوضح العريان: "لا يُفهم من كلامي أن التقلبات الاقتصادية سريعة الحدوث غير مهمة، بل على العكس تماما، يُعد تقييم الظروف الاقتصادية واستجابات السياسات المالية بناءً على هذه المدخلات أمرًا ضروريًا."
وأضاف: "إلا أن التركيز المفرط على الأرقام في اقتصاد اليوم يميل بميزان المخاطر نحو إبقاء أسعار الفائدة مُقيِّدة لفترة طويلة جدًا، مما يؤدي على نحو غير مبرر إلى زيادة احتمال انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة وعدم الاستقرار المالي."
ولطالما انتقد العريان بنك الاحتياطي الفيدرالي، وألقى باللوم عليه في سوء وصف التضخم باعتباره مشكلة مؤقتة، فضلاً عن تأخره الشديد في اتخاذ إجراءات لخفض الضغوط على أسعار المستهلكين.
وقال العريان لشبكة CNBC إنه إذا لم يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا العام، فإن "السوق على حق في القلق بشأن النمو الاقتصادي وأرباح الشركات".
أسباب المخاوف
يقول المدير التنفيذي لشركة VI Markets، أحمد معطي في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": إن هذه المخاوف والتوقعات منطقية في عرف الاقتصاد لعدة أسباب:
• الأدوات الاقتصادية التي يستخدمها كبار الاقتصاديين في قراءة الأسواق تعكس هذا الرأي.
• نموذج التشديد النقدي الذي أقدمت عليه البنوك المركزية عالميًا لم نشهده من قبل، ورغم ذلك الأسواق الأميركية ترتفع ومستمرة في الارتفاع.. رغم أنه من الطبيعي أن يحدث العكس، فالعرف جرى أنه مع رفع الفائدة يقدم المستثمر على البيع، لكن ما تشهده هذه الأسواق مخالف للتوقعات.
• ثمة مخاوف من حدوث حالة من الركود للشركات بسبب استمرار تشديد السياسة النقدية، وبالتالي تقدم هذه الشركات نتائج أعمال سلبية تؤثر على الاقتصاد العالمي.
• الأسواق المالية العالمية حاليًا تعمل بـ "نظام غير كفء" وهو أن الأسواق ترتفع بسبب الشائعات واتباع سياسة القطيع وأيضًا تقديرات غير منطقية، لذلك فمع أي هبوط متوقع للأسواق حتى ولو بنسب بسيطة ستكون النتائج كارثية.
وتوقع "معطي" أن يستمر "ناسداك" في النمو المتواصل مدعوماً بعدة عوامل:
• ارتفاعات أسهم الذكاء الاصطناعي مدعومة بنمو الشركات التكنولوجية.
• الأموال الأميركية التي طبعت منذ 2020 وحتى اللحظة لم تدخل في أسواق منتجة، وبالتالي فسوق الأسهم الوجه التي جذبت هذه السيولة الضخمة.
ووجه معطي نصائح إلى المستثمر في ظل هذه الظروف شملت أهمية امتلاك الخبرة الكافية وإدارة قوية للمخاطر، مع تنويع المحفظة الاستثمارية، موضحاً أنه حال تراجع الأسواق الأميركية من 3 إلى 5 في المئة يتعين على المستثمر أن يتخذ خطوات عملية في تصفية محفظته، في تقديره الشخصي.
تصاعد المخاوف
وإلى ذلك، حلل أول أسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، سبب هذه المخاوف إلى:
• التضخم لايزال عنيدًا في الاقتصاد على الرغم من السياسة النقدية الصارمة من الفيدرالي الأميركي.
• عدم اليقين من المستقبل لا يزال يلوح في الأفق، حيث أن إمكانية تشكيل موجة تضخم قادمة قد يكون وارد بناء على تحركات التضخم تاريخياً.
• قراءات مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي لا تزال تثير الذعر كضغوط تضخمية ممكنة.
• الانتخابات الأميركية القادمة تثير بعض القلق، فيما لو عاد دونالد ترامب إلى الحكم، ذلك قد يسبب بعض التأجج لأرقام التضخم مرة آخرى بسبب اعتماد الرئيس الأميركي السابق على معيار الفائدة المنخفض. مما يشكل هاجساً متعلقاً بمدى إمكانية عودة التضخم مرة أخرى.
• تخوف البعض من دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود التضخمي في الوقت الذي يعاني فيه من مديونية مرتفعة تُقدر بـ 1 تريليون دولار كل 100 يوم.
• هوس الفيدرالي الأميركي بالبيانات الاقتصادية لتغيير نهج السياسة النقدية أحد مصادر قلق المستثمرين في الفترة المقبلة، ذلك أن أي تقلب في البيانات الاقتصادية قد يعني ترجيح ميزان المخاطر نحو إبقاء الفائدة تشددية لفترة زمنية أطول مما تتوقعه الأسواق.
• يبقى ثاني أكبر اقتصاد في العالم مصدر داعم للمخاوف، حيث أن ما يعانيه اقتصاد الصين من أزمة العقارات والضغوط الانكماشية قد يكون مصدر عدوى للاقتصادات الآخرى. فقد يكون انتقال التأثير السلبي من الاقتصاد الصيني على بقية العالم. فالمشكلة موجودة، لكن حجم المشكلة لا يزال مبهم.
ويضيف عزام: "الفيدرالي قد يشرع بتخفيض الفائدة في عام 2024، لكن قد تتغير نبرة الفيدرالي في قادم الاجتماعات حول البقاء على السياسة التشددية لفترة زمنية طويلة. هذا بدوره قد يكون له تأثير على الحالة الاقتصادية من تقلص الإنتاج وارتفاع البطالة وضعف سوق العمل وعدم الاستقرار المالي وانخفاض النمو الاقتصادي".