فرضت الأزمات الاقتصادية المتلاحقة والتباطؤ العالمي حصارًا قويًا وقيودًا كبيرة على سلوك المواطنين وقدرتهم على الإنفاق المالي في عديد من الدول بمنطقة الشرق الأوسط، في مقدمتها سوريا التي تواجه أزمات اقتصادية حادة ومتواصلة انعكست على واقع القوى الشرائية للمواطن السوري.
ومع استمرار الأزمة الاقتصادية السورية تحت وطأة تواصل الحرب بالبلاد، والتي أثرت سلبًا على عديد من المؤشرات الاقتصادية، تتقلص فرص قدرة المواطن السوري على الإنفاق المالي خلال شهر رمضان، مع تصاعد وكثرة التحديات والصعوبات التي تثيرها الأزمة الحادة التي تزيدها التوترات الخارجية اشتعالاً.
ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة بات أكثر من 90 بالمئة من السوريين "تحت خط الفقر"، مع تراجع حاد في قيمة الليرة السورية، بسبب التداعيات السلبية للحرب خلال الأعوام السابقة، والذي أوقع أكثر من 500 ألف قتيل وشرد الملايين منذ اندلاعه في عام 2011.
وبحسب محللين، فإن الاقتصاد السوري يواجه عديداً من التحديات التي تُضعف من قدرة المواطن الشرائية مع حلول شهر رمضان، وتُزيد من عوامل الضغط المفروضة على نمط الحياة.
تلك التحديات تتمثل 3 محاور رئيسية، بما في ذلك انهيار العملة السورية بصورة كبيرة، وكذلك الارتفاع الحاد في مستويات أسعار السلع والخدمات، بالإضافة إلى تفاقم معدلات التضخم، وجميعها عوامل تقلص قدرة المواطن السوري على مواكبة السلوك الإنفاقي المتبع خلال شهر رمضان.
تراجعات الليرة
تراجعت العملة السورية أكثر من 99 بالمئة من قيمتها منذ اندلاع الحرب، بعدما كان التداول يجري بواقع 47 ليرة للدولار، الأمر الذي تسبب بجانب التضخم في ارتفاع حاد في مستويات الأسعار.
وجرى التداول في السوق الموازية بواقع نحو 14,500 ليرة للدولار، وفق مواقع رصد غير رسمية، في حين أن سعر الصرف الرسمي محدد بـ12,500 ليرة للدولار.
معطيات صعبة
بدوره يؤكد الكاتب والمحلل السوري شريف شحادة ، أن:
- العالم يواجه أزمة اقتصادية حادة كبيرة على مختلف الأصعدة.. تعاني منها الدول الصغيرة والكبيرة، وهو ما يعكس حجم الأزمة العالمية التي أصبحت معروفة لدى الجميع.
- مع اندلاع الحروب تنتشر تبعات لها ممثلة في أزمة اقتصادية.. لذلك ومن هذا المنطلق تعرضت دولة سوريا لأزمة اقتصادية حادة في ظل العمليات التي تشهدها والضيق المالي العالمي بشكل عام.
- تبعات الأزمة وتأثيرها انعكست سريعاً على المواطن السوري، في ضوء الحروب والأوضاع المالية، الأمر الذي أدى إلى مواجهة المواطن السوري موقف متأزم من الناحية الاقتصادية، وهو ما يتضح على واقع السوق السورية والقوى الشرائية للمواطن السوري التي اختلفت وبالتالي نحن أمام مشهد جديد.
ويشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن معطيات هذا المشهد تؤكد وجود أزمة اقتصادية وانخفاض في قيمة الليرة السورية، مع ارتفاع الأسعار بشكل قوي وسوء تنظيم داخلي، بالاضافة إلى معدلات التضخم العالمية والتي أصابت سوريا مثلها مثل باقي الدول، لتنعكس هذه الصورة الاقتصادية السلبية على واقع السوق الاقتصادي مع شهر رمضان.
ويتوقع أن يكون وضع سوريا صعباً في ضوء هذه المعطيات ومعدلات التضخم وانخفاض الليرة السورية وارتفاع الدولار فضلا عن ارتفاع تكلفة النقل البحري والجوي وغيرها، وبالتالي المواطن السوري سيشهد تأثرًا كبيرًا ينعكس على سلوكه الإنفاقي في رمضان، هذا بالإضافة إلى حصار أميركا على سوريا "وبالتالي نحن أمام أزمة مضاعفة، لذلك شهر رمضان لن يكون بالجيد، وليس سيئًا جدًا بدعم من قدرة السوريين على تدبير أمورهم إنقاذًا للموقف الحالي"، على حد قوله.
زيادة الأجور وسط انهيار اقتصادي
وأخيراً قرر الرئيس السوري بشار الأسد، زيادة أجور موظفي الخدمة المدنية والعسكريين ومتقاعدي القطاع العام بنسبة 50 بالمئة، وسط انهيار اقتصادي وتضخم متفلت بعد نحو 13 عاما على اندلاع الحرب.
وكانت قيمة الأجر الشهري لموظفي الخدمة المدنية قبل القرار الصادر تتراوح بين 20 و40 دولارا، اعتمادا على سعر الصرف في السوق.
ورفع مرسوم رئاسي منفصل أصدره الأسد، الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 278,910 ليرات سورية شهريا، أي نحو 19 دولارا في السوق الموازية.
وبحسب تحليلات صادرة عن أكاديميين في دمشق، بلغ معدل التضخم 156 بالمئة، وبرز بعد إعلان موازنة عام 2024 التي سجلت 35 تريليون ليرة سورية.
ارتفاع يومي للأسعار
وبدوره يشير المحامي السوري محمود مرعي، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن المواطن السوري يستقبل شهر رمضان المبارك وسط أوضاع اقتصادية صعبة جداً، إذ ترتفع الأسعار بشكل يومي على أنواع السلع كافة خاصة الغذائية.
ويضيف: ارتفاع السلع يواجه باستمرار محدودية الدخل بما لا يتناسب مع الوضع المعيشي، فضلًا عن ارتفاع أسعار الأدوية والمواصلات ومواد التدفئة.
كما يشير إلى أن تلك الأمور تسببت في معدلات تضخم كبيرة، حيث تتطلب كمية كبيرة من المال من أجل شراء متطلبات أساسية للمواطن السوري الذي لا يرى أفقاً بالنسبة للوضع الاقتصادي إلا عبر بعض التحويلات المالية التي تأتي من الخارج، وتساعده على تأمين جزء مهم من النفقات.
مزيد من الانكماش
وفقًا لتقديرات البنك الدولي، فإن النمو الاقتصادي قد يشهد "مزيداً من الانكماش إذا تباطأت أعمال إعادة الإعمار". كما ذكر أن "الانكماش الإضافي يعود في الدرجة الأولى إلى تدمير رأس المال المادّي وتعطّل النشاط التجاري، حيث أشار إلى "محدودية الموارد العامّة، وضعف الاستثمارات الخاصّة، وقلّة المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المناطق المتضرّرة".