عطلت جائحة كورونا ومن بعدها الحرب في أوكرانيا بتداعياتها شديدة الصعوبة على بلدان الاقتصادات الناشئة، جني ثمار مجموعة الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة المصرية منذ العام 2014 والتي كان يُعول عليها على نطاق واسع من أجل تحقيق طفرات واسعة بالاقتصاد المصرية، وفي ظل مجموعة المشاريع والفرص الاستثمارية التي تتيحها البلاد.
الحرب ومن قبلها الجائحة تسببتا على نطاق واسع في إضافة مزيد من التحديات أمام الاقتصاد المصري، وبما أسفر عن ضغوطات واسعة فيما يتعلق بالمالية العامة، ومع اتساع الفجوة التمويلية التي تعاني منها البلاد، في ظل شح السيولة الدولارية، وما انعكس على مختلف القطاعات وأوجه الحياة كافة في مصر.
لكنّ العام الجاري 2024 حمل نذر طفرة واسعة تعيد الاقتصاد المصري إلى الطريق الصحيح، تجسدت بشكل عملي في كم التدفقات المالية الدولارية التي وصلت الخزانة المصرية أخيراً، وكذلك الاستثمارات المنتظرة وقيد الترتيب لها.
نحو 55 مليار دولار طرقت أبواب مصر هذا العام، منها 35 مليار دولار من مشروع رأس الحكمة و9.2 مليار دولار تمويل من صندوق النقد وصندوق البيئة، ونحو 12 مليار دولار تمويل مرتقب من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
لكن لماذا وكيف دخلت الاستثمارات بهذا العام؟
- يوم الجمعة (1 مارس) تسلمت الحكومة المصرية خمسة مليارات دولار أخرى من الدفعة الأولى لصفقة الشراكة الاستثمارية مع دولة الإمارات، بشأن مشروع تطوير وتنمية مدينة "رأس الحكمة" على الساحل الشمالي الغربي لمصر. وذلك بعد خمسة مليارات أولى تم تسلمها قبلها بأيام، ليصبح الإجمالي 10 مليارات دولار في حوزة الحكومة المصرية من صفقة رأس الحكمة حتى الآن.
- صندوق النقد الدولي، وافق يوم الأربعاء الماضي، على زيادة قيمة قرض مصر إلى 8 مليارات دولار، من ثلاثة مليارات دولار، كان قد تم الاتفاق عليها في ديسمبر 2022.
- بحسب رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، فإن التوقيع على الاتفاق مع صندوق النقد، سيسمح للحكومة المصرية بالتقدم للحصول على قرض إضافي بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد الدولي، ليصبح المجموع الكلي نحو 9 مليارات دولار.
واعتبرت الحكومة المصرية أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أمس وصفقة رأس الحكمة يضمنان توفير تمويلات إضافية من شركاء آخرين كالبنك الدولي. ووفق رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، فإن "الخروج الكامل من الأزمة سيستغرق بضعة أشهر حتى يعود الاقتصاد المصري لمساره الصحيح".
مقومات المنظومة الاقتصادية
الرئيس التنفيذي لمجموعة سوليد كابيتال أفريقيا والخليج العربي، محمد رضا، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- مصر نجحت خلال المرحلة الأخيرة في دعم مقومات المنظومة الاقتصادية المتكاملة، عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات الداعمة لزيادة التدفقات الاستثمارية إليها، وتهيئة مناخ الاستثمار خلال الفترات المقبلة.
- خلال العام الجاري وما شهده من الإعلان عن أكبر صفقة استثمار مباشر (صفقة رأس الحكمة)، تواصلت خطوات مصر تجاه استكمال مراحل الإصلاح الاقتصادي القوية واستكمالها عبر الاستمرار في التفاوض مع صندوق النقد الدولي والتوصل لاتفاق.
- حزمة القرارات الأخيرة وما تضمنتها من توحيد سعر الصرف والتزام مصر بمراجعات الصندوق وتحديد الفجوة التمويلية، انعكس ذلك كله سريعاً على سرعة توقيع الاتفاق النهائي مع الصندوق ورفع قيمة القرض من صندوق النقد وصندوق الاستدامة البيئية.
وشدد على أهمية الإجراءات الأخيرة لاسيما بتحرير سعر الصرف واستهداف القضاء على السوق الموازية، مشيراً إلى أهمية ذلك الإجراء في دعم قدرة مصر المتوقعة على استقطاب مزيد من التدفقات والاستثمارات الأجنبية المباشرة من جديد، وبدعم من الآثار الإيجابية لصفقة رأس الحكمة.
- بحسب رئيس مجلس الوزراء المصري، فإن الحكومة تخطط لإبرام صفقات كبيرة لضمان السيولة وستعمل مع التجار لضبط الأسعار وتعطي الأولوية لإتاحة العملة الأجنبية لمستوردي السلع الأساسية بعد السماح لقيمة العملة بالانخفاض الحاد.
- ذكر رئيس الحكومة المصرية، الخميس، أن حكومته مطمئنة ولديها ثقة لتدبير العملة الحرة المطلوبة لدفع عجلة الاقتصاد خلال الفترة المقبلة.
ووفق بيان المركزي المصري، فإن توحيد سعر الصرف يأتى في إطار حرصه على تحقيق الدور المنوط به بحماية متطلبات التنمية المستدامة والمساهمة في القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي في أعقاب إغلاق الفجوة بين سعر صرف السوق الرسمي والموازي.
والإسراع بعملية التقييد النقدي تأتى بهدف تعجيل وصول التضخم إلى مساره النزولي وضمان انخفاض المعدلات الشهرية للتضخم، والوصول بمعدلات العائد الحقيقية على الجنيه إلى مستويات موجبة.
كما توقع الرئيس التنفيذي لمجموعة سوليد كابيتال إفريقيا والخليج العربي، أن تشهد مصر تدفقات للاستثمارات الأجنبي في سوق الأوراق المالية وأدوات الدين الحكومية كمرحلة أولى، ثم تدفقات جديدة في البورصة المصرية، عقب تحقيق المسار الهابط للتضخم والسيطرة على سعر الصرف ومن ثم العمل على خفض أسعار الفائدة من جديد.
- لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، رفعت سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.25 بالمئة، 28.25 بالمئة و27.75 بالمئة، على الترتيب.
- المركزي المصري قرر كذلك رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.75 بالمئة. وذلك في اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية.
- تم السماح لسعر صرف الجنيه بالتحرك وفقا لآليات السوق، بعد قرار المركزي المفاجئ.. واخترق الدولار حاجز الـ 50 جنيهاً في البنوك المصرية (حتى عصر الأربعاء)
ويشار إلى أن الحكومة المصرية كانت قد خفضت قيمة العملة 3 مرات منذ أوائل العام 2022.
ثمار 8 أعوام
وبدوره، استعرض مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، مصطفى أبو زيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أبرز الأسباب وراء زيادة التدفقات الاستثمارية إلى مصر العام الجاري ممثلة في الجهود المبذولة على مدار الثمانية أعوام الماضية وبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتبع من جانب الحكومة المصرية، فضلاً عن قرارات المجلس الأعلى للاستثمار والتي أسهمت بقوة في تذليل العقبات أمام المستثمرين.
وأضاف أن من ضمن الأسباب أيضاً تنوع المقومات والفرص الاستثمارية الجاذبة في الاقتصاد المصري والتي افتقدت إلى التسويق الجيد لها في فترات سابقة، فضلاً عن التأثير السلبي لعدم استقرار سعر الصرف، الأمر الذي انعكس على عدم قدرة المستثمرين الأجانب على القيام بدراسات الجدوى اللازمة قبل ضخ استثمارات في السوق المصرية.
وتوقع مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن تواصل مصر جني ثمار القرارات الإصلاحية الأخيرة والمستمرة، خلال المرحلة المقبلة، والانتهاء من توحيد سعر الصرف والذي سيكون له أثر كبير على عودة المستثمرين الأجانب من جديد للسوق، وبدعم من صفقة رأس الحكمة التي ستسهم أيضاً في اتضاح الرؤية.
وتأتي قرارات السياسة النقدية المعلنة في إطار حزمة إصلاحات اقتصادية شاملة بالتنسيق مع الحكومة المصرية وبدعم من الشركاء الثنائيين ومتعددي الأطراف، واستعداداً لتنفيذ إجراءات برنامج الإصلاح تم توفير التمويل اللازم لدعم سيولة النقد الأجنبي، بحسب المركزي المصري.
وأكد البنك المركزي على أهمية التنسيق بين السياسات المالية والنقدية للحد من أثر التداعيات الخارجية على الاقتصاد المحلي، الأمر الذي يضع الاقتصاد المصري على مسار مستدام للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وضمان استدامة الدين، والعمل على بناء الاحتياطيات الدولية.