يسعى علماء نوويّون في جنوب إفريقيا لبناء جيل جديد من المفاعلات الصغيرة لسد فجوات قطاع الكهرباء في البلاد التي تعاني انقطاعات متكرّرة للتيار، ولإنشاء قطاع تصديري في المستقبل.
صمّمت إحدى الشركات مفاعلا معياريا صغيرا مبرّدا بالغاز تقول إنه يمكن بناؤه في غضون ثلاث سنوات في موقع أقل مساحة من ملعب كرة قدم ويمكنه أن يولد طاقة كهربائية تكفي لإنارة مدينة.
وهناك مشاريع مماثلة جار تنفيذها في بلدان أخرى، في وقت يواجه العالم تحديات في تأمين الطاقة لاقتصاد مستقبلي يعتمد على الكهرباء في التنقّل والتدفئة ومراكز جمع البيانات وعلى خفض الانبعاثات الكربونية.
ويسود في أوروبا انقسام حول كيفية المضي قدما. فبعض البلدان وعلى رأسها فرنسا تراهن على الطاقة النووية، فيما تأمل أخرى على غرار ألمانيا أن تحل مصادر الطاقة المتجددة، على غرار طاقة الرياح والشمس، محل الوقود الأحفوري وأن تعوّض النقص الناجم عن العقوبات المفروضة على صادرات الغاز الطبيعي الروسي.
ستعتمد جنوب إفريقيا على الفحم لمرحلة معيّنة، لكن مع النقص الحالي في توليد الكهرباء، تراهن على برنامجها النووي الخاص.
يعتقد خبراء على غرار كيلفن كيم، عالم الفيزياء النووية والرئيس التنفيذي لشركة ستراتيك غلوبال ومقرّها في بريتوريا، أن جنوب إفريقيا قادرة على أخذ زمام المبادرة في تطوير مفاعلات الجيل الرابع.
انقطاعات متكررة
وقال كيم في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس في حديقته في ضواحي بريتوريا "أعتقد أن المستقبل ليس قاب قوسين فحسب، بل أعتقد ان المستقبل قد وصل".
وأضاف "أعتقد أنه سيكون هناك في السنوات الست المقبلة انتشار هائل للطاقة النووية في كل أنحاء العالم من كل الأحجام، بحيث سيكون هناك تغيّر هائل في الصميم في الأشهر الأربع والعشرين المقبلة. أعتقد أن جنوب إفريقيا باتت رائدة بالفعل".
الرحلة النووية المدنية لجنوب إفريقيا انطلقت في العام 1976 عندما بدأ بناء محطة كويبرغ للطاقة النووية على الساحل الجنوبي للمحيط الأطلسي شمال كيب تاون.
بدأ تشغيل المحطة قبل 40 عاما وقدرتها الإنتاجية أقل من ألفي ميغاواط، علما بأن إنتاج هذه المحطة لا يشكل سوى جزء ضئيل مما تولّده شركة إيسكوم الحكومية لتوليد الكهرباء، العرضة لكثير من الانتقادات والبالغة قدرتها الإنتاجية 27 ألف ميغاوات، تعتمد في توليدها بشكل كبير على الفحم الكثيف الانبعاثات.
لكن الطلب المحلي على الكهرباء غالبا ما يتخطى 32 ألف ميغاوات، ما يعرّض سكان البلاد لانقطاعات متكررة للتيار أو "تقنين" يصل إلى 12 ساعة في اليوم، مع ما يرتبه ذلك من عبء ثقيل على الاقتصاد في بلد يفترض أن يكون بين الأقوى في القارة.
في ديسمبر، أعلنت الحكومة أنها تعتزم وضع المجموعة الأولى من محطاتها النووية في الخدمة بحلول العام 2033، بما يعزز القدرة الإنتاجية بـ2500 ميغاواط، مع سعيها لتجديد محطة كويبرغ وإطالة عمرها الإنتاجي 20 عاما.
لكن حتى مع تزايد اعتماد المنازل والمباني على الألواح الشمسية، لا تزال البلاد تواجه شحا في الطاقة على المدى المتوسط. هنا يأتي دور مشاريع المفاعلات المعيارية الصغيرة التي يتحدّث عنها كيم وغيره من العلماء النوويّين.
المحطات الكبرى على غرار كويبرغ ذي المفاعلين العاملين بالماء المضغوط والمصممين في فرنسا، يجب أن تكون مبنية على سواحل المحيط لإتاحة ضخ 80 طنا من المياه الباردة في الثانية لتبريد مفاعلاتها.
لكن غالبية أراضي جنوب إفريقيا بعيدة من المياه، كما أن جوهانسبورغ، أكبر مراكزها التجارية، وأكبر مناجمها وصناعتها بعيدة من البحر.
كذلك الأمر بالنسبة للعاصمة بريتوريا التي تبعد من سواحل كيب تاون المطلّة على الأطلسي مسافة تعادل تلك التي بين روما ولندن.
هذا ما تأمل ستارتيك إيجاد حل له بمفاعلات الحرارة العالية المعيارية (اتش تي ام آر-100).
ويقول كيم الذي يجري محادثات مع مشغلين دوليين من فرنسا ومن جنوب إفريقيا، إن هذه المفاعلات المبرّدة بغاز الهيليوم يمكن بناؤها في مجموعات من عشرة أو ست مفاعلات (عادة) لتشغيل التوربينات البخارية.
كل من هذه المحطات يمكن أن يولّد أقل من 300 ميغاوات، أي ما يكفي لمجمع تعدين صناعي كبير أو لإنارة مدينة بحجم بريتوريا.
عملة ضعيفة
أكثر من ذلك، هذه المفاعلات سيكون من الأسهل إمدادها إذ تستهلك سنويا أقل من حمولة شاحنة من كريات وقود اليورانيوم بحجم كرات الكريكت، ويمكن تبريدها بسهولة من دون الحاجة إلى مياه البحر.
وفقا لمعايير الصناعات النووية بجداولها التطويرية الطويلة والمكلفة، ستكون هذه المفاعلات قليلة الكلفة نسبيا وسريعة التركيب، كما أن الأسعار ستنخفض بعد تشغيل أول وحدة نموذجية.
وقال كيم إن ضعف الراند (العملة الوطنية) يعني أن شركته يمكن أن تحدد بـ470 مليون دولار تكلفة المفاعل الأول، وترمي إلى خفض تكاليف البناء اللاحقة إلى 300 مليون دولار لكل منها.
وشدّد على أن أسعار شركته "متهاودة جدا وفق المعايير العالمية".