عادة ما يركز عديد من المستثمرين فقط على الانتخابات في الخريف، قبل وقت قصير من توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، ومع ذلك، يبدو هذا العام غير عادي إلى حد ما، حيث حول المستثمرون انتباههم إلى الانتخابات في وقت مبكر بسبب المخاطر السياسية العالية، وفق تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز".
وهناك شكوك واضحة وكبيرة تحيط بترشيح كل من جو بايدن ودونالد ترامب. ويواجه بايدن استجوابات مكثفة بشأن قدرته على الاستمرار في ولاية أخرى، بسبب تقرير المستشار الخاص لوزارة العدل الأميركية. ويواجه ترامب سلسلة من التحديات القانونية.
وأفاد التقرير بأن الأسواق بدأت الأخذ في الاعتبار افتراض إعادة مباراة بايدن وترامب – وهي المرة الأولى منذ العام 1892 التي يتحدى فيها شاغل المنصب المهزوم الرئيس الحالي الذي هزمه قبل أربع سنوات.
وبما أن بايدن في السلطة ومن المرجح أن يسعى إلى مواصلة مساره السياسي الحالي، فإن المنافسة يتم التفكير فيها في كثير من الأحيان من حيث ما قد يتغير إذا فاز ترامب.
- في عام 2016، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 6 بالمئة في الأسابيع الستة التي أعقبت فوز ترامب.
- خلال فترة ولايته بأكملها، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 57 بالمئة، مقارنة بـ 48 بالمئة حتى الآن في عهد بايدن.
وبما أن ترامب هو ترامب، فإن السياسات التي سيتبعها الرئيس الجمهوري السابق في فترة ولاية ثانية ستكون بلا شك غير قابلة للتنبؤ بها - ولكن هناك بعض القرائن.
نقل التقرير عن كبير مسؤولي الاستثمار في Amundi، فنسنت مورتييه قوله: "هناك سيناريوهات متعددة، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بترامب، فإن التاريخ يقول إنه مفيد للشركات على المدى القصير، ولبعض القطاعات مثل الدفاع ومفيد لتخفيض الضرائب".
لكن مجالاً مهماً للقلق بالنسبة للمستثمرين –رغم ذلك- هو تصاعد التوترات التجارية مع الصين.
وكان تقرير صحيفة واشنطن بوست قد أفاد بأن ترامب يدرس خيارات لتصعيد كبير في التعريفات التجارية وغيرها من الإجراءات ضد القوة العظمى المنافسة للولايات المتحدة، أحد العوامل وراء عمليات البيع الأخيرة في الأسهم الصينية. ويمكن أن تكون هناك آثار في مكان آخر.
ويشير الخبير الاقتصادي الأميركي في شركة بيكتيت لإدارة الثروات، شياو كوي، إلى أن سياسات التجارة والهجرة الأكثر تقييدا في عهد ترامب يمكن أن يُنظر إليها على أنها أكثر تضخما.
المجال الآخر الذي يجب مراقبته إذا فاز ترامب هو الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. إذ أكد ترامب الأسبوع الماضي أنه لن يعيد تعيين جيروم باول رئيسا للبنك المركزي.
وأوضح التقرير أن النصيحة الرئيسية المقدمة للمستثمرين هي، في الوقت الحالي، أن يظلوا ساكنين. يمكن أن يتغير الكثير في الأشهر التسعة التي تسبق الانتخابات.
التأثير الاقتصادي للانتخابات
الباحث في الشؤون الاقتصادية مازن أرشيد، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الانتخابات الأميركية تشكل حدثًا محوريًا يلقي بظلاله على الأسواق المالية العالمية، نظرًا للثقل الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة.
أضاف أن المستثمرون يتابعون عن كثب السباق الإنتخابي، حيث يمكن أن تؤدي نتائجه إلى تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية والتجارية والخارجية، مما يؤثر بدوره على معنويات السوق وقرارات الاستثمار.
من الناحية التاريخية، أشار إلى أنه يمكن ملاحظة تقلبات في الأسواق المالية قبل وبعد الانتخابات الأميركية، حيث يحاول المستثمرون تقييم السياسات المحتملة للمرشحين وتأثيرها على القطاعات المختلفة، فعلى سبيل المثال، قد ترتفع أسهم الشركات في قطاع الطاقة النظيفة استجابة لانتخاب مرشح يدعم سياسات الطاقة المستدامة، بينما قد تتأثر الشركات في قطاع الوقود الأحفوري سلبًا.
وأوضح أرشيد أن المستثمرين يستخدمون عدة استراتيجيات للتعامل مع الفترة المحيطة بالانتخابات، بما في ذلك تنويع المحافظ الاستثمارية لتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات السوق، كما يميل بعض المستثمرين إلى اتخاذ موقف الانتظار والترقب، مفضلين الحفاظ على مراكز نقدية أكبر حتى تتضح الرؤية بشأن النتائج الانتخابية وتأثيراتها المحتملة.
واستعرض أمثلة على تأثير الانتخابات على قرارات المستثمرين، من خلال ما حدث في انتخابات عام 2016، حيث شهدت الأسواق تقلبات كبيرة بسبب المفاجأة الكبرى التي أسفرت عن فوز دونالد ترامب، حيث كانت الأسواق في البداية متشائمة، لكنها سرعان ما انتعشت بعد تقييم السياسات الاقتصادية المقترحة، مثل خفض الضرائب وزيادة الإنفاق على البنية التحتية.
استطلاعات الرأي
وأشار إلى أن المستثمرين ينظرون أيضًا إلى استطلاعات الرأي والتحليلات السياسية لتشكيل توقعاتهم، لكن التقلبات الكبيرة وعدم اليقين قد يستمران حتى بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، خاصة إذا كانت النتائج متقاربة أو متنازع عليها، ففي هذه الحالات، يكون التأثير على أسواق المال مضاعفًا، إذ ينتظر المستثمرون بقلق تحديد النتائج النهائية وتأثيراتها المباشرة على السياسة الاقتصادية والتجارية للولايات المتحدة.
وكان استطلاع للرأي أجرته صحيفة "فاينانشال تايمز" قد خلص إلى أن النسبة الأكبر من الأميركيين يعتقدون بأن ترامب أفضل للاقتصاد الأميركي من بايدن.
كما شد على ضرورة النظر أيضًا في تأثير الانتخابات الأميركية على العملات وأسواق السندات، حيث يمكن أن تؤدي السياسات النقدية والمالية الجديدة إلى تغييرات في سعر الصرف وعائدات السندات، فعلى سبيل المثال، قد يؤدي انتخاب إدارة أكثر ميلاً لزيادة الإنفاق الحكومي إلى ارتفاع الدين العام، ما قد يؤثر على سعر الدولار الأمريكي وعلى تصنيف الديون السيادية للولايات المتحدة.
تأثيرات عالمية
وعلى صعيد السياق العالمي، أوضح أن الانتخابات الأميركية تؤثر أيضًا على أسواق الأسهم والعملات في دول أخرى، خاصة في الاقتصادات الناشئة والأسواق الحدودية، حيث قد تؤدي سياسات تجارية أميركية أكثر تقييدًا إلى تراجع الأسواق الناشئة بسبب اعتمادها على التجارة العالمية، وبالمثل قد تستفيد بعض الدول من سياسات تجارية أكثر انفتاحًا، مما يعزز أسواقها المحلية وعملاتها.
وأشار أرشيد إلى أن التحليل التاريخي للأسواق قبل وبعد الانتخابات الأميركية يظهر أن الفترات الانتخابية عادة ما تكون مصحوبة بزيادة في التقلبات، ومع ذلك، تميل الأسواق إلى استعادة استقرارها والاستمرار في النمو على المدى الطويل بعد انحسار الغموض الناجم عن الانتخابات، لذلك يتعين على المستثمرين النظر في استراتيجيات طويلة الأمد وعدم الانجراف وراء الردود العاطفية على التطورات السياسية قصيرة الأجل.
أسواق المال
من جانبه، توقع عضو الحزب الديمقراطي الأميركي والمحلل السياسي والاقتصادي، مهدي عفيفي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن تنعكس إجراءات الانتخابات الرئاسية الأميركية بشكل مباشر على أسواق المال، دون التأثير على باقي القطاعات الأخرى الصناعية والزراعية والتكنولوجية، وذلك في ضوء تهديدات ترامب بفرض ضرائب وروسوم وجمارك على سلع معينة من الصين.
أضاف أن المحافظة على الاقتصاد بشكل عام يمثل أحد دعائم السياسة الأميركية الداخلية أيًا كان على صعيد الديمقراطيون أو الجمهوريين، وهي التي تؤثر بقوة في فوز أو خسارة أحد المرشحين.
وأشار إلى أن تصريحات المرشحين ومنها ترامب حول فرض ضرائب أو رسوم جمركية وخلافه ما هي إلا للاستهلاك المحلي خلال فترة الانتخابات، وهو ربما عكس ما ينفذ على أرض الواقع، وهو ما تعكسه فترة رئاسة ترامب والتي أشار خلالها إلى صداقته بالرئيس الصيني.
وأوضح أن الاقتصاد الأميركي مستقر؛ خاصة وأنه لا يعتمد على السياسة الخارجية، بل يرتبط بالولايات والسياسات الخاصة بها في كثير من الأمور (..).
سياسة المرشحين والاقتصاد
خبيرة أسواق المال حنان رمسيس، أكدت في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:
- الانتخابات الرئاسية الأميركية لها تأثير قوى على الاقتصاد والمستثمرين في ضوء سياسة المرشح المتوقع فوزه والتبعات الاقتصادية في سياسته على الأسواق خلال الفترات التالية.
- الاقتصاد الأميركي تحكمه سياسة ينتهجها الكونغرس، الا أن سياسات الرئيس الفائز قد تؤثر في رسم بعض الملامح المستقبلية.
- الفترة السابقة لولاية ترامب، شهدت الولايات المتحدة الأميركية حروب تجارية مع الصين وإيران وفنزويلا، كان هدفها حماية المنتجات الأميركية، إلا أنها أثرت بالسلب على الاقتصاد بشكل أو بآخر، وهو ما يدركه في اعتباراته المستثمرين.
- على الرغم من الحروب التجارية مع الدول المنافسة وتأثير ذلك على التبادل التجاري مع بعض الدول، إلا أن تلك الفترة شهدت اهتماماً بأسواق المال، وبدائل الاستثمار وظهور البتكوين بصورة قوية.
وأوضحت أن سياسة الجمهوريين في الولايات المتحدة الأميركية تهتم بالشأن الداخلي والاهتمام بالمواطن الأميركي، عبر خفض الضرائب ومعدلات التضخم والبحث عن سبل لزيادة استثماراتهم.