يوماً بعد يوم، يطغى الحديث عن العودة المحتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما يثير قلق السياسيين والاقتصاديين حول العالم، بسبب سياساته السابقة المرتبطة بالقيود التجارية والتصادم مع القوى العالمية الأخرى.
وبحسب غولدمان ساكس، فإن احتمالية فوز ترامب بولاية ثانية، باتت إحدى أكبر مخاوف المستثمرين في الصين، وذلك وفقاً لما توصل إليه المصرف الأميركي بعد التحدث مع عملائه هناك. وأوضح اقتصاديو البنك في مذكرة صدرت منذ أيام قليلة، أن أكثر التساؤلات شيوعاً بين المستثمرين الصينيين، كانت تداعيات فوز ترامب على بلادهم.
وتعد المخاوف الصينية من عودة ترامب مبررة، فرغم أن الأخير لم يصل بعد إلى البيت الأبيض، وهو لا يزال يخوض الإنتخابات الرئاسية في إطارها التمهيدي، إلا أنه لم يتوانى عن التهديد بفرض تعريفات جمركية على السلع الصينية، بقيمة تزيد عن 60 بالمئة في حال فوزه مجدداً بالرئاسة.
قصة الخلاف بين ترامب وتيك توك
وبعيداً عن التعريفات الجمركية، فإن فوز ترامب لن يكون أفضل ما يتمناه تطبيق تيك توك الصيني، الذي واجه خلال الولاية السابقة للرئيس الجمهوري الكثير من الضغوط، التي أجبرته على مناقشة فكرة بيع أعماله في أميركا لشركة محلية، قبل أن يعدل عن هذا الإجراء، بعد فوز الرئيس بايدن بمنصب الرئاسة.
ففي أغسطس من عام 2020، أصدر الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً بحظر تطبيق تيك توك داخل الولايات المتحدة، كما أمرت إدارة ترامب شركة "بايت دانس" الصينية المالكة لتطبيق تيك توك، ببيع أعمال التطبيق في أميركا، لشركة محلية في حال أرادت استمرار عمل تيك توك على الأراضي الأميركية.
وبالفعل دخلت "بايت دانس" التي تتخذ من بكين مقراً لها، في مفاوضات جدية لبيع أعمال تيك توك في أميركا لشركة أوراكل، أو إلى تحالف بقيادة مايكروسوفت، إلا أن الشركة الصينية تخلت عن هذه الفكرة بعد فترة، وحاربت القرار الذي أصدره ترامب، ونجحت في تأجيل تنفيذه بعد رفع عدة دعاوى قضائية، ليأتي بعدها فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، كعامل مساهم في إنقاذ "بايت دانس" من خطوة البيع الإجباري لأعمال تيك توك في أميركا.
فبعد أشهر قليلة من استلامه مقاليد الحكم في 2021، وقّع الرئيس جو بايدن أمراً تنفيذياً ألغى بموجبه أمر ترامب بحظر تيك توك، ودعا بايدن بدلاً من ذلك، إلى مراجعة واسعة النطاق للتطبيقات المملوكة لأجانب في أميركا.
مشكلة تيك توك في أميركا
وتكمن المشكلة الأساسية لتطبيق تيك توك في أميركا في "جمع البيانات"، حيث يرى بعض السياسيين، أن التطبيق ورغم محتواه الترفيهي، هو عبارة عن أداة مجنونة بجمع البيانات، المتعلقة بتوجهات المستخدمين وأعمارهم واهتماماتهم وأرقام هواتفهم، وعناوين البريد الالكتروني الخاص بهم، وأنواع أجهزتهم والمواضيع التي يتفاعلون معها، وغيرها الكثير من البيانات التي تبدو بسيطة بالنسبة للبعض، إلا أنها تشكل مجتمعة، ثروة هائلة من المعلومات التي في حال وصلت الى أيدي الحكومة الصينية، قد توظفها لخدمة طموحاتها الجيوسياسية.
وسعى تيك توك إلى معالجة مخاوف المشرعين الأميركيين، من خلال تقديم ضمانات فنية وبيروقراطية طوعية، وقد أعلن عن تخصيص مبلغ 1.5 مليار دولار لإعادة هيكلة أعمال الشركة في أميركا، حيث أتم في منتصف عام 2022، عملية نقل بيانات مستخدميه على الأراضي الأميركية، إلى خوادم شركة Oracle الموجودة في أميركا، وذلك كجزء من اتفاقية، تضمن عدم وصول الشركة الأم الصينية، الى بيانات المستخدمين على الأراضي الأميركية.
وكانت بايت دانس تأمل في أن تساعدها هذه الخطوة في التخفيف من الضغوط، التي يتعرض لها تطبيقها في أميركا، إلا أن هذا الأمر لم يحصل، حيث عادت الدعوات الى حظر تيك توك لتظهر من جديد، مع قيام الرئيس الأميركي جو بايدن في أواخر 2022، بالتوقيع على تشريع يحظر تيك توك على أجهزة الحكومة الفدرالية.
ضغوط كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي
ومن المتوقع أن تواجه شركة "بايت دانس" مخاطر عالية، في حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض، خصوصاً أنه يميل إلى الاستمرار بالنهج السابق لسياسته، تجاه كل ما هو صيني، حيث يقول خبير التحول الرقمي عامر الطبش، حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه في الوقت الراهن هناك ضغوط كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يحاول كل طرف من الأطراف السياسية هناك، إجبار هذه المنصات على الرضوخ قبل موعد اجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024، وما رأيناه في الآونة الأخيرة من جلسات علنية لاستجواب رؤساء شركات وسائل التواصل الاجتماعي، قام بها الكونجرس، يأتي ضمن سياق التشدد الذي تقوم به السلطات الأميركية في هذا المجال.
جميع الاحتمالات واردة مع ترامب
ويرى الطبش أن عودة ترامب بكل بساطة، يمكن أن تؤدي إلى عودة الضغط على تطبيق تيك توك في أميركا، ولكن لا يجب أن ننسى أن ترامب هو "رجل أعمال"، وبالتالي فإن جميع الاحتمالات قد تكون واردة، ففي حال كان هناك اتفاق بين ترامب والصين، قد نرى أن أعمال تيك توك في أميركا مستمرة بشروط وبحدود معينة، فما يريده ترامب هو إجبار الشركات الصينية على الرضوخ وأن تسير وفقاً للشروط الأميركية، مشيراً إلى أن الأفق لا يزال غير واضح بعد، بالنسبة لمستقبل تيك توك في أميركا، ومشدداً على أن أحداً لم يستطع بعد، اثبات أي تهمة تؤكد أن التطبيق يتجسس على مستخدميه، وهو الأمر الذي تنفيه أيضاً بشدة إدارة تيك توك.
ووفقاً للطبش فإن الاتهامات الأميركية تجاه تيك توك، تتركز على أن التطبيق يستخدم كأداة لجمع المعلومات عن الأميركيين، لصالح الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، لافتاً إلى أن تيك توك يلاقي نجاحاً كبيراً في أميركا، وبات يشكل خطراً كبيراً على المنصات الأميركية الأخرى، مثل فايسبوك وانستجرام وأكس، ويهدد بخرق السيطرة الأميركية على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا تحديداً ما يقلق الساسة الأميركيين ومن ضمنهم ترامب، القادر من خلال تصرفاته وفي حال وصوله للحكم مرة جديدة، على أن "يضرب بضع عصافير بحجرة واحدة".
عداوة لم تمحها السنوات
من جهته يقول مطور التطبيقات التكنولوجية أحمد الحركة، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن عودة ترامب إلى الحكم، لن تكون أفضل ما يتمناه تطبيق تيك توك وهذا الأمر محسوم، فالعداوة التي يكنها ترامب للتطبيق الصيني، لم تمحها السنوات الأربع التي أمضاها ترامب خارج الحكم، وبمجرد عودة الرئيس الجمهوري إلى البيت الأبيض، سنرى أن هناك تحركات ضد تيك توك لإجباره على بيع أعماله في أميركا، في تكرار للمشهد الذي حصل قبل 4 سنوات من الآن، وهذا الأمر تدركه جيداً إدارة التطبيق في أميركا، وهي تنتظر النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية لتبني خطواتها اللاحقة على أساسها.
ويشرح الحركة أن الذي ساعد تيك توك خلال المرحلة السابقة، في التخلص من قيود ترامب، كان تزامن فرض هذه القيود مع خسارة الأخير للانتخابات، أما الآن وفي حال فوزه، فإنه سيلجأ لإعادة تفعيل خططه السابقة تجاه تيك توك من اللحظة الأولى لاستلامه الحكم، وبالتالي قد تجد الشركة المالكة لتيك توك نفسها، مجبرة على تنفيذ ما يريده الرئيس الجديد، لعدم قدرتها على تحمّل الضغوط لمدة 4 سنوات مقبلة، وهي فترة حكم الرئيس الجديد.
وبحسب الحركة فإن تيك توك لديه أكثر من 150 مليون مستخدم في أميركا، وبعيداً عن القلق الناتج عن تحوّل التطبيق إلى أداة صينية للتجسس، فإن القلق الأميركي يتركز أيضاً على قدرة الحكومة الصينية على تحويل تيك توك، إلى وسيلة للإعلان المضلل، ورعايتها التلاعب بمشاعر وتوجهات الرأي العام الأميركي.