عقب موجة تراجعات تاريخية سجلها الجنيه المصري في السوق الموازية للعملات خلال الفترة الأخيرة وبالأخص منذ أواخر 2023 وانخفاضه أمام الدولار الأميركي إلى مستويات قياسية تتجاوز الـ70 جنيهًا، بدأ طريقه نحو التعافي ليتراوح حاليًا ما بين مستويات 50 : 55 جنيه، وفقًا لتقارير وتعاملات السوق الموازية.
تعافي العملة المصرية خلال الأيام الأخيرة عزز من آمال فرص كبح جماح نشاط السوق الموازية، والتي يعتبرها الكثيرون السبب الرئيس وراء ارتفاعات أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، فضلًا عن تأثيرها السلبي على عدد من القطاعات والصناعات المرتبطة بتوافر العملة الأجنبية، ولكن هل الارتفاعات الأخيرة حقيقية ومستمرة أم أنها لأسباب آنية سريعا ما تتلاشى ويعود بعدها الجنيه إلى مسار الهبوط؟
يعاني الاقتصاد المصري من تراجع حصيلة موارد من النقد الأجنبي، وما تبعه من تضرر إيرادات قناة السويس، أحد أكبر مصادر النقد الأجنبي بسبب اضطرابات حركة الملاحة في البحر الأحمر.
خبراء بنوك الاستثمار في مصر أكدوا في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن أبرز الأسباب وراء تعافي الجنيه أمام العملات الأجنبية الأيام الأخيرة تتمثل في قيام البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة الخميس الماضي، إضافة إلى التوسع في توقيف المضاربين في النقد الأجنبي وكبار تجار العملة، علاوة على التقدم المحرز في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
أضاف الخبراء أن الفترة الحالية لا تشهد أسباباً قوية من شأنها دعم استمرار تراجع مستويات الدولار في السوق الموازية خلال الفترة المقبلة، لكنهم توقعوا في الوقت نفسه بدء تراجع حقيقي مع توافر تدفقات خارجية سواء من صندوق النقد الدولي أو دعم الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتطلب خططاً لتعزيز موارد السيولة الدولارية في السوق لمنع وجود سوق موازية مجددًا.
تدفقات خارجية مُرتقبة
تشهد مصر أنباء سارة حول تدفقات ودعم نقدي من مؤسسات خارجية، أسهمت في تعزيز قوة العملة المحلية، حيث أعلنت وزارة الخارجية المصرية، عن أن مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي أبلغ وزير الخارجية سامح شكري في اتصال هاتفي بأن الاتحاد قرر تخصيص دعم مالي واقتصادي إضافي للبلاد.
ووفقًا للخارجية المصرية أقر الاتحاد الأوروبي المخصصات المالية الإضافية لدول الجوار، ومن بينها مصر، خلال قمة عقدت في بروكسل يوم الخميس في إطار المراجعة النصفية للميزانية الأوروبية للفترة 2021-2027.
كما عززت التوجهات، تصريحات صندوق النقد الدولي، بشأن تقدم المناقشات مع مصر بشأن حزمة تمويل بقيمة 3 مليارات دولار رغم التحديات الإقليمية، وربما التفكير في تقديم تمويل إضافي.
تراجع وهمي
لكن نائب رئيس قسم البحوث بشركة النعيم، هشام حمدي، قال في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن ارتفاع الجنيه أو تراجعات الدولار الأخيرة في السوق الموازية تراجعات "وهمية" غير حقيقية، مؤكدًا أن الشريحة الأكبر من حاملي الدولار مازالوا محتفظين به.
أضاف أنه في عدد من المحافظات مازال الدولار يتداول عند مستويات تصل إلى 70 جنيهاً، مشيرًا إلى استمرار أزمة توافر الدولار حتى الآن في مصر، وبالتالي لا يعبر ارتفاع الجنيه في السوق الموازية عن تطور حقيقي ومستدام.
وأوضح أن التراجع الحقيقي سيكون عقب توافر الدولار وتلبية متطلبات المستوردين عبر توفير الدولار بصورة كافية لهم في البنوك، وحينها سيتبعه تراجع للدولار بصورة حقيقية ومستدامة، مشيراً إلى أن تلبية طلبات المستوردين تتطلب تدفقات لمصر في الوقت الحالي بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار (لسد الفجوة الدولارية الحالية).
وتوقع أن يسجل الدولار في البنوك مستوى 40 جنيهاً كمستوى أول له عقب تحرير سعر الصرف المتوقع الفترة المقبلة.
ويصل السعر الرسمي للدولار في مصر إلى ما دون الـ 31 جنيهاً، بينما ينتظر المصريون تعويماً للعملة المحلية.
وأحرزت القاهرة تقدماً في المفاوضات مع صندوق النقد. وقال الصندوق في بيان، بنهاية الأسبوع الماضي، إنه اتفق مع مصر على عناصر السياسة الرئيسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مؤشر آخر على أن الاتفاق النهائي لزيادة قرض البلاد البالغ ثلاثة مليارات دولار على وشك الاكتمال.
وفي وقت سابق، قالت كريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد إن الصندوق ومصر في "المرحلة الأخيرة" من المفاوضات لزيادة برنامج القرض.
وأجرت مصر محادثات على مدى الأسبوعين الماضيين مع صندوق النقد لإحياء وتوسيع اتفاق القرض، الذي تم توقيعه في ديسمبر 2022.
السيناريوهات المحتملة
الرئيس التنفيذي لمجموعة سوليد كابيتال أفريقيا والخليج العربي، محمد رضا، أكد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن سعر الصرف واختلافه والفجوة الكبيرة مع السوق الموازية مثلت تخوفات كبيرة وتحركات مختلفة خلال الفترات الماضية.
أضاف أن الفترات السابقة وما شهدته الدولة من تحرير لسعر الصرف وخفض فيمة العملة افتقدت إلى عنصر أساسي وهي تحريك للسعر مع توفير سيولة دولارية ودعم الاحتياطي، الأمر الذي تسبب في عودة نشاط السوق الموازية مرة أخرى.
وأشار إلى أن تراجعات الفترة الأخيرة كانت بسبب شق إداري يتعلق بتحجيم أمني كبير جداً على السوق الموازية والذهب والتجارة غير الشرعية (بالإشارة إلى الحملات الأمنية ضد المضاربين في السوق الموازية).. وكذلك الانفراجة على صعيد مفاوضات صندوق النقد الدولي ونتائج المراجعين الأخيرة.
وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة -عقب رفع المركزي المصري الفائدة- العمل على تدبير سيولة دولارية تصل إلى 18.5 مليار دولار لتدبير الاحتياجات الأساسية والسلع الاستراتيجية للدولة، ومن ثم القيام بتحريك مدار للسعر المعلن في البنوك لتجنب استمرار السوق الموازية مرة أخرى.
وقررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في اجتماعها الأأول في 2024 رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى مستوى 21.25، 22.25 و21.75 بالمئة على الترتيب.
وأعلن البنك المركزى المصرى، الاثنين، عن أن صافى الاحتياطيات الأجنبية ارتفع إلى 35.250 مليار دولار فى نهاية شهر يناير 2024 مقابل 35.219 مليار دولار نهاية ديسمبر 2023، بارتفاع قدره 31 مليون دولار.