قطعت الأسواق الصينية، الثلاثاء، حالة الانهيار السريع السابقة التي نجم عنها تهاوي الأسهم إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات.
جاء ذلك بعد تحرك السلطات لدعم السوق، وتأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ، على مناقشة ما يجري في أسوق الأسهم مع الهيئات التنظيمية المالية للتعرف على الموقف بشكل كامل، مع تعهد هيئة مراقبة سوق الأوراق المالية باتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهة "التقلبات غير الطبيعية".
وقالت هيئة الرقابة أيضًا إنها ستتخذ إجراءات صارمة ضد "البيع الضار على المكشوف"، ومن ناحية أخرى ستعمل على جذب المزيد من الاستثمارات من خلال رأس المال طويل الأجل، كما ستنصت بجدية إلى مطالب المستثمرين.
ارتفعت الأسهم في الصين وهونغ كونغ، الثلاثاء، حيث اتخذت السلطات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم إجراءات لوقف عمليات البيع الأخيرة في أسهمها، في حين تراجعت معظم أسواق آسيا والمحيط الهادئ.
وأغلق مؤشر CSI 300 مرتفعًا بنسبة 3.48 بالمئة عند 3,311.69، كما ارتفع مؤشر Hang Seng في هونغ كونغ بنحو 4 بالمئة في الساعة الأخيرة من التداول. وكان مؤشر CSI 300 في البر الرئيسي للصين قد وصل إلى أدنى مستوياته خلال خمس سنوات الأسبوع الماضي.
خسائر أسبوعية
وكان مؤشر CSI300 للأسهم القيادية في الصين قد تكبد خسائر بنسبة 5 بالمئة تقريبًا الأسبوع الماضي مسجلا أدنى مستوى منذ أوائل العام 2019، وسط علامات على البيع بدافع الذعر والتصفية القسرية للتداولات ذات الرافعة المالية (والتي تعطي المتداول قدرة على التحكم أو التداول بمبالغ كبيرة جدا باستخدام مبلغ صغير من أموال المودع في شركات الوساطة).
دفعت عمليات البيع في السوق عديداً من المستثمرين الصينيين إلى التنفيس عن إحباطهم وغضبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك حساب مدونة للسفارة الأميركية في بكين، هرباً من إمكانية حجب تعليقاتهم على صفحاتهم الشخصية.
خطوات للإنقاذ
الهيئة أعلنت على موقعها الإلكتروني،الثلاثاء، عن أنها ستوجه المستثمرين المؤسسيين لزيادة الاستثمار في الأسهم وتشجيع الشركات المدرجة على زيادة عمليات إعادة شراء الأسهم.
جاء هذا بعد إعلان صندوق الاستثمار الحكومي الصيني "سنترال هويغين إنفستمنت" عن توسيع استثماراته في صناديق الاستثمار المتداولة ETFs. في دلالة على عزم بكين لتحقيق الاستقرار في الأسواق التي عانت من ضغوط بيع شديدة بسبب أزمة العقارات وتباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد. وأضافت الهيئة أنها ستوفر قناة أكثر سلاسة للصندوق المركزي الصيني للاستثمار في السوق وتسهيل عملياته.
أسباب التعثر
محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، قال في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن هناك أسباب واضحة تدل على تعثر المؤشرات الصينية وتشمل:
- التشاؤم من حالة الاقتصاد المتعثر.
- ضعف الطلب والضغوط الانكماشية.
- الافتقار إلى تدابير تحفيز سياسية قوية.
وكان صندوق النقد الدولي، قد توقع الجمعة، استمرار التباطؤ الاقتصادي الصيني في السنوات المقبلة فيما تعاني الدولة الآسيوية العملاقة من تلاشي الإنتاجية وتقدم السكان بالسن.
معدلات النمو
وسجل ثاني اقتصاد عالمي العام الماضي واحدا من أبطأ معدلات النمو منذ عقود مع استمرار أزمة ديون قطاع العقارات إضافة إلى التوترات الجيوسياسية وضعف الطلب العالمي.
وتوقع تقرير لصندوق النقد الدولي الجمعة أن يتراجع النمو إلى 3.5 بالمئة بحلول 2028 "مع وجود رياح معاكسة بسبب الانتاجية الضعيفة وشيخوخة السكان" مضيفا أن "انعدام اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية مرتفع جدا".
وأضاف عزام أن العوامل التي ذكرها، دفعت الرئيس الصيني شي جين بينغ للكشف عن بعض الأخبار الإيجابية ومنها أنه سيناقش سوق الأسهم المتعثرة مع المنظمين الماليين، إضافة إلى إعلان المنظمين عن مزيد من القيود على البيع على المكشوف، حيث سيوسع المستثمرون خططهم لشراء الأسهم.
وأكد خبير أسواق المال على أن الأسواق الصينية تحتاج إلى المزيد من التحفيزات في قادم الأشهر لمحاولة السيطرة على أسواق الأسهم، لكن على الأقل إن الأخبار تعطي حالة التأكيد بأن الحكومة الصينية لازالت تفكر بتدابير وتحفيزات اقتصادية جديدة.
وقبل نهاية الشهر الماضي، كشفت تقارير عن أن السلطات الصينية تدرس حزمة من الإجراءات لتحقيق الاستقرار في سوق الأسهم المتعثرة، وفقًا لوكالة بلومبرغ، وذلك بعد أن فشلت المحاولات السابقة لاستعادة ثقة المستثمرين ودفعت رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ إلى الدعوة إلى اتخاذ إجراءات "قوية".
- قالت المصادر لوكالة بلومبرغ، إن صناع السياسات يسعون إلى جمع حوالي 2 تريليون يوان (حوالي 278 مليار دولار)، معظمها من الحسابات الخارجية للشركات الصينية المملوكة للدولة، كجزء من "صندوق استقرار" لشراء الأسهم المحلية من خلال آلية الربط مع بورصة هونغ كونغ.
- وأضافت المصادر أنهم خصصوا أيضًا ما لا يقل عن 300 مليار يوان من الأموال المحلية للاستثمار في الأسهم المحلية من خلال شركة (تشاينا سيكيورتيز فاينانس) "China Securities Finance Corp" أو شركة(سنترال هويجين إنفستمنت) "Central Huijin Investment Ltd".
تحرك حكومي
وبالعودة لحديث عزام، فإنه شدد على أن التحرك من قبل الحكومة الصينية يُظهر حالة ذعر القادة، وعندما يشعرون بالخوف قد يُبعدون الذعر عن الأسواق جراء تحركات للإنعاش على المدى المتوسط من الحالة النفسية للمستثمرين، معتبرًا أن حديث الرئيس الصيني مع الهيئات التنظيمية هي إشارة استباقيه على تحركات مخطط لها.
وأكمل عزام: "لو نظرنا إلى الاستثمارات المشار إليها، فحتى لو كان شراء المستثمرين في ظاهره هو زيادة الطلب، لكن في حقيقته قد يكون ما هو إلا عمليات شراء مدعومة من الدولة عن طريق فريق من المستثمرين. أي أنه ليس تغيير جذري في معنويات المستثمرين، فقد يكون الاستثمار قصير المدى وبالتالي تأثيره الإيجابي قد لا يطول في الأسواق".
وسجل الاقتصاد الصيني نسبة نمو بلغت 5.2 بالمئة العام الماضي وفق الأرقام الرسمية الصينية متجاوزا التوقعات المحددة بـ5 بالمئة.
وتراجعت الصادرات، وهي محرك رئيسي للنمو عادة، للمرة الأولى في غضون سبع سنوات بسبب التوترات الملحوظة مع الدول الغربية والتراجع في الطلب العالمي.
ومن المتوقع أن يكشف المسؤولون الصينيون عن أهداف النمو للعام 2024 في مارس المقبل.
وأشار عزام إلى استمرار الأساسيات الاقتصادية الصينية دون تغيير، ذلك أن مخاوف إفلاسات مطوري العقارات تخيم على الحالة العامة. كما أن التضخم في دائرة الانكماش لثلاث قراءات اقتصادية، لذلك قد لا يكون مرحلة التفاؤل طويلة المدى.
قطاع العقارات
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر من أن استمرار التباطؤ في سوق العقارات "قد يلقي بمزيد من الثقل على الطلب الفردي ويفاقم أزمة الثقة".
واستحالت مجموعة "إيفرغراند" العقارية العملاقة رمزا لصعوبات هذا القطاع، مع مراكمتها ديونا هائلة تزيد على 300 مليار دولار. وأصدرت محكمة في هونغ كونغ خلال الأسبوع الماضي أمرا من شأنه أن يباشر تصفية أصول إيفرغراند في الخارج فيما أكدت الشركة أن هذا القرار لن يؤثر على عملياتها داخل الصين.
وأوضح عزام أن هذه المقدمات قد تجبر بنك الصين الشعبي على السير في طريق تخفيض الفائدة بشكل إجباري لمحاولة دعم الأفراد والشركات سوياً في محاولة لزيادة ضخ الاستثمارات وزيادة الطلب.
كما شدد على ضرورة استمرار ضخ المزيد من أموال التحفيز في الفترة المقبلة أملاً أن يدفع أسواق الأسهم الصينية نحو ضفة التفاؤل.