مع تجدد ماراثون الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية والمقررة في الخامس من نوفمبر من العام الجاري، يتصدر مستقبل العلاقات بين الصين وأميركا أولويات أجندة وبرامج المرشحين المحتملين في السباق الانتخابي.
وتترقب بكين ما سوف تسفر عنه نتائج تلك الانتخابات، على اعتبار أن هوية حاكم البيت الأبيض تؤثر تأثيراً مباشراً على العلاقات، ذلك أن وجود ترامب يعني الكثير من "الصداع" بالنسبة لبكين، وهو الرجل المعروف بسياساته التصعيدية ضد الصين، وقد فرض حزماً من الرسوم على بضائعها مشعلاً -خلال فترة رئاسته السابقة- فتيل حرب تجارية بين البلدين.
الخوف من عودة ترامب لا يعني في الوقت نفسه ترحيباً ببقاء بايدن الذي حافظ على سياسات متشددة إزاء الصين وعلى الرسوم المفروضة، وهو ما يكشف حجم المعضلة التي تواجهها بكين.
وفي مواجهة مبكرة، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إنه سيفرض رسوما جمركية على الصين مجددا حال فوزه في انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر.
- ترامب في مقابلة بُثت يوم الأحد على قناة "فوكس نيوز": "علينا أن نفعل ذلك... أعني، انظروا، سوق الأوراق المالية كادت أن تنهار عندما أُعلن عن فوزي في الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا بعدد قياسي من الأصوات".
- وتابع "عندما فزت في نيوهامبشير بعد ذلك، انخفضت سوق الأسهم بجنون"، في إشارة إلى سباق الترشح لنيل ترشيح الحزب الجمهوري في الولايتين الشهر الماضي.
- وردا على سؤال عن تقرير أشار إلى أن ترامب يفكر في فرض رسوم جمركية بنسبة 60 بالمئة على البضائع الصينية حال انتخابه، قال الرئيس السابق "لا، أود أن أقول ربما ستكون (الرسوم) أكثر من ذلك".
ورفض ترامب فكرة أنه سيخوض حربا تجارية أخرى مع الصين، وقال في المقابلة التي سُجلت الأسبوع الماضي "إنها ليست حربا تجارية. لقد قمت بعمل رائع مع الصين في كل شيء".
وتابع "أريد أن يكون أداء الصين عظيما، أريد ذلك. وأنا أحب الرئيس شي كثيرا. لقد كان صديقا جيدا لي خلال فترة ولايتي".
ترقب صيني
الكاتبة الصحافية من واشنطن، هبة القدسي، تشير في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن:
- مسألة فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية في 2024 وعودته للسلطة تثير مخاوف الصين بشكل كبير؛ خاصة مع عزمه فرض رسوم جمركية على البضائع الصينية مرة أخرى بما يتجاوز 60 بالمئة كما تعهد أخيراً.
- فترة ترامب الأولى شهدت زيادة الرسوم الجمركية، وهو ما أوجد حالة من الحرب التجارية مع الصين كما أثار "نظرية المؤامرة" على غرار القول بان فيروس كورونا كان متعمداً نشره في العالم مع مطالبة الصين بدفع تكلفة الخسائر الاقتصادية لتفشي الوباء!
- ترامب رفض التصريح ما إذا كانت الولايات المتحدة في عهده ستدعم تايوان في حال تعرضت لحرب من جانب الصين (وهو التعهد الذي كرره الرئيس بايدن عدة مرات والتزم بتسليح تايوان).
- الرئيس السابق دونالد ترامب يتبنى نظرية مؤامرة أخرى وهي سرقة الصين الوظائف من الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بصناعة الرقائق الإلكترونية التي تدخل في أجهزة الكمبيوتر والسيارات وعديد من الصناعات.
وترامب هو المرشح الأبرز لنيل ترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نوفمبر والتي سيخوض غمارها أيضا الرئيس الحالي جو بايدن عن الحزب الديمقراطي.
وأكدت القدسي أن الفترة الحالية تشهد تصاعداً في هجوم الرئيس الأميركي السابق لسياسات بايدن واتهام الديمقراطيين بالضعف تجاه الصين التي ينظر إليها باعتبارها المنافس العالمي للولايات المتحدة والتي تسعى لتعزيز نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وفي منطقة الشرق الأوسط في منافسة مع النفوذ الأميركي، كما لديها علاقات قوية مع كوريا الشمالية، وهو ما يعكس تخوف المحللين العسكريين من اندلاع حرب محتملة بين الولايات المتحدة والصين (بشكل غير مباشر).
وأوضحت أنه وفقا لتقرير صادر عن غولدمان ساكس، فإن عدداً كبير من المستثمرين الصينيين تحدثوا عن شعورهم بالقلق من عودة ترامب المحتملة للبيت الأبيض وما سيتخذه من سياسات "عدوانية" تجاه الصين وتأثير ذلك على سوق الأسهم الصينية وتوقعات الانكماش الاقتصادي.
وعلى صعيد رغبة الصين في استمرار إدارة بايدن، أوضحت أن:
- الصين ترى أنها أمام خيار بين شخصين كلاهما سيء لمصالحها، خاصة عقب هجوم بايدن على الرئيس الصيني ووصفه علنا بالديكتاتور.
- تراقب بكين بقلق مباراة العودة بين ترامب وبايدن وتتوقع أن يتحدث كلا المرشحين بلهجة صارمة وهجومية خلال الحملات الانتخابية في سباق لإظهار سياسات مشددة وحازمة تجاه الخصم الصيني بما يحقق له دعاية انتخابية.
- مسألة من سيتولي منصب الرئاسة في البيت الأبيض يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة ليس فقط على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بل على آفاق السلام في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وخلال العام الماضي 2023 تعددت لقاءات المسؤولين الأميركيين بنظرائهم الصينيين، وتوجت بلقاء القمة بين الرئيسين الأميركي والصيني، وهي اللقاءات التي كان من بين أبرز محاورها الحفاظ على علاقات علاقة تجارية واستثمارية صحية وسط تنافسهم الإستراتيجي المتزايد، مع تعزيز قنوات الاتصال، من أجل إذابة الجليد في العلاقة بين البلدين.
وكان ترامب قد فرض رسوما جمركية على بضائع صينية قيمتها مئات المليارات من الدولارات في عامي 2018 و2019 في خضم حرب تجارية مريرة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وأبقت إدارة بايدن على الرسوم الجمركية وأضافت قيودا جديدة تحظر تصدير أشباه الموصلات المتقدمة والمعدات اللازمة لتصنيعها بسبب مخاوف أمنية، علما أن الممثل التجاري الأميركي يجري مراجعة للرسوم الجمركية.
تصريحات انتخابية
عضو الحزب الديمقراطي الأميركي والمحلل السياسي، مهدي عفيفي، يرى أن العلاقات بين الدول لها أهداف قصيرة وطويلة الأمد، لذلك يتعين وضع تصريحات ترامب حول الصين تجاه فرض مزيد من الرسوم على بضائعها حال فوزه على أنها مجرد دعاية انتخابية ربما ليست قابلة للتطبيق.
أضاف أنه في حال فوزه (ترامب) بالانتخابات ومحاولته فرض شروط جزائية أو ضرائب وجمارك جديدة، ستتجه الصين على الفور بتطبيق نفس الشيء، وهو ما سينعكس سلباً على الجانب الأميركي في هذه الحالة وليس الصيني.
وأشار إلى أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة أساسها علاقات تجارية "لذلك أعتقد بأنه حال فوز ترامب لن تتاثر بشكل كبير بل سيحاول الاستفادة منها في مجالات كثيرة.. ولذلك لابد من التمييز بين التصريحات السياسية والانتخابية والواقع الاقتصادي".
ووصف عفيفي العلاقة بين واشنطن وبكين بـ "علاقة انتفاع" تشوبها بعض المشكلات، مشيراً لحجم التبادل التجاري بين البلدين.
وتسعى الولايات المتحدة خصوصا إلى منع الصين من الوصول إلى تكنولوجيات متطورة، متذرعة بحماية الأمن القومي، ما يثير استياء الصين التي تعتبر أن ذلك يضرّ "مصالحها المشروعة".
وتشير آخر البيانات "السنوية" المتوفرة لحجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة، إلى أن التجارة بين البلدين سجلت رقما قياسيا بلغ 690.6 مليار دولار أميركي في العام 2022، وهذا يشير إلى نمو تجاري قوي وسط خطاب فك الارتباط.
فيما كشفت بيانات للإدارة العامة للجمارك الصينية انخفاض حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة في النصف الأول من 2023، من 2023 بنسبة 14.5بالمئة إلى 327.264 مليار دولار.
مستقبل العلاقات في يد الصين
أما المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، فأوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:
- مستقبل العلاقة بين البلدين، سواء في حال فوز الرئيس بايدن بالإنتخابات أو الرئيس السابق ترامب، لا علاقة له بالنتائج بل مستقبلها في يد الصين عملياً.
- هناك عدة مشاكل أساسية مع الصين "سهلة الحل".. جميع حلولها في يد الصين، بداية من ضرورة توقف الصين عن أعمال التجسس على الولايات المتحدة كحكومة وشركات، واحترام حقوق الملكية الفكرية الأميركية، لاسيما وأن الصين أصبحت سوق عالمية للبضائع والأشكال المقلدة من ملابس وغيرها وهو أمر غير مقبول.
- هناك أيضاً مشاكل تتعلق بضرورة توقف الصين عن تهديد جيرانها خصوصاً تايوان، وتهديد السلم في منطقة آسيا والعالم وهذه أمور أساسية.
- بجانب أمور تقنية اقتصادية تتعلق بالمنافسة ولكن هذه أمور تحل.
وأكد أن الولايات المتحدة ليست لديها مشكلة من وجود منافس لها، بل المشكلة تتمثل في وجود منافس "ذات طرق ملتوية وأساليب غير قانونية"، وهو ما يعد أساس المشاكل مع الصين، وهو ما نتمنى أن نرى تغيير ملموس من الطرف الصيني.