تتفاقم حالة "عدم اليقين" التي يواجهها الاقتصاد العالمي، تحت وطأة عديد من التطورات المختلفة، وعلى رأسها العوامل الجيوسياسية، بدءاً من الحرب في أوكرانيا وحتى تداعيات الحرب الحالية في غزة وما يصاحبها من اضطرابات واسعة، بما في ذلك التوترات في منطقة البحر الأحمر وانعكاساتها على حركة التجارة الدولية.
وفي هذ السياق، فإن صندوق النقد الدولي رصد في تقرير له أخيراً عن "أثر الصراعات والتحديات الاقتصادية في المنطقة"، أبرز العوامل التي تُعمق من حجم التأثيرات على النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:
- تأثير التصعيد في غزة على نمو اقتصادات المنطقة.
- التخفيضات في إنتاج النفط (على الرغم من استمرار النمو القوي لنشاط القطاع غير النفطي وتأثيره الإيجابي في دعم النمو لدى الدول المصدرة للنفط).
- الاستمرار في تطبيق السياسات الاقتصادية المتشددة والضرورية في العديد من الاقتصادات.
وخفض تقرير صندوق النقد الدولي نسبة النمو المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العام الجاري بنصف نقطة مئوية إلى 2.9 بالمئة، وذلك بعد نسبة نمو متواضعة سجلها اقتصاد المنطقة في العام الماضي بلغت 2 بالمئة.
كما توقع التقرير أن يظل متوسط النمو لدى الدول الأقل دخلا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنطقة السالبة، في استمرار للانكماش الحاد المسجل خلال العام الماضي، مرجعا ذلك بشكل رئيسي إلى استمرار الصراع في السودان.
الصندوق توقع أن يستمر العمل لمكافحة التضخم في معظم اقتصادات المنطقة، على الرغم من أن استمرار ضغوط الأسعار في بعض الحالات، وذلك لعوامل ذكر الصندوق أنها تختلف بحسب اقتصاد كل بلد في المنطقة.
تأثير محدود
يعلق الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قائلاً: إن التأثير الاقتصادي للحرب على غزة يمكن أن يبقى محدوداً في نطاق فلسطين ودول الجوار مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر، شريطة ألا يمتد التأثير إلى الممرات التجارية الرئيسية أو أسواق النفط.
وأضاف أرشيد: الحرب في غزة أدت إلى تأثيرات سلبية على قطاع السياحة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تسببت في انخفاض أعداد الزوار نتيجة للقيود المفروضة على السفر وإلغاء الرحلات الجوية، خاصة في البلدان المجاورة لمنطقة الصراع.
وأوضح أن هذا التراجع في حركة السياحة مرتبط بشعور عام بانعدام الأمن، وبما يدفع السائحين لاختيار وجهات يعتبرونها أكثر استقرارًا، مشدداً على أن الحالة الراهنة للسياحة في المنطقة تعكس تحديات كبيرة، حيث تعتمد عديد من الدول بشكل كبير على السياحة كمصدر هام للدخل والعملة الصعبة.
وذكر أرشيد أن الحرب في غزة لها تأثيرات متعددة على قطاع التجارة في المنطقة، وهذه التأثيرات تتراوح من معتدلة إلى شديدة بناءً على تطور الأحداث، ومدى اتساع رقعة الصراع.
أسعار النفط
وبين أرشيد أن أحد السيناريوهات يشير إلى احتمالية ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير في حال توسع الحرب، ما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع بالنسبة للتجارة العالمية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، متوقعًا أن يؤدي هذا الارتفاع في أسعار النفط إلى زيادة التضخم العالمي، وبما يضع ضغوطاً إضافية على النمو الاقتصادي ويؤثر على قدرة الشركات على تحقيق الأرباح بسبب ارتفاع التكاليف.
من ناحية أخرى، تشير التحليلات إلى أن الغاز الطبيعي قد لا يتأثر بنفس القدر الذي يتأثر به النفط، نظرًا لوجود بدائل أخرى وتحوطات قامت بها الدول الأوروبية بعد الحرب الروسية الأوكرانية. ومع ذلك، فإن التوقعات بشأن شتاء قارس قد تؤدي إلى زيادة في الأسعار.
وأكمل أرشيد أن التقديرات تشير إلى أن الحرب في غزة أدت إلى رفع مستويات المخاطر الاقتصادية في المنطقة، مما أثر على عدة محاور بما في ذلك التجارة وقطاعات أخرى مثل السياحة والنفط والأسواق المالية.
وأشار أيضاً إلى أن الدول المجاورة لغزة تأثرت بدرجات متفاوتة من هذه التداعيات، مرجعًا السبب في تخفيض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نتيجة لهذه الأزمة.
نتائج متوقعة
النتائج السابقة دفعت الصندوق إلى التوقع بأن يظل النمو العالمي دون تغيير عند 3.1 بالمئة، مساويا لنمو العام الماضي لكنه أعلى بقليل من توقعات سابقة أعلنها الصندوق في أكتوبر الماضي، على أن يترفع بشكل طفيف إلى 3.2 بالمئة في 2025.
ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم العالمي إلى 5.5 بالمئة في عام 2024 وإلى 4.4 بالمئة في عام 2025.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، توقع الصندوق أن ينخفض نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي لمصر من 3.8 بالمئة في 2023 إلى نحو 3 بالمئة في عام 2024.
ارتفاع الشحن
من جانبه، فإن الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز" إن الحرب في عزة لن ينتج عنها انكماش في الاقتصاد العالمي، لكن التأثير المتوقع لها ارتفاع تكلفة شحن البضائع حول العالم خصوصاً في أوروبا.
وتوقع الرفاعي أن ينتج عن هذا الوضع معاودة نسب التضخم للارتفاع من جديد بهذه الدول، وهذا ما سينتج عنه مخالفة توقعات خفض الفائدة حول العالم خلال 2024، مؤكدًا أنه حال اشتعال أي حرب جديدة سيكون وضع الاقتصاد العالمي على المحك.
وتهدد الاضطرابات التي تشهدها الملاحة في البحر الأحمر بتعميق آلام الاقتصاد العالمي، بعد أن قررت شركات عالمية كبرى زيادة أسعار الشحن، لتجنبها السير عبر البحر الأحمر وقناة السويس التي تمثل نحو 12 بالمئة من حركة الشحن العالمية، بسبب الهجمات على السفن التجارية، واتخاذ عديداً من الشركات مسارات بديله حول إفريقيا.
على إثر الهجمات ارتفعت تكلفة شحن البضائع بشكل ملحوظ مع استمرار شركات الشحن العملاقة في تجنب طريق البحر الأحمر الرئيسي، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن بنسبة 80 بالمئة في الأسبوع الماضي، بعد أن ارتفعت بالفعل بنسبة 50 بالمئة تقريبًا في الأسبوع السابق، طبقاً لتقرير نشرته "سكاي نيوز" البريطانية.
فوضى الاقتصاد العالمي
وإلى ذلك، ذكر خبير المخاطر المالية من الولايات المتحدة، محي الدين قصار، في تصريح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز" أنه حتى الآن فإن وضع الاقتصاد العالمي تحت السيطرة، ولن تؤثر حرب غزة على الوضع الاقتصادي عموماً.
وأضاف أن الدول الغربية قادرة على حل مشكلة المرور من البحر الأحمر، لو أرادت ذلك عمليًا.