تعد القدرة على التصدي للتحديات والصمود في وجه الأزمات مقياساً هاماً لقوة الاقتصاد الوطني، وفي هذا السياق، يبرز الاقتصاد المغربي في مواجهة للتحديات الداخلية والخارجية التي تعصف بعديد من الاقتصادات العالمية.
يشكل الواقع الاقتصادي المغربي منطلقاً لاستكشاف كيفية تحقيق هذا الصمود في ظل الأزمات المتعددة.
فيما يتعلق بالتحديات الداخلية، فإن الاقتصاد المغربي واجه مجموعة من الصدمات القوية، من بينها الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد، مروراً بأزمة الجفاف التي أثرت على القطاع الفلاحي بشكل واسع، وكذلك في ظل ارتفاع معدلات التضخم التي فرضت ضغوطاً إضافية على الاقتصاد.. تلك التحديات لا تقل أهمية عن التحديات الخارجية، حيث شكلت عبوراً صعباً يتطلب تدابير استباقية ومرونة اقتصادية.
في سياق التحديات الخارجية، واجه الاقتصاد المغربي الضغوط الناتجة عن جائحة كورونا والتأثيرات الاقتصادية العالمية الناجمة عنها، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا. يظهر الاقتصاد المغربي في هذه الظروف كقوة قادرة على مواجهة المصاعب الدولية والتكيف مع التغيرات العالمية.
على الرغم من تلك التحديات، تسعى الحكومة المغربية جاهدة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتبني خطط استراتيجية محكمة للتصدي للتحديات الراهنة. تركز هذه الخطط على تعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد المحلي وتعزيز الاستثمار في القطاعات الحيوية، مع التركيز بشكل خاص على السياحة وصناعة السيارات.
يأتي رهان الاقتصاد المغربي على عوائد السياحة وقطاع السيارات كإشارة إيجابية على تقدم هاتين الصناعتين خلال العام الماضي، مما يعكس التفاؤل بإمكانية تحقيق نمو مستدام في هذه القطاعات.
ومع ذلك، فإن التحديات المستمرة كبيرة وتتطلب مزيداً من الجهود لتعزيز الاستقرار وتعزيز قوة الاقتصاد المغربي في وجه المتغيرات الداخلية والخارجية.
قدرة على الصمود
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المغربي، علي الغنبوري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- الاقتصاد المغربي أظهر قدرة كبيرة على الصمود في وجه الأزمات المتعددة التي واجهها، سواء الأزمات الناتجة عن أسباب داخلية وخارجية.
- فقد المغرب أكثر من 400 ألف منصب شغل سنة 2020 بسبب الجائحة، وواجه تحديات واسعة جراء تبعات الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها القوية على الإمدادات العالمية في المحروقات والمواد الغذائية.
- كذلك واجه المغرب أزمات خاصة بالجفاف الذي أصبح معطى بنيوياً في البلاد وانعكاسه القوي على المجال الاقتصادي باعتبار المساهمة القوية لقطاع الفلاحة في هذا الشأن.
وأشار الغنبوري إلى أن الاقتصاد المغربي المبني على تعدد المجالات والأنشطة الاقتصادية، استطاع بفضل تحقيق نتائج قوية على مستوى صناعة السيارات بأكثر من 11 مليار دولار ومداخيل السياحة بنحو 10 مليارات دولار، والمداخيل القياسية التي سجلتها تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بأزيد من 11 مليار دولار، من تحقيق توازن مهم على المستوى الاقتصادي وسجل أكثر من من 2.7 نقطة من النمو ومن تقليص عجز الميزان التجاري بأكثر من 6 نقاط.
- ارتفع حجم السياحة الوافدة إلى المغرب في 2023 بنسبة 17 بالمئة، بحسب البيانات الرسمية.
- بلغ عدد السائحين في 2023 أكثر من 14 مليون سائح، بزيادة 3 ملايين سائح مقارنة مع العام 2022.
- بلغت عائدات القطاع السياحي في 2023 حوالي 100 مليار درهم (10 مليارات دولار)،رغم تبعات الزلزال الذي ضرب البلد، بحسب وزيرة السياحة المغربية، فاطمة الزهراء عمور.
- شكل المغاربة المقيمون في الخارج 51 بالمئة من مجموع السياح الذين زاروا المملكة العام الماضي، بزيادة 27 بالمئة مقارنة مع 2022.
وأردف الخبير الاقتصادي: على الرغم من ذلك فإن تأثير الجفاف على الفلاحة وتبعية المغرب الطاقية الكبيرة للخارج، هي عوامل تدفع إلى استمرار النسق التضخمي بشكل مرتفع رغم التراجع الطفيف المسجل هذه السنة، حيث انتقل من 6.6 بالمئة سنة 2022 إلى 6.1 سنة 2023، وهو ما يحتم على المغرب تسريع الانتقال الطاقي نحو الطاقة المتجددة، وكذلك تسريع وتيرة حل إشكالية الماء في ظل بنيوية معطى الجفاف، من خلال البرنامج الوطني للماء الذي يشتمل على إجراءات عديدة من بينها تحلية مياه البحر وربط الأحواض المائية ومعالجة المياه العادمة، بالإضافة إلى المضي قدما في المخططات الصناعية والرفع من قيمة مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام بشكل يجعلها الأساس الأبرز للاقتصاد المغربي بدل الفلاحة.
- تشير بيانات المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، إلى أن التضخم السنوي في البلاد، مقاسا بمؤشر أسعار المستهلكين، انخفض إلى 6.1 بالمئة في 2023 من 6.6 بالمئة قبل عام.
- ارتفعت أسعار المواد الغذائية، المحرك الرئيسي للتضخم في البلاد، 12.5 بالمئة عن العام السابق، فيما زاد تضخم المواد غير الغذائية 1.7 بالمئة.
- صعد التضخم الأساسي، الذي يستثني السلع الأكثر تقلبا، 5.9 بالمئة العام الماضي.
مناعة أقوى
بدوره، لفت الخبير الاقتصادي المغربي، عبدالعزيز الرماني، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه عند الحديث عن الاقتصاد المغربي نجد الكثير من المعطيات المتطورة له في الوقت الحالي، فليس هو اقتصاد الأمس، فهناك ارتفاع في الصادرات (الصادرات المرتبطة بقطاع السيارات تحديداً، علاوة على القيمة المضافة للفلاحة)، وهناك أنشطة استثمارية متعددة، ما يُعطي مناعة أقوى للاقتصاد المغربي، وتضخمه هنا لا يمكن ربطه بالمعطيات ومداخيل الإنتاج الخام النشط، ولكن بالنسبة للتضخم إذا تمت مقارنته بالعام الماضي سنجد أنه في تحسن مستمر ووصلنا لمعدل 6 بالمئة.
- تشير تقديرات وزارة الصناعة والتجارة في المغرب، إلى أن الصادرات المرتبطة بقطاع السيارات -التي تمثل بما يصل إلى ربع صادرات البلاد- تقدر حوالي 14 مليار دولار في 2023.
وأضاف: "لكن لدينا غلاء كبير في المعيشة وارتفاع كبير في المعاملات بصفة عامة، وارتفاع في المؤشرات المرتبطة بتضاؤل قدرة المواطن على مواجهة هذا التضخم الذي صعّب العجز في الميزانية وبالتالي يصعب مواجهته في الوقت الراهن، كما أن ارتفاع المديونية جعل الوضع أصعب" لافتًا إلى أن ذلك كله من التحديات القوية أمام الاقتصاد المغربي.
وتابع الخبير الاقتصادي: "المغرب يواجه تحديات كبيرة جدا، أبرزها الجفاف، كسابق قسوته على الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد.. عندما نتحدث عن ذلك، لا بُد أن نتطرق للواقع الفلاحي، والتضخم الإقليمي والعالمي والمحلي والمستورد، وهذا أيضًا من التحديات القوية التي تواجه الاقتصاد المغربي، ولا بُد من دراسة الحلول باجتهاد وابتكار لتلك المشاكل المستعصية".
واستطرد: "لا يُمكن الاعتماد على الحلول التقليدية، مثل الحلول المرتبطة بالسياسة النقدية ورفع الفائدة (..) الآن فترة التفكير في الحلول الابتكارية، ومنها: تنشيط الإنتاج الداخلي، وجاذبية الاستثمارات، وإضعاف وتقليص حجم المديونية، واللجوء لتنويع المداخيل وعدم اقتصارها على الجبايات والضرائب (..)".
من خلال هذه الحلول يمكن رفع أداء الاقتصاد المغربي، وفق الرماني، الذي لفت إلى أن هناك توجهاً قوياً نحو مواجهة الجفاف من خلال مواجهة الإجهاد المائي بإنشاء محطات لتحلية المياه، وأيضا سياسة (..)، علاوة على الجهود المرتبطة بتنويع المنتجات والصادرات، فهناك اجتهاد في الحلول ولكن يجب أن يكون اجتهادا مستداماً في تقديره.
- أظهرت بيانات رسمية أن من المتوقع نمو اقتصاد المغرب بنسبة 2.4 بالمئة خلال الربع الأول من 2024 على أساس سنوي، بدلا من 3.5 بالمئة خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية.
- ووفق المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، فإنها ترجح أن يشهد الاقتصاد المحلي اعتدالا في وتيرة نموه خلال الربع الأول من 2024".
وتوقعت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، نادية فتاح العلوي، أن يحقق اقتصاد بلادها نموا بنحو 3.7 بالمئة هذا العام، مشيرة إلى أن قانون الموازنة لسنة 2024 أخذ بعين الاعتبار المخاطر الجيوسياسية وتداعياتها على الاقتصاد.
صدمات وتحديات
في حين، رأى الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، أن:
- الاقتصاد المغربي عانى من مجموعة من الصدمات خلال السنوات القليلة الماضية، بدءًا بجائحة كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا.
- علاوة على الموجة التضخمية التي عرفها المغرب منذ نهاية 2021 وحتى نهاية العام الماضي.
- بالإضافة إلى التقلبات والتغيرات المناخية، إذ أصبح الجفاف هيكليا وبنيويا في الاقتصاد المغربي.
- لكن هذه الصلابة التي اتسم بها الاقتصاد المغربي هي نتاج كبير لما قام به خلال الـ20 عاما الماضية من تنويع لشركائها الاقتصاديين من شركاء تقليديين كفرنسا وإسبانيا واليوم أصبح هناك شركاء غير تقليديين في شرق آسيا وشرق أوروبا وأميركا اللاتينية.
وشدد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، على أهمية التنوع في قيمة الاقتصاد ذاته، من اقتصاد يعتمد على القطاع الفلاحي، إلى اقتصاد يعوّل على القطاع الفلاحي والسياحي والصناعات الغذائية، وصناعة الألبسة والنسيج، والسيارات والطائرات، والسياحة المغربية والصناعة التكنولوجية، بالإضافة إلى المغاربة حول العالم (تحويلات المغتربين).
وأكد الخبير الاقتصادي، أن المغرب يحاول تنويع مصادر اقتصاده ليصبح اقتصادًا صاعدًا من اليوم حتى العام 2035، ويكون المبتغى هو مضاعفة الإنتاج والمواد الخام خلال تلك الفترة.
وحدد جدري ثلاثة إشكالات رئيسية تواجه اقتصاد المغرب:
- الإشكالية الأولى هي الماء، فالمغرب يعمل على حل أزمة المياه بشكل أساسي من خلال تحلية مياه البحر، وإنشاء محطات تحلية للمياه وإقامة أحواض مائية.
- الإشكالية الثانية تتمثل في كلفة الطاقة، بينما يحاول المغرب رفع إنتاجه من الطاقة الجديدة والمتجددة بنسبة 52 بالمئة خلال عام 2030.
- الإشكالية الثالثة مرتبطة بالتضخم.. المغرب يحاول تقليص التضخم، وذلك من خلال موسم فلاحي جيد واستقرار الأسعار سواء في النفط أو المواد الأولية والخدمات والسلع الغذائية.
وكان البنك المركزي في المغرب قد واجه ارتفاع التضخم برفع معدلات الفائدة مرتين العام الماضي لتصل إلى 3 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ 2014، إضافة إلى استمرار دعم الحكومة لأسعار غاز الطهي والسكر والدقيق عبر صندوق المقاصة بنحو 3 مليارات دولار، إضافة إلى دعم العاملين في نقل المسافرين والبضائع وإبقاء أسعار الكهرباء دون تغيير.