أدت الهجمات التي شنها جماعة الحوثي في اليمن على مدى الأسابيع الماضية على السفن في البحر الأحمر إلى تعطيل الشحن في قناة السويس، التي تعد أسرع طريق بحري يربط بين آسيا وأوروبا ويمر عبره حوالي 12 بالمئة من حركة حاويات الشحن العالمية.

بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، الذي يتجنب بالفعل ركودًا معتدلًا في الوقت الذي يحاول فيه التخلص من التضخم المرتفع، فإن التعطيل المطول لحركة الملاحة في قناة السويس سيشكل خطرا جديدا على توقعاته وقد يعرقل خطط البنوك المركزية لبدء خفض أسعار الفائدة هذا العام.

وفيما يلي بعض العوامل التي يراقبها صانعو السياسات الاقتصادية في أوروبا بسبب هجمات البحر الأحمر أثناء تقييمهم للوضع وتداعياته.

أخبار ذات صلة

المؤسسات المالية.. تهديدات متزايدة من الهجمات السيبرانية
بعد تباطئه منذ الوباء.. هل تستعيد الصين مجد 3 عقود من النمو؟

ما هو التأثير على الاقتصاد الأوروبي حتى الآن؟

يبدو أن التأثيرات على الاقتصاد الكلي قد تكون صغيرة أو لا تذكر، وبينما أكدت وزارة الاقتصاد الألمانية أنها تراقب الوضع عن كثب، قالت هذا الأسبوع إن التأثير الوحيد الملحوظ على الإنتاج حتى الآن كان يتمثل في حالات قليلة من تعطيل أو تأخير فترات تسليم البضائع.

واتفق معه رئيس بنك إنجلترا، أندرو بيلي، قائلا في جلسة استماع برلمانية إن الأمر "لم يكن له في الواقع التأثير الذي كنت أخشى حدوثه"، في حين أقر بأن الشكوك لا تزال قائمة وحقيقية.

ولم يظهر حتى الآن أي تأثير للهجمات على المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في أوروبا - بما في ذلك أرقام التضخم لشهر ديسمبر، والتي ارتفعت قليلاً في جميع أنحاء المنطقة بسبب مزيج من التأثيرات الإحصائية المتوقعة إلى حد كبير، وبعض التأثيرات لمرة واحدة وبعض الضغوط على أسعار الخدمات.

أخبار ذات صلة

في دافوس.. حمى الذكاء الاصطناعي تزيح العملات المشفرة جانباً
لماذا تثير توترات البحر الأحمر المخاوف بشأن النفط والتضخم؟
البحر الأحمر يدخل خريطة الحرب

لكن من المؤكد أن الوضع في البحر الأحمر يمكن أن يتغير بسرعة، ومن المهم مراقبة المؤشرات القادمة لتقييم الأثر الاقتصادي الكامل:

  • قراءات مؤشر مديري المشتريات (PMI) الأولية: تقدم قراءات مؤشر مديري المشتريات (PMI) الأولية لشهر يناير في اقتصادات أوروبا، والتي ستصدر الأربعاء المقبل، مؤشرًا مبكرًا على مستوى النشاط الاقتصادي. أي تراجع كبير في القراءات مقارنة بالشهر الماضي قد يشير إلى تأثير سلبي للهجمات.
  • تقدير التضخم في منطقة اليورو لشهر يناير: سيوفر التقدير الأولي للتضخم في منطقة اليورو لشهر يناير، والذي سيصدر في أول فبراير، مؤشرًا على ضغوط الأسعار. سيراقب البنك المركزي الأوروبي عن كثب أي ارتفاعات تتجاوز التوقعات، والتي قد تعزز مخاوفه من تصاعد التضخم وتدفعه لتعديل خططه بشأن أسعار الفائدة.
  • مؤتمر صحفي لرئيسة البنك المركزي الأوروبي: ستكون تصريحات كريستين لاغارد، رئيسة المركزي الأوروبي، في مؤتمرها الصحفي بعد اجتماع تحديد أسعار الفائدة الخميس المقبل، محل اهتمام شديد. من المرجح أن تتطرق إلى الوضع في البحر الأحمر وتقييمها للآثار الاقتصادية المحتملة.

إذن، لماذا يُراقب صانعو السياسة الاقتصادية في أوروبا الوضع عن كثب؟

على الرغم من غياب الآثار الملموسة حتى الآن، فإنه لا تزال هناك مخاوف من تداعيات محتملة في المستقبل:

  • سيناريوهات التصعيد: إذا استمرت أو تصاعدت الهجمات، مما يؤدي إلى تعطيل كبير لحركة الشحن عبر قناة السويس، يمكن أن يتسبب ذلك في ارتفاع أسعار السلع ونقص الإمدادات، مما يضغط على المستهلكين والشركات ويؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.
  • عدم اليقين المستمر: حتى مع عدم وجود تأثير ملموس حتى الآن، فإن حالة عدم اليقين المستمرة بسبب الوضع الأمني في البحر الأحمر يمكن أن تؤثر على ثقة المستثمرين وتؤخر اتخاذ القرارات الاستثمارية، مما يعيق التعافي الاقتصادي.

ولكن لماذا تأخر ظهور تأثير هجمات الحوثيين على الاقتصاد الأوروبي حتى الآن؟

ربما يكون السبب الرئيسي يكمن في أن الاقتصاد العالمي يعاني بشكل عام من أداء ضعيف، مما يعني وجود فجوة في الطلب يمكنها امتصاص أي اضطرابات مؤقتة مثل الهجمات على البحر الأحمر.

أخبار ذات صلة

ما تداعيات التوتر في البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي؟
2024.. عام مليء بالفخاخ الاقتصادية

المثال الأكثر وضوحاً هو: أسعار النفط، والتي لم ترتفع بشكل كبير على الرغم من المخاوف بشأن التوترات بالشرق الأوسط، ويرجع ذلك بسبب وفرة المعروض وتباطؤ نمو الطلب العالمي، كما قال فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية لرويترز هذا الأسبوع.

والذي قال أيضا "لا أتوقع تغيرا كبيرا في أسعار النفط لأن لدينا كمية كبيرة من النفط في السوق."

من ناحية أخرى، قالت شركة الخدمات اللوجستية الألمانية العملاقة DHL إنها لا تزال لديها قدرة شحن جوي متاحة مما يخفف من الضغط على سلاسل التوريد.

غير أن هذه الصورة الاقتصادية الضعيفة تجعل من الصعب على الشركات أن تمرر إلى المستهلكين أي زيادات في التكاليف التي يواجهونها، على سبيل المثال من خلال الاضطرار إلى تغيير مسارهم حول إفريقيا. فقد تمكنت العديد من الشركات من زيادة هوامش ربحها العام الماضي ويمكنها امتصاص التكاليف الإضافية الناجمة عن إعادة التوجيه حول إفريقيا دون زيادة الأسعار على المستهلكين.

وقال آندي بوند، الرئيس التنفيذي لمجموعة بيبكو مالكة باوندلاند، لرويترز: "أفضل توقعاتنا في الوقت الحالي هي أننا قادرون على استيعاب التكلفة الإضافية التي نعتقد أنها ستأتي وما زلنا نتحملها ".

حتى إن شركة بيع الأثاث السويدية إيكيا IKEA قالت إنها ستلتزم بتخفيضات الأسعار المخطط لها، ولديها مخزون لاستيعاب أي صدمات في سلسلة التوريد. وما دام هذا هو الحال بالنسبة لعدد كاف من الشركات، فإن التعطيل لن يحرك عجلة تضخم أسعار المستهلك.

إذن.. هل يستطيع صناع السياسات الأوروبيون النظر في هذا الأمر ببساطة؟

في الواقع الإجابة هي: كلا، لأنه كلما طال أمد الاضطراب، زاد احتمال تأثيره على الصورة الاقتصادية الأوسع (الاقتصاد الكلي)، حتى ولو بشكل تدريجي.

وباستخدام توقعات صندوق النقد الدولي لتأثير ارتفاع تكاليف الشحن، قدرت أكسفورد إيكونوميكس في مذكرة بتاريخ 4 يناير أن المكاسب في أسعار النقل بالحاويات ستضيف 0.6 نقطة مئوية إلى التضخم في غضون عام.

ويتوقع البنك المركزي الأوروبي أن ينخفض التضخم في منطقة اليورو من 5.4 بالمئة في عام 2023 إلى 2.7 بالمئة هذا العام.

وخلصت دراسة لـ أكسفورد إيكونوميكس إلى أنه: "في حين يشير هذا إلى أن الإغلاق المستمر للبحر الأحمر لن يمنع التضخم من الانخفاض، فإنه سيبطئ سرعة عودته إلى مستهدف المركزي الأوروبي". ومع ذلك، فإن الدراسة لم تشر إلى أن هذا سيؤجل خطط المركزي لخفض أسعار الفائدة.

يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" " في تحليل الوضع الاقتصادي العالمي للعام 2024، يُلاحظ أن هناك تباطؤًا متوقعًا في النمو الاقتصادي العالمي مقارنة بالأعوام السابقة. ووفقًا لتوقعات البنك الدولي، نما الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.5 بالمئة في عام 2023، ومن المتوقع أن ينخفض النمو إلى 1.6 بالمئة في عام 2024.

في أوروبا، يظهر الوضع أكثر قتامة، حيث يُتوقع نمو الاقتصاد بنسبة 0.7 بالمئة فقط في العام 2024، وهو انخفاض حاد متأثرًا بارتفاع أسعار الطاقة وظروف الائتمان المشددة.

وعلى الهامش، تمثل هجمات الحوثيين والمشكلات الأوسع في الشرق الأوسط أحد "المخاطر الجيوسياسية" التي يشار إليها في محاضر مناقشات السياسة النقدية لمحافظي البنوك المركزية. الخوف هو من التصعيد، وهذا الخوف في حد ذاته قد يغذي القرارات التي قد يتم اتخاذها مستقبلا.

وأخيرا - وربما لا نزال بعيدين عن ذلك - قد تدفع الاضطرابات المتكررة والحالة الأمنية الهشة الشركات إلى إعادة التفكير في طرق شحن البضائع، والبحث عن مسارات تجارية أطول ولكن أكثر أمانًا. كما قد تلجأ الشركات إلى استراتيجيات مثل:

• "near-shoring" نقل الإنتاج إلى دول قريبة من أسواقها الرئيسية لتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الطويلة والمعرضة للاضطرابات.
• "re-shoring" إعادة الإنتاج إلى الدول الأم، وهو أقل شيوعًا بسبب ارتفاع تكاليف العمالة في العادة.

وأياً كانت الخيارات التي سيتم استكشافها من قبل الشركات، فمن المؤكد أنها ستشترك جميعها في شيء واحد ألا وهو.. "التكاليف الأعلى".

هل يتلاشى مفهوم الهبوط الناعم في 2024؟

من جانبه، يؤكد المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:

  • تصاعد التوترات الجيوسياسية في العالم خلال 2024 يعتبر أمرًا غير مُبشر، وقد ينتج عنه اختفاء مفهوم الهبوط الناعم للاقتصاد العالمي والتحول إلى الركود التضخمي حال استمرار تصاعد الأزمة في البحر الأحمر.
  • خلال الأيام الماضية هناك عديد من الشركات وعلى رأسها شركات السيارات كـ "تسلا وفولفو وسوزوكي" أعلنوا توقف عمل مصانعهم في أوروبا ونقل السيارات عبر البحر الأحمر، حتى تتضح الرؤيا بالنسبة لهم.
  • إذا ما أضفنا إلى ذلك إعلان بعض شركات الطاقة وتحديدًا المنتجة للغاز بعد نقلها منتجاتها عبر البحر الأحمر في ظل التوترات المندلعة بهذه البقعة.
  • لجوء بعض الشركات إلى طرق بديلة للنقل حول إفريقيا سينتج عنه إطالة مدة نقل المنتجات وارتفاع تكلفة التأمين وبالتالي سينتج عن كل هذه العوامل خفض المعروض وارتفاع الأسعار وأيضًا معدلات البطالة.
  • يقود ذلك العالم بسرعة إلى الركود التضخمي وليس الهبوط الناعم.

ويؤكد معطي أنه مع استمرار الأوضاع كما هي لن تصبح السياسات النقدية ممثلة في رفع أو خفض الفائدة ذات جدوى، لأن الوضع تحول من اقتصادي إلى سياسي وأمني.

تايوان والصين.. سيناريوهات الحرب