"اليابان على وشك دخول العصر الذهبي.. التغيير الهيكلي للشركات المدفوع بتفويضات جديدة من الحكومة وبورصة طوكيو سيعمل على تحسين تخصيص رأس المال"، هذا ما كتبه أتول جويال، محلل الأسهم في شركة الخدمات المالية "جيفريز" سابقاً في مذكرة للعملاء، وفقاً لتقرير نشرته شبكة CNBC.
ونقلت الشبكة أنه مع تداول نصف الشركات المدرجة بأقل من القيمة الدفترية، فإن بورصة طوكيو تضغط على الشركات لمراجعة استخدامها لرأس المال، في حين أظهر مسح أجرته "رويترز" أن نحو نصف الشركات اليابانية تتطلع إلى مراجعة أو إعادة هيكلة أعمالها لتعزيز قيمة الشركات، بما في ذلك عمليات الاستحواذ، وسط مسعى للشركات لتحسين الحوكمة، حيث تعد نتائج الاستطلاع أحدث علامة على الإجراءات الملموسة التي تتطلع الشركات في ثالث أكبر اقتصاد في العالم إلى اتخاذها لإصلاح أعمالها وتعزيز قيمتها.
ويرى محللون ماليون في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن هذا التوجه نحو الشركات المدرجة يأتي في إطار الجهود التي تبذلها اليابان لسنوات من أجل التخلص من السمعة التي تلاحق البورصة والتي ينظر إليها على أنها سوق للأسهم رخيص الثمن، فضلاً عن أن الحكومة تستهدف من إعادة الهيكلة تشجيع الشركات الراكدة في الاقتصاد وتعزيز النمو الاقتصادي للبلاد.
تعزيز قيمة الشركات
بدوره، يقول محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام: :"إن التغيير الهيكلي للشركات المدفوع بتفويضات جديدة من الحكومة اليابانية وبورصة طوكيو سوف يدفع الشركات لدمج أعمالها الأساسية مع شركات أخرى من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ أو حتى من خلال عمليات بيع الشركات وبالتالي سيؤثر هذا التوجه على تحسين تخصيص رأس المال وتعزيز قيمة الشركات، إذ أن الهدف الأساسي لضغط بورصة طوكيو على الشركات لمراجعة استخدامها لرأس المال هو تشجيع الشركات الراكدة في محاولة لتحسين قيمة الشركات المدرجة التي تعاني من أنها أقل من القيمة الدفترية".
كما أن ارتفاع قيمة الشركات يمكن أن يزيد من قيمتها في الإدراج وبالتالي يمكن أن يتيح القدرة على زيادة الدخل من الاستثمارات المتواجدة في البلاد، وفقاً لمحلل أسواق المال عزام، الذي أوضح أن إعادة هيكلة الشركات قد يكون مشجعاً للمستثمرين على المدى الطويل لكنه غير مشجع بشكل كبير على المدى القصير لأنه سيدفع الشركات إلى انخفاض ربحيتها بسبب زيادة توزيعات الأرباح أو حتى إعادة الشراء أو تجزئة الأسهم.
لكن في المقابل يشير عزام في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية " إلى أن إعادة الهيكلة ستكون بكل تأكيد مجدية اقتصادياً للبلاد لأنها ستزيد حركة الأموال والاستثمارات الموجودة داخلها من خلال تفكيك الحيازات المشتركة وإعادة شراء الأسهم وغيرها من التدابير ما سيهم في دفع عجلة الاقتصادي الياباني.
دفع عجلة الاقتصاد
ورداً على سؤال حول كيفية مساهمة هذا النهج في دفع عجلة الاقتصاد يجيب محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي: "في محاولة لتعزيز النمو الاقتصادي وخاصة بعد القراءات السلبية لهذا النمو والمخاوف من خطر الانكماش قد تكون إعادة هيكلة الشركات خطوة باتجاه إعادة الثقة في أعمال الشركات خاصة مع تعدد الشركات المساهمة، وكذلك الحد من هروب رؤوس الأموال وإبقائها للاستثمار داخلياً، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية في قطاع الشركات".
ويشرح عزام أن إعادة الهيكلة قد تكون دافعاً لفرص التمويل وقد يكون هناك انخفاض بتكلفة الاستثمار واستقرار لأسواق المال وخصوصاً أن ارتفاعات الأسهم في الفترة الماضية ووصول مؤشر نيكاي إلى أرقام تاريخية منذ ثلاثة عقود قد عزز الجاذبية بالنسبة للأسهم لذلك قد يكون هناك استثمارات أكبر في الأسهم في الفترة المقبلة.
وفي العموم فإن زيادة الاستثمار في الشركات قد يعطي دفعاً بالنسبة للاستثمارات العامة وللأسواق ما قد يعطي دفعاً للنمو الاقتصادي بالإضافة إلى إمكانية تخارج اليابان من فخ الانكماش في الفترة المقبلة خاصة مع إمكانية تغيير بنك اليابان للسياسة النقدية وتحوله من الفائدة السلبية ودخوله في دورة تجديد السياسة النقدية لأن جل ما تحتاجه الحكومة اليابانية هو محاولة دفع الاستثمارات لدعم النمو الاقتصادي في الفترة المقبلة في مواجهة دورة تجديد السياسة النقدية، وفقاً لعزام.
سوق طوكيو تصل لأعلى مستوياتها منذ 3 عقود
وبالعودة إلى تقرير الشبكة العالمية، فإن سوق طوكيو وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثة عقود وسط توقعات بأن الشركات ستعزز عوائد المساهمين من خلال تفكيك الحيازات المشتركة وإعادة شراء الأسهم وغيرها من التدابير.
ومن بين 104 شركات تم استطلاع آرائها، قال أقل من الثلث بقليل إنهم يتطلعون إلى دمج أعمالهم الأساسية مع شركات أخرى من خلال عمليات الدمج والاستحواذ، مع ما يقرب من ربعهم يتطلعون إلى بيع الشركات غير الأساسية.
وقالت الشركات التي تم استطلاع رأيها إنها شعرت بمزيد من الأعباء المتعلقة بالإدراج، حيث شهدت اليابان زيادة طفيفة في عمليات الاستحواذ على الإدارة مع تحرك الشركات للهروب من ضغوط المساهمين.
من جهته، يقول الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons" علي حمودي: "على مدى العقد الماضي، بذلت بورصة طوكيو والحكومة اليابانية جهوداً جثيثة لتحسين الإدارة في الشركات المدرجة، هذه الجهود أشاد بها المستثمرون باعتبارها علاجاً للعدد الكبير غير المعتاد من الأسهم التي يتم تداولها بأقل من القيمة الدفترية، أو أقل من قيمة أصولها".
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، ستبدأ بورصة طوكيو في إصدار قائمة شهرية بالشركات التي كشفت عن خطط لزيادة كفاءة رأس مالها. وليس على الشركات أي التزام قانوني بالكشف عن الخطط ولن تواجه عقوبة إذا لم تلتزم بها، ومع ذلك، من المتوقع أن يكون نشر القائمة بمثابة وسيلة "لتسمية وفضح" أولئك الذين لا يتأهلون بشكل غير مباشر - وحثهم على اتخاذ الإجراءات اللازمة، طبقاً لما قاله حمودي.
لكن السؤال المهم.. لماذا تطالب بورصة طوكيو بالتغيير الآن؟
يجيب الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons": "ظلت اليابان تكافح لسنوات من أجل التخلص من السمعة التي تلاحق البورصة بأنها "فخ القيمة" أي كان يُنظر إليها على أنها سوق للأسهم رخيصة الثمن وسوف تظل كذلك دون زيادة كبيرة في القيمة، حيث يتم تداول نصف الشركات المدرجة بأقل من قيمتها الدفترية، وقد اتخذت بورصة طوكيو موقفًا استباقيًا بشكل متزايد لمكافحة ذلك، حيث قامت بتشديد معايير الإدراج لقسمها "الرئيسي"، ورفع القيمة السوقية المطلوبة والتعويم الحر، وتطبيق قواعد إفصاح أكثر صرامة حول الحوكمة والتنوع والاستدامة".
ولهذا السبب دعت بورصة طوكيو إلى تحسين كفاءة رأس المال من قبل الشركات المدرجة في مارس 2023، لكن 20 بالمئة فقط من الشركات المدرجة في السوق "الرئيسية" كشفت عن تدابير محددة بحلول يوليو 2023، وهنا يتساءل حمودي.. لماذا لا تطبق البورصة عقوبات على الشركات غير الملتزمة؟ ليجيب بنفسه على التساؤل بقوله: "على عكس البلدان الأخرى، فإن الشركات في اليابان تميل إلى الاستجابة لسياسة "التشهير" وغالبًا ما تستخدم الجهات التنظيمية هذه الممارسة لدفع الشركات إلى تغيير سلوكها".