منذ خريف عام 2022، احتل الذكاء الاصطناعي التوليدي مركز الصدارة في المحادثات حول مستقبل الأعمال، وسوق العمل، فهذه التكنولوجيا الجديدة، أظهرت بسرعة أنها قادرة على فعل ما هو أكثر بكثير، من مجرد تحليل الأرقام والبيانات، وقامت بإنشاء تصاميم فنية، وكتبت مقالات صحفية وسيناريوهات لأفلام سينمائية، بشكل يوازي قدرة البشر على فعل ذلك.
ورغم أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يبدأ بعد في عرض قوته الهائلة، إلا أن قادة الأعمال والصناعة في العالم، باتوا متأكدين أنه لم يعد من المفيد مناقشة ما إذا كانت هذه التكنولوجيا "أذكى" أو "أفضل" من البشر، حيث تتركز مهام هؤلاء حالياً، على استكشاف استراتيجيات تضمن قيام تحالف بين البشر والآلة، بما يحد من نزوح الموظفين خارج وظائفهم، في وقت يتغير فيه سوق العمل بسرعة قياسية، نتيجة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
جميع الأدوار الوظيفية ستتغيّر
وبحسب المدير التنفيذي للعمليات في موقع LinkedIn دانييل شابيرو، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيعيد كتابة مختلف الأدوار الوظيفية من المهندسين ومندوبي المبيعات، والمسوقين، والمهنيين الماليين و المحامين، حيث أن هذه التكنولوجيا الجديدة ستحدث أكبر تحول في المهارات المطلوبة في سوق العمل، معتبراً أن قيمة الذكاء الاصطناعي التوليدي في سير العمل حقيقية للغاية، وقد تساهم في حصول الجيل المقبل على أسبوع عمل مدته ثلاثة أيام ونصف، فمن منظور تكنولوجي، ستعمل هذه التكنولوجيا على تحسين كيفية عمل الأشخاص بطريقة لا تشبه أي شيء رأيناه من قبل.
ودعا شابيرو الموظفين إلى تعلم كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وإلى تجربتها، والنظر فيما يمكنها فعله، لافتاً إلى أن إحدى أهم المهارات في أي وظيفة، هي فهم كيفية إطلاق العنان لقوة الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية وهذا تطور مفاجئ جداً وبات مطلوباً لتحقيق النجاح.
وأشار شابيرو في حديث لـ "بلومبرغ" إلى أنه بقدر ما سيكون هناك طلب على المهارات التقنية، سيكون هناك أيضاً طلب متزايد على المهارات البشرية مثل التواصل والإبداع، حيث ستكون المدارس الناجحة هي التي تعزز هذه الأنواع من تجارب التعلم، مشدداً على أن أفضل القرارات المهنية التي يمكن اتخاذها على الإطلاق، تتعلق بالمرونة والتكيّف مع البيئة الجديدة.
صندوق النقد الدولي يحذّر
وفي أحدث تعليق له على انتشار هذه التكنولوجيا الجديدة، قال صندوق النقد الدولي إن الذكاء الاصطناعي، قد يؤثر على قرابة 40 في المئة من الوظائف حول العالم، على نحو من شأنه تعميق اللامساواة، حيث رجّحت رئيسة الصندوق كريستالينا غورغييفا، أن تتسبب هذه التكنولوجيا في تفاقم عدم المساواة بشكل عام في معظم السيناريوهات، داعية صناع السياسات إلى معالجة هذا الإتجاه المثير للقلق بشكل استباقي، لمنع التقنية من زيادة التوترات الاجتماعية، عبر إنشاء شبكات للأمان الاجتماعي، وتوفير برامج إعادة تدريب لمواجهة تأثيرات الذكاء الاصطناعي.
وأشارت غورغييفا إلى أنه مع مواصلة تبني الشركات للذكاء الاصطناعي، فمن المتوقع أن تقدم هذه التقنية يد العون للقوى العاملة، بالتزامن مع الإضرار بها في آن واحد، لافتة إلى أن التأثير سوف يكون ملموساً بشكل أكبر في الدول المتقدمة مقارنة بنظيراتها الناشئة.
وفي الوقت الذي يتجه فيه عالم الأعمال إلى تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل متزايد، يتساءل البعض عن الاستراتجيات التي يجب اتباعها، لتحصين دور البشر في الوظائف، والتي تُظهر القيمة الفريدة التي يتمتع بها الإنسان، الأمر الذي يساعده في الحصول على وظيفة في عصر الذكاء الاصطناعي.
المتطلبات الجديدة في سوق العمل
ويقول خالد الأحمد وهو صانع محتوى في مجال بناء العلامة الشخصية ومؤسس مشروع Inhub.ai للذكاء الاصطناعي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه في ظل التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري للمهنيين والباحثين عن عمل، تطوير مجموعة من المهارات الحيوية للتأقلم مع المتطلبات الجديدة لسوق العمل، وهذه المهارات لا تشمل فقط الجوانب التقنية، ولكن أيضاً الجوانب الإبداعية والأخلاقية، داعياً العاملين والراغبين بالدخول إلى سوق العمل في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى تسليح أنفسهم بالمهارات التالية:
الفهم العميق للذكاء الاصطناعي:
يجب على المهنيين فهم أساسيات الذكاء الاصطناعي، تقسيماته وأدواته، وهذا الفهم ليس مقتصراً على المتخصصين في التقنية فحسب، بل هو ضروري لجميع القطاعات المختلفة التي تتأثر بالذكاء الاصطناعي.
البقاء على اطّلاع دائم:
مع تغيرات سوق العمل المستمرة، يجب على المهنيين متابعة آخر التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ يمكن تحقيق ذلك، من خلال متابعة قادة الفكر على منصات مثل إكس ولينكدإن.
مهارات الكتابة التسويقية:
في عالم يعتمد بشكل متزايد على التواصل الرقمي، تصبح مهارات الكتابة التسويقية مهمة للغاية، حيث أن تعلم كتابة نصوص تسويقية، تحفز مشاعر معينة لدى القارئ ما يشكل ميزة تنافسية قوية.
هندسة الأوامر في الذكاء الاصطناعي التوليدي:
يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، فهم كيفية توجيه الأوامر بشكل فعال لإنتاج محتوى عالي الجودة، ويشمل ذلك تحديد الشخصية التي يتقمصها الذكاء الاصطناعي، إضافة السياق المناسب، وصياغة الطلب بدقة.
مهارات الأمن السيبراني:
كل اختراع تقني جديد تأتي معه تحديات أمنية جديدة، لذلك، يصبح تعلم كيفية حماية البيانات والمعلومات الشخصية أمراً حيوياً في هذا العصر.
تعلم السياسات والأخلاقيات الجديدة:
للتأقلم مع التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، يجب على المهنيين تعلم السياسات والأخلاقيات الجديدة المتعلقة بهذه التقنيات.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي للتطوير المهني:
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين السير الذاتية، وتخصيصها لتناسب الشواغر الوظيفية المستهدفة، وهذه الأداة تعتبر داعماً قوياً للمهنيين في تعزيز فرصهم الوظيفية.
تحديد المهارات المطلوبة وتطوير ملف لينكدإن:
يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً مساعدة المهنيين في تحديد المهارات المطلوبة لوظيفة معينة، وتطوير ملفاتهم الشخصية على لينكدإن، بشكل يعكس قدراتهم وخبراتهم بشكل أفضل.
نقطة ضعف الذكاء الاصطناعي
من جهتها تقول ديانا عراجي، وهي الرئيسة التنفيذية لشركة The Business Horizons للتدريب والاستشارات، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صعود الذكاء الاصطناعي لا يغير حقيقة أن دور الإنسان سيظل مهماً في الوظائف، وهذا الأمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة البشرية، فالإنسان قادر على إنشاء شيء لا تستطيع الآلات أن تصنعه، فمثلاً الذكاء الاصطناعي التوليدي غير قادر على الاستجابة للمشاعر الحقيقية، مثل الاهتمام بما يفكر ويشعر به الآخرون، وهذه استراتيجية أساسية لتميّز الإنسان في هذا العصر، لذلك من الضروري على الموظفين والباحثين عن عمل، تخصيص أوقاتهم، لتنمية المهارات الناعمة، التي تساعد الفرد على التفاعل بانسجام وبفاعلية مع الناس، ومزاولة عمله على نحو أفضل.
وتشرح عراجي أن المهارات الناعمة هي المهارات غير التقنية، التي تساعدنا على حل مشكلاتنا وإدارة وقتنا، والتواصل بفعالية مع زملائنا في العمل أو خارجه، ففي وقت يمكن فيه للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يساعد على زيادة الإنتاجية والكفاءة، إلا أنه لن يمتلك أبداً مهارات مثل إدارة الوقت، التواصل الفعّال، القدرة على التكيّف، وحل المشكلات، والقيادة، والعمل مع فريق، لذا، فإن تركيز الإنسان على تطوير هذه المهارات لن يجعله متميزاً في سوق العمل فحسب، بل سيضمن دوراً مستقبلياً له في سوق العمل.
مهارات ترفع من قيمة الباحث عن وظيفة في 2024
وشددت عراجي على أن الحصول على وظيفة في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، يتطلب من الإنسان رفع قيمته في سوق العمل عبر احتضان الإمكانيات التي تجلبها هذه التكنولوجيا الجديدة، لافتة إلى أن مفتاح النجاح للباحثين عن وظيفة في 2024 يتمثل بالاعتماد على التوصيات التالية:
احتضان التعلم مدى الحياة
إن تأمين مستقبل حياتك المهنية، يحتم عليك اعتماد عقلية التعلم المستمر، حيث يمكن للدورات وورش العمل والشهادات عبر الإنترنت، أن توفر معرفة قيّمة وتعزز خبرتك، فمن خلال الاستثمار في التعلم والتطوير، تظهر القدرة على التكيف والرغبة في النمو، مما يجعلك أكثر قيمة لأصحاب العمل في سوق العمل القائم على الذكاء الاصطناعي.
تنمية شبكة العلاقات
يعد بناء العلاقات المهنية ورعايتها، أمراً بالغ الأهمية في أي مهنة، ولكنه يصبح أكثر أهمية في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تتيح لك شبكة العلاقات العامة البقاء على اتصال مع اتجاهات الصناعة، والتعلم من الآخرين واكتشاف فرص جديدة. ولذلك فإنه من المهم استثمار الوقت والجهد في بناء شبكة علاقات عامة قوية، والانضمام إلى المنظمات المهنية، والتواصل مع المتخصصين سواء عبر الإنترنت أو عبر الاتصال الشخصي.
ابق فضولياً
الفضول هي سمة ستخدمك جيداً في عصر الذكاء الاصطناعي، فمن خلال البقاء فضولياً، ستتمكن من التكيف مع التغييرات بشكل أكثر فعالية، والبقاء في الطليعة، إذ يجب على الباحثين عن وظيفة في 2024 القراءة وطرح الأسئلة، والتعمق في كيفية عمل تقنيات الذكاء الاصطناعي، واستكشاف المبادئ الأساسية وذلك من خلال المشاركة في محادثات مع الخبراء والمتحمسين، فلا يمكن لأي باحث عن وظيفة حالياً، أن يقول إنه غير مطّلع على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي.