تؤثر الاضطرابات في البحر الأحمر بشكل واسع على الأسواق، وفي ظل تصاعد المخاطر في منطقة حيوية بالنسبة للتجارة العالمية، بدءاً من الهجمات التي تستهدف السفن التجارية وما تلا ذلك من تداعيات، لجهة اضطرار شركات الشحن لتحويل المسار، ثم شن ضربات جوية من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، وغيرها من التطورات التي عززت من المخاوف وحالة عدم اليقين التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.
الذهب وباعتباره من أكثر الملاذات الآمنة في الأوقات الصعبة، عرف بقدرته على الحفاظ على قيمته في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، استفاد من تلك التوترات الجيوسياسية الحالية، وشهدت الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً.
شجعت تلك التطورات الطلب المتزايد على المعدن الأصفر كملاذ آمن، مع لجوء المستثمرين إليه كوسيلة لحماية قيمة أموالهم في ظل توقعات بمزيد من عدم الاستقرار والمخاطر الجيوسياسية. هذا الطلب المتزايد يعمل على دفع الأسعار إلى الارتفاع.
وخلال الأسبوع الماضي، دفعت التوترات الجيوسياسية أسعار الذهب إلى الارتفاع، في خط متواز مع تزايد المخاوف من تفاقم الصراع في الشرق الأوسط، وبعد الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن.
عززت تلك التطورات بريق المعدن الأصفر النفيس بوصفه ملاذ آمن، ليستقر عن 2049.06 دولارا للأونصة، بارتفاع أسبوعي نسبته 0.18 بالمئة.
وبحسب كبير محللي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مؤسسة "أواندا"، كيلفن وونغ، فإن الاهتمام سيتركز على التوتر الجيوسياسي المتزايد الذي يرى أنه كلما تصاعد درجة "يدعم أسعار الذهب فوق المتوسط المتحرك لمدة 50 يوما البالغ 2015 دولارا".
المستويات المستهدفة
من جانبه، يقول محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- أسعار الذهب تتأثر كثيراً بالتوترات الجيوسياسية، وبكل تأكيد اضطرابات البحر الأحمر خلال الفترة الأخيرة وازدياد رقعة التوترات كانت دافعاً قوياً لتحركات الذهب نحو الارتفاع منذ بداية عام 2024.
- شاهدنا ارتفاعات في الأسعار مع إغلاقات الأسبوع الماضي، ووصلت المستويات إلى 2050 دولاراً للأونصة؛ وذلك مع تصاعد المخاوف وتوجه المستثمرين للذهب كملاذ آمن، مع ارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية الأخيرة في منطقة البحر الأحمر.
وأوضح أنه خلال الفترة المقبلة ستكون هناك عدة عوامل مؤثرة على سعر الذهب، تدفعه لمواصلة الارتفاعات، وهناك ثلاث نقاط أساسية؛ وهي:
- التوترات الجيوسياسية، والتي تقود توجه المستثمرين للذهب كملاذ آمن.
- التضخم.. كون الذهب غطاء للتضخم خاصةً مع ارتفاع الأسعار مصحوباً بالاضطرابات في البحر الأحمر ومضيق باب المتحدة تحديداً مع ارتفاع أسعار الشحن، وبما يدفع أسعار المواد الغذائية وغيرها إلى الارتفاع، الأمر الذي ينعكس بدوره على ارتفاع معدلات التضخم.
- التوجه نحو خفض أسعار الفائدة؛ ذلك أن الأسواق تتوقع أن الفيدرالي الأميركي سيتجه في 2024 إلى خفض سعر الفائدة، بمقدار 6 مرات، وكان الفيدرالي قد أشار سابقًا إلى إمكانية تخفيض الفائدة نحو 3 مرات خلال 2024. ينعكس ذلك كله على مستويات أسعار الذهب بالتبعية.
ويشير عزام إلى عددٍ من السيناريوهات التي تنتظر أسعار الذهب في النصف الأول من العام، من بينها سيناريو ارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية، وبما يشكل صدمة للأسواق (..) وبينما قد لا تكون البيانات الاقتصادية ملائمة تماماً للفيدرالي الأميركي لخفض سعر الفائدة، بالتالي قد يكون هناك توازن في حركة أسعار الذهب مع وجود تداولات عرضية في مستويات الـ 2080 وحتى ومستويات الـ 1980 دولارًا للأونصة، وثبات الأسعار في هذا التداول يدفعنا لرؤية مستويات سعرية عرضية للذهب.
ويضيف: بينما في النصف الثاني من العام 2024 قد تكون هناك إمكانية لتشكيل الذهب ارتفاعات سعرية قد نشهد معها اختبارًا لمستويات القمة التاريخية بالنسبة للذهب وقد نتجاوزها وصولًا لمستويات الـ 2200 دولار ونصل لمستويات الـ 2250 دولارًا للأونصة، إذا ما شهدنا رحلة تخفيض لأسعار الفوائد في البنوك الكبرى من ناحية، ومن ناحية أخرى ازدياد حدة التوترات الجيوسياسية مع ازدياد رقعتها الجغرافية واتجاه المستثمرين لشراء الذهب كملاذ آمن.
وتسببت التوترات في البحر الأحمر في تغيير مسارات الشحن بالنسبة لعديد من الشركات، ما يؤدي إلى تباطؤ في حركة التجارة العالمية وارتفاع الكلفة. وهذا التأثير يؤدي إلى قلق المستثمرين وتوجيههم نحو الأصول الآمنة مثل الذهب.
ويمكن أن تنعكس تلك التوترات الجيوسياسية بشكل كبير على مستويات التضخم، ذلك أن اضطراب سلاسل الإمداد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، وبما يؤدي إلى زيادة في الأسعار الاستهلاكية. وفي حالة تصاعد الأزمة، يلجأ المستثمرون إلى الذهب كحافز للتحوط ضد التضخم المحتمل.
يشير الارتفاع الحاد في أسعار الذهب إلى زيادة الطلب عليه كاستثمار آمن، وربما يكون ذلك إشارة إلى توقعات المستثمرين بمزيد من عدم الاستقرار وتحديات الأمان في الأسواق العالمية.
مستويات قياسية
لكن على الجانب الآخر، يشير مدير عام "TradeSys Advisors عمرو زكريا عبده، إلى أن:
- زيادة حدة التوترات في منطقة البحر الأحمر، لن تساعد أسعار الذهب أكثر من ذلك؛ فقد شاهدنا بالفعل مع التوترات الأخيرة الأسعار ارتفعت نحو 125 دولارًا في يوم واحد.
- الذهب فعلياً يكاد يتداول قرب أعلى مستويات تاريخية وصل إليها نحو 2080 دولارًا للأونصة.
- قوة الدفع بالنسبة للذهب تتمثل في القوة الشرائية للبنوك المركزية، ومع تشبعها في الوقت الحالي وقلة وتيرة الشراء للبنوك المركزية في الثلاثة أشهر الأخيرة من 2023، يؤثر ذلك على الذهب.
ويلفت في الوقت نفسه إلى أنه مع التوترات الجيوسياسية دائماً يُفضّل المستثمرون سندات الخزانة الأميركية بشكل أكبر؛ لكونها عاليةً السيولة، كما أن العوائد عليها في الوقت الحالي خاصة سندات الـ 10 سنوات تصل إلى 4 بالمئة، وبالتالي فهي تعد منافساً رئيسياً للذهب كملاذ آمن، في حين أن الذهب ليس له أي عوائد دورية، فبالتالي الطلب الاستثماري هو ما يحدد السعر الفعلي للذهب، مؤكداً أن في مثل هذه الأحداث سيفضّل المستثمرون السندات الأميركية لكونها أكبر من ناحية العائد المادي مع سهولة تسييل السندات.
ويضيف: الشيء الآخر المهم هو أن التوترات عطلت الملاحة في البحر الأحمر بدرجة كبيرة ورفعت أسعار الشحن بشكل عام وزادت أسعار النفط، وهذه جميعها مؤشرات للتضخم أن يبدأ في الارتفاع مرة أخرى، أو لا ينخفض كما كان متوقع في السابق.
ويلفت عبده إلى أن التوترات الأخيرة بمنطقة البحر الأحمر رفعت أسعار الشحن البحري، وفي حالة استمرار الوضع ستحدث اختناقات في سلاسل الإمدادات، بما يُعطل بدوره انحسار التضخم، أو قد ينعكس للأعلى مرة أخرى، ويُجبر البنوك المركزية التي تريد خفض أسعار الفائدة، على أن تثبت سعرها مرة أخرى، أو رُبما ترفعها مرات لتوازي التضخم الذي يرتفع نتيجة ازدياد حدة التوترات، وإذا حدث ذلك سيضغط سلباً على سعر الذهب، وسنرى مستويات أقل من 2000 دولار للأونصة.