تحديات اقتصادية واسعة يواجهها العالم، تصاعدت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة، وأثرت بشكل ملحوظ على أسواق المال في ظل السياسات التشددية التي اتبعتها عديد من البنوك المركزية الرئيسية، علاوة على التطورات الجيوسياسية التي تلقي بظلالها على الاقتصادات بشكل كبير وسريع.
تفاعلت أسواق المال مع تلك التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي خلال العام 2023 المنصرم، والذي شهد تحسنًا نسبيًا في نهايته مع إشارة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي اعتزامه خفض الفائدة في العام الجديد 2024.
وتنتظر الأسواق الإجابة عن عديد من الأسئلة خلال الفترة المقبلة، تُحدد بشكل كبير اتجاهات أسواق المال على مدار العام.
أول تلك الأسئلة، طبقاً لتقرير بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، هو ما يتعلق بـ "ما هو نوع التخفيضات في أسعار الفائدة التي سيتم إقرارها؟".
- الإجماع هو أن التخفيضات المتعددة لسعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي أمر مرجح للغاية.
- تتعامل أسواق الأسهم مع هذا الأمر باعتباره خبراً طيباً بشكل لا لبس فيه.
- يبدو أن الرهان المتفق عليه هو خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مدفوعاً بتراجع التضخم، وليس القلق بشأن تباطؤ النمو أو هبوطه.
السؤال الفرعي المثير للاهتمام هنا هو ما إذا كانت السياسة المالية والنقدية سوف تكون داعمة بشكل خاص للنمو الاقتصادي هذا العام، نظراً لان هناك انتخابات مقبلة في أغلب البلدان الديمقراطية.
يجادل عديد من النقاد بأن صناع السياسات والمسؤولين سيبذلون كل ما في وسعهم في الأسواق للتأكد من دخول الناخبين إلى صناديق الاقتراع وهم "سعداء"، وذلك في إشارة لتأثير العوامل السياسية على السياسات النقدية المحتملة.
من بين الأسئلة التي يطرحها تقرير الفاينانشال تايمز أيضاً، والتي تتحدد معها عديد من أوجه واتجاهات أسواق المال، ما يتعلق بتأثير معدلات الفائدة الطويلة على الاقتصادات. كذلك الأسئلة المرتبطة بأداء أسهم التكنولوجيا بشكل خاص، باعتبارها كانت الحصان الرابح.
كما يطرح التقرير تساؤلات مرتبطة بما إذا كانت الأسواق العالمية ستظل قوية أم لا. على اعتبار أن الانتباه كان موجَّهًا نحو الأسهم الأميركية في العام الماضي، لكن باقي دول العالم أيضًا حققت أرباحًا لا سيما في نهاية العام. على سبيل المثال، تألقت الأسهم في اليابان بطريقة مدهشة، وكان هناك أداء قوي في الأسواق الناشئة خارج الصين، بخلاف أوروبا.
تقلبات عالية
من جانبه، يتوقع الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن تشهد أسواق المال خلال العام الجديد تقلبات عالية، مشيرًا إلى أن هناك عوامل أساسية تتسبب في تلك التقلبات المتوقعة هذا العام، وهي:
- التوقعات الخاصة بقيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بخفض سعر الفائدة، وهو من شأنه أن يسبب تقلبات بالأسواق.
- الانتخابات: إنه عام انتخابي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث من المقرر إجراؤها في نوفمبر القادم، ومع هذا ستشهد السوق تقلبات لعدم اليقين وانتظار من سيفوز في تلك الانتخابات.
- الاضطرابات الجيوسياسية
وتبعًا لتلك العوامل، يتوقع الرفاعي أن يكون أداء أسواق المال خلال الربع الأول من العام إيجابيًا إلى حد ما، لكن بعد هذا الربع سنشهد تقلبات عالية، موضحًا أن ذلك يرتبط بخفض الفيدرالي سعر الفائدة، مشدداً على أنه من الناحية التاريخية فإن تأثير الخفض عادة ما يكون سلبيًا على أسواق المال.
تثبيت سعر الفائدة
وذكر الرفاعي، أن أفضل سيناريو لأسواق المال خلال العام الجديد هو أن يظل موقف مجلس الفيدرالي الأميركي كما هو، وعدم رفع سعر الفائدة أو خفضه.
وفي ديسمبر الماضي أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أسعار الفائدة دون تغيير، وذلك للمرة الثالثة على التوالي، لتظل عند مستوى يتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة، وهو الأعلى منذ 22 عاما.
وفي أحدث توقعاته الاقتصادية أشار الفيدرالي إلى أن التشديد التاريخي للسياسة النقدية الأميركية بلغ نهايته وأن تكاليف الاقتراض ستنخفض في 2024، حيث توقع انخفاضا بمقدار 75 نقطة أساس خلال العام الجاري.
عوامل تحدد اتجاهات الأسواق
من جهته، عدَّدَ المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، العوامل التي سيتحدد بناء عليها اتجاهات أسواق المال في 2024، وهي كما يلي:
- أسعار الفائدة، فمن المتوقع أن تتراجع الفائدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي حافظ أخيراً على أسعار الفائدة ثابتة، عند مستواها المرتفع تاريخياً.
- الأسهم الأميركية ستشهد مزيدًا من الارتفاعات خلال 2024 بسبب وجود قوة في التوظيف والتماسك في الناتج المحلي الإجمالي الذي وصل إلى 4.9 بالمئة.
- أسواق الأسهم ترتفع مع بيانات الأرباح الخاصة بالشركات وتتأثر بالناتج المحلي، لذا أميركا ستستفاد من قوة التوظيف وتماسك إنتاجية الاقتصاد، وفي نفس الوقت ستنخفض الفائدة.
أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية، في ديسمبر الماضي، أن أكبر اقتصاد في العالم قد أضاف وظائف بالقطاع الخاص بواقع 199 ألف وظيفة في نوفمبر الماضي بأكثر من التوقعات البالغة 180 ألف وظيفة. كما أضاف الاقتصاد الأميركي وظائف في القطاع الخاص غير الزراعي بواقع 150 ألف وظيفة في شهر نوفمبر، ولكن أقل قليلا من التوقعات البالغة 153 ألف وظيفة.
وتراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة الأميركية خلال شهر نوفمبر الماضي إلى 3.7 بالمئة، مقابل توقعات أن يبقى المعدل دون تغيير عن مستواه في أكتوبر عند 3.9 بالمئة.
وفي أوروبا، قفز التضخم في منطقة اليورو خلال ديسمبر، مما يدعم موقف البنك المركزي الأوروبي لإبقاء أسعار الفائدة عند مستويات قياسية لبعض الوقت، حتى مع استمرار الأسواق بالرهان على انخفاض سريع في تكاليف الاقتراض.
وتوقع المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، ارتفاعات واسعة خلال 2024 في أسواق المال، خاصة أسهم الذكاء الاصطناعي، بعد أن حققت في العام الماضي 2023 حوالي 17 بالمئة من الارتفاعات العالمية، وأن تقود الأسهم الأميركية، خاصة وأن الإدارة الأميركية تدعم هذا القطاع ليكون رائدًا.
لكنه رجح أن يشهد الربع الأول من العام الجاري تراجعاً في البورصة الأميركية، قد يكون في حدود الخمسة بالمئة، موضحًا أنه سيكون هبوطًا تصحيحيًا لجني الأرباح وبناء فرص جديدة لمزيد من اوردرات الشراء مع بدايات خفض الفائدة.
تحركات إيجابية
وأشار إلى أن ارتفاع الأسهم الأميركية في ظل أن الفيدرالي الأميركي كان قد أشار لتوقعه خفض الفائدة ثلاث مرات في عام 2024، وبالتالي تحرك السوق بناء على الخبر الذي يعتبر شائعة حتى الآن لأنه لن يحدث بالفعل، متوقعًا حدوث تصحيح مع الربع الأول من العام ومع بداية التخفيض الذي من الممكن أن يكون وفقا لتوقعات الأسواق في نهاية الربع الأول خلال شهر مارس.
وعلى العكس من تقديرات الرفاعي، فقد أكد معطي على أن خفض الفائدة مفيد للأسواق لأنه ينعش الاستثمار ويزيد من فرص حصول الشركات على قروض، ما سيتيح لها التوسع بمشروعاتها ويعود عليها بزيادة الربحاية وتوافر الأموال السائلة لدى المستثمرين عند تحويلها من البنوك للبحث عن بدائل أخرى تسمح لهم بالاستثمار.