تشهد الأسواق العالمية تحولات هائلة في سوق العمل، حيث تتسارع وتيرة التكنولوجيا وتنغمس الشركات في الثورة الرقمية.

ويتضمن مستقبل سوق العمل تغيرات جوهرية يتعين أن يكون لدى الجميع رؤية استراتيجية لفهم تأثيرات هذه التحولات.

يأتي في مقدمة تلك التحولات ما يتعلق بثورة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، ذلك أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تلعب دورًا حيويًا في تحديث سوق العمل.

أخبار ذات صلة

البنك الدولي: 2023 عام انعدام المساواة والفقراء يدفعون الثمن
الذكاء البشري والاصطناعي.. منافسة متجددة في 2024

ويتوقع أن يؤدي التطور المستمر في هذا المجال إلى تحسين الكفاءة وتحويل الطرق التقليدية للعمل.

وسيتطلب المستقبل العمل على نحو متزايد من المهنيين أن يكونوا على دراية بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وقدرتهم على التفاعل معها.

ويشار كذلك إلى تأثير التكنولوجيا في تطوير الأعمال، إذ تتيح التكنولوجيا فرصًا جديدة لتطوير مختلف الأعمال، سواء كان ذلك من خلال تحسين عمليات الإنتاج أو تحقيق تفاعل أفضل مع العملاء.

كما أن منصات التواصل والابتكار في التكنولوجيا تمنح الشركات الفرصة للابتكار وتكوين تفوق تنافسي.

ومن بين المتغيرات المستمرة، ما يتعلق بانتشار نماذج العمل من المنزل، فقد شهدت تجربة العمل عن بُعد طفرة كبيرة، ومن المتوقع أن يظل هذا النموذج جزءًا كبيرًا من مستقبل سوق العمل.

ويتطلب هذا التحول مهارات جديدة لإدارة الوقت والاتصال الافتراضي، ويفتح أبوابًا للتنوع والتكامل بين الحياة الشخصية والعمل.

أما لجهة التحديات المستقبلية الناجمة عن تلك التحولات، فإنها تتمثل في ضرورة تطوير المهارات، إذ سيكون تحديًا رئيسيًا تأهيل القوى العاملة لمواكبة تطور التكنولوجيا وفهم كيفية التفاعل معها.

علاوة على التحديات المرتبطة بالأمان وحماية البيانات، فمع مع زيادة استخدام التكنولوجيا، ستزيد أهمية الأمان السيبراني وحماية البيانات.

أخبار ذات صلة

افتتاح أعمال المؤتمر الدولي لسوق العمل بالرياض
اقتصاد أميركا يضيف وظائف جديدة بأكثر من المتوقع في نوفمبر

الذكاء الاصطناعي

وفي حلقة إذاعية نشرت نشرتها صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانية عبر موقعها الإلكتروني أخيراً، قدم خبراء تصوراتهم لمستقبل سوق العمل في العام 2024.

واستحوذ ملف "الذكاء الاصطناعي" على الأولوية في سياق هذا النقاش، وقال محلل الأخبار الأميركي أندرو جونسون: "إنه (الذكاء الاصطناعي) الأمر الواضح.. لكنني أعتقد بأن هذا هو العام الذي تتحول فيه كل الأشياء التي قرأناها عن الذكاء الاصطناعي إلى شيء يؤثر فعليًا على حياتنا العملية".

العمل من المنزل

الملف الثاني كان يتعلق بالعمل عن بعد مقابل العودة إلى المكاتب، وعلق جونسون، في هذا السياق مستشهداً بالوضع في الولايات المتحدة، بقوله:

  • على المستوى الوطني، في الولايات المتحدة، لا يزال عدد ركاب وسائل النقل العام أو وسائل النقل العام عند حوالي 77 بالمئة مما كان عليه قبل الوباء اعتبارًا من نوفمبر؛ لذا فإن حوالي ربع الأشخاص الذين كانوا يتنقلون إلى أماكن العمل قبل أربع سنوات لم يعودوا يفعلون ذلك.
  • هناك مجموعة بيانات مفيدة جدًا تم جمعها من قبل مجموعة تسمى Castle Systems، والتي تصنع أنظمة الوصول إلى المباني، بحيث تكون بمثابة بطاقات ممغنطة للوصول إلى المكاتب؛ لقد وضعوا مقياسًا أسبوعيًا لإشغال المكاتب، ولا يزال يحوم حول 50 بالمئة مما كان عليه قبل الوباء.
  • هناك اختلاف كبير في الواقع بين المدن المختلفة. إذ تبلغ النسبة 40 بالمئة فقط في سان فرانسيسكو، لكنها تبلغ 60 بالمئة في هيوستن. لكن تلك الأمور كانت ثابتة إلى حد ما خلال العام.

فيما أثار كبير كتاب الأعمال في الصحيفة، أندرو هيل، قضية العقارات المكتبية، موضحاً أن هناك الكثير من المساحات المكتبية الشاغرة (..) ولا يزال من الصعب بعض الشيء أن نعرف كيف سينتهي الأمر.

كما تطرقت الحلقة إلى دور النقابات العمالية المؤثر في سياق علاقات العمل، لا سيما وبعد أن سجل العام الماضي حراكاً من جانب النقابات في عديد من البلدان.

أخبار ذات صلة

بريطانيا تعلن عن خطط لتقليص أعداد المهاجرين
تسارع نمو الاقتصاد الأميركي إلى 5.2% بالربع الثالث

تأثير إيجابي

الخبير الاقتصادي بلال شعيب ينظر بإيجابية لتأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على سوق العمل في العام الجديد وفي المستقبل بصفة عامة، موضحًا أن التكنولوجيا عملة ذات وجهين، فهي تتسم بدقة أكبر وسرعة في إنجاز الأعمال ومن ثم قد تؤثر على الأيدي العاملة التي يحتاجها العمل، فما كان يتطلب عشرة من الأيدي العاملة في وقت سابق يمكن إنجازه اليوم بشخص أو اثنين فقط.

وأضاف لدى حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "بصفة عامة تأثير التكنولوجيا سيكون أكثر إيجابية حتى على مستوى الأيدي العامة وفرص العمل، ذلك أن التكنولوجيا الآن دخلت بقوة في كل مجالات الصناعة والتغليف.. كما أنها أسهمت في الحفاظ على الأيدي العاملة من المخاطر التي يتعرضون لها.. فنحو 15بالمئة من الأيدي العاملة تتعرض لمخاطر الإصابة أثناء العمل خاصة في الصناعات الهندسية، كما أن نحو 20 بالمئة من الأيدي العاملة على مستوى العالم معرضة أيضًا للإصابة بالأمراض الناجمة عن بيئة العمل.. وهذا ما يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تحول دون حدوثه".

ومن المزايا التي يراها شعيب في مستقبل سوق العمل في ظل استخدام التكنولوجيا الحديثة زيادة مستوى الإنتاجية وبمعايير جودة اعلى، فبدلا من الاضطرار إلى تقسيم ورديات العمل على أكثر من فترة على مدار اليوم للحد من تعب العاملين، فإن الآلة تعمل 24 ساعة بلا كلل، ومن ثم تتضاعف الإنتاجية والربحية وتقل مخاطر التشغيل وتكلفته.

أي انعكاسات سلبية؟

وبشأن الانعكاسات السلبية لتوظيف التكنولوجيا في سوق العمل والمتمثلة بالأساس في استبدال الآلة بدلا من الإنسان وبالتالي زيادة معدلات البطالة، يرى شعيب أن هذه نظرة قاصرة للتكنولوجيا، موضحًا أن التكنولوجيا وإن كانت تقلل الاعتماد على الأيدي البشرية العاملة، فإنها في الوقت ذاته تتيح فرصًا جديدة وبأقل قدر من الإمكانات لفتح أبواب رزق جديدة، على سبيل المثال التجارة الإلكترونية، والتي باتت بابًا مشرعًا أمام الجميع للبيع والتسويق والشراء دون الحاجة إلى أماكن عرض ولا تكاليف تشغيل، قد لا يحتاج الأمر سوى تطبيق يدير عملية البيع والشراء، وبالتالي فرص عمل أكبر، تسهم في تشغيل مزيد من الأيدي العاملة، ليس فقط من يبيع ومن يشتري، بل ومن يقوم بتصنيع هذا المنتج، وحتى توصيله إلى المشتري.

أخبار ذات صلة

أزمة المناخ تفاقم فاتورة خسائر الاقتصاد العالمي
رغم التباطؤ بسوق العمل.. طلبات إعانة البطالة بأميركا تتراجع

التجارة الإلكترونية

وتابع شعيب: "التجارة الإلكترونية اليوم أضحت بابًا عريضًا لكثير من الفرص أمام الراغبين في العمل، الواقع الافتراضي أرغم العالم على آليات جديدة للسوق، وبدلا من التخوف من تراجع فرص العمل أمامنا أمثلة عديدة على الاستفادة من هذه التكنولوجيا حتى في بلدان كثيفة الأيدي العاملة، مثل ماليزيا وبنجلاديش ودول شرق آسيا والصين، والتي حققت طفرات كبيرة من خلال المشروعات متناهية الصغر".

كما أشار كذلك إلى ميزة جديدة للتكنولوجيا بالنسبة لسوق العمل وهي "التكنولوجيا المالية" مؤكدًا أنها لا تقل أهمية عن توظيف الآلة في مختلف مجالات الحياة الأخرى، فاليوم تتم الوساطة والاستثمارات من خلال تطبيق يشن على هاتفك المحمول، والأمر لا يقتصر على الميكنة المالية فحسب، بل أصبح لدينا اليوم بنوك افتراضية إلكترونية في العالم العربي، وأصبح الحصول على قروض للمشروعات لا يستغرق وقتًا كما كان في السابق، ومن ثم انعكس ذلك إيجابيًا على الاقتصاد وإنجاز المشروعات.

من المزايا الأخرى التي رصدها شعيب لاستخدام الذكاء الاصطناعي في سوق العمل الحد من معدلات التلوث، وتحقيق أعلى معدلات الأمان البيئي، ومواجهة التغيرات المناخية والتصحر ونقص الموارد المائية، والتوظيف الأمثل للطاقة.. كذلك الاهتمام بملف الهيدروجين الأخضر، وتقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية، فدولة مثل الإمارات على سبيل المثال تمتاز بدرجات الحرارة المرتفعة يمكن استخدامها لإنتاج الطاقة الشمسية كبديل للطاقة التقليدية، وبالتالي تحقيق فائدة مزدوجة.

واختتم الخبير الاقتصادي حديثه بالتأكيد على أهمية التكنولوجيا الحديثة في الحفاظ على الرقعة الزراعية وزيادة رقعتها وزيادة إنتاجيتها، ومن ثم مواجهة مخاطر نقص الغذاء عالميا، مشيرًا إلى تجربة مصر في تغطية الترع (المصارف المائية) باستخدام التكنولوجيات الحديثة، والتي كان من شأنها القضاء على عوامل التلوث، والحفاظ على الثروة المائية وتعظيم الاستفادة منها في زيادة الإنتاجية الزراعية.