تواصل المؤشرات الأميركية أداءها القياسي، مع موجة صعود متواصلة تقترب من الأسبوع الثامن على التوالي، بدعمٍ من ارتفاع معنويات المستثمرين بشأن انتهاء دورة التشديد النقدي، واتجاه الفيدرالي الأميركي إلى خفض الفائدة في العام المقبل 2024، وهو ما ألمح إليه البنك في اجتماعه الأخير الذي أبقى خلاله على أسعار الفائدة دون تغيير.
وتتجه جميع المؤشرات الرئيسية الثلاثة نحو تحقيق مكاسب في ديسمبر وللعام 2023 بأكمله، حيث تعتمد الأسهم على المكاسب الأخيرة ويتطلع المستثمرون إلى تخفيضات أسعار الفائدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي في العام الجديد.
ارتفع مؤشر S&P500 بنسبة 4.4 بالمئة هذا الشهر و24.2 بالمئة منذ بداية العام حتى الآن، في حين أضاف مؤشر داو جونز بنسبة 4.5 بالمئة و13.3 بالمئة على التوالي. وارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 5.5 بالمئة لشهر ديسمبر و43.4% لعام 2023، مما يضعه على المسار الصحيح لأفضل عام له منذ عام 2020.
فإلى أي مدى يمكن للمؤشرات الأميركية الحفاظ على تلك المستويات في العام المقبل، في ظل التوقعات الاقتصادية الحالية، ومع ترقب الأسواق للانتخابات الرئاسية؟
تحركات إيجابية
يقول محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- يمكن الحديث عن تحركات الأسهم في الفترة الأخيرة -تحديداً في الربع الرابع من العام الجاري- على أنها كانت إيجابية؛ خاصة بضغط من مشاعر المستثمرين الإيجابية لتحركات الأسهم؛ نظرا لتوقعات الأسواق بإمكانية تخفيض الفائدة في العام 2024، مع تغير نبرة الفيدرالي في اجتماعه الأخير بشأن اتجاهه نحو خفض الأسعار.
- كذلك فإن اندفاع الأسواق وتشكيل هذه المشاعر الإيجابية، يأتي بشكل خاص في ديسمبر الذي يسبق الانتخابات، والذي عادة ما يكون الأفضل أداءً تاريخياً.
- من ناحية أخرى، ثمة مجموعة من العوامل التي دعمت هذا الاتجاه، بعد قرار الفيدرالي وحديثه بشأنه الاتجاه لخفض الفائدة، وكذلك وصول عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات إلى أقل من مستويات 4 بالمئة، وانخفاض معدلات الرهن العقاري بأقل من 7 بالمئة، بخلاف انخفاض أسعار النفط بما يقارب 24 بالمئة من الذروة (التي كانت 95 دولاراً في سبتمبر) وصولاً إلى 71 دولاراً، علاوة على انخفاض أسعار الوقود في الولايات المتحدة في نوفمبر.
دفعة للأسهم الأميركية
ويشير عزام، إلى أن هذه العوامل جميعها أعطت دفعة جيدة بالنسبة للأسهم الأميركية لتسجيل ارتفاعات قياسية، مشدداً على أن خفض الفائدة يعتبر أمراً إيجابياً نوعاً بالنسبة لأداء الأسهم، لا سيما أنه عندما تكون تكاليف الاقتراض أقل فإنها تعطي ربحية أكبر للشركات، وكذلك طلباً أكبر، وهو ما يعطي دفعاً إيجابياً بالنسبة لنمو أرباح تلك الشركات.
وأبقى الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه الأخير في 2023، وأشار إلى أن التشديد التاريخي للسياسة النقدية على مدار العامين الماضيين ربما وصل إلى نهايته وأن أسعار الفائدة ستبدأ في التراجع في 2024.
ولفت عزام إلى أن هذه العوامل تدعم التوقعات الإيجابية بالنسبة لأداء المؤشرات الأميركية، فعلى سبيل المثال تشير التوقعات إلى ارتفاع مكاسب ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 12 بالمئة (ارتفاعاً من توقعات سابقة في حدود 8 بالمئة).
ويستطرد: "إن خفض أسعار الفائدة من شأنه إعطاء على الاقل دفعة لتوقعات ارتفاع نمو أرباح المؤشرات الأميركية"، مستشهداً كذلك بالأداء القياسي الذي حققه مؤشر داون جونز الصناعي، والمستويات التي اخترقها ناسداك أخيراً.
الشركات الصغيرة
الملفت للنظر في هذا السياق –بحسب عزام- الأداء الإيجابي لمؤشر "راسل"، وهو مؤشر الشركات الصغيرة، والذي سجل أرقاماً غير مسبوقة منذ 54 أسبوعاً، في ظل ارتفاعات بشكل متسارع، معتبراً أن "هذا التطور الإيجابي –الأعلى تاريخياً منذ السبعينيات- يعطي فكرة واضحة عن أنه حتى معنويات الشركات الصغيرة صارت إيجابية بشكل أكبر".
ويتابع: "الشركات الصغيرة بكل تأكيد تضررت بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.. وبالتالي فإن الاتجاه نحو خفض الأسعار يعطي مؤشراً بشأن الأداء الإيجابي".
لكن على الجانب الآخر، فإن محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، يتحدث في معرض تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن أبرز المخاوف التي تلاحق الاقتصاد الأميركي، وعلى رأسها المخاوف المرتبطة بدخول الولايات المتحدة في مرحلة ركود في العام المقبل 2024، كما أشار رئيس الفيدرالي جيروم باول في آخر مؤترم صحافي له، لجهة الجهود المبذولة من أجل ضمان الابتعاد عن سيناريو الركود، والدخول في "هبوط ناعم وسلسل" بمعنى تسجيل تباطؤ التضخم مع الحفاظ على النمو الاقتصادي.
هذا "الهبوط السلس" سيشكل بدوره "السيناريو الأمثل" بالنسبة للأسهم الأميركية بشكل عام، وأسهم قطاع التكنولوجيا بشكل خاص.
وكان رئيس الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، قد أكد في مؤتمره الصحافي عقب الاجتماع الأخير للبنك على أن ثمة احتمالاً أن ينزلق الاقتصاد الأميركي في ركود العام المقبل. وأفاد بأن الفيدرالي يعتمد على البيانات الاقتصادية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات.
وخلال جلسة الأمس، ارتفعت الأسهم على نطاق واسع خلال التعاملات العادية يوم الثلاثاء، ليرتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.59 بالمئة واقترب من إغلاقه القياسي والأعلى خلال اليوم الذي سجله في يناير 2022. كذلك مؤشر ناسداك المركب ارتفع بنحو 0.7 بالمئة (محققاً بذلك تاسع مكاسب يومية على التوالي) ليغلق فوق مستويات 15 ألف نقطة للمرة الأولى منذ يناير 2022. وقفز مؤشر داو جونز بنسبة 0.66% ليتجاوز مستوى 37500 نقطة لأول مرة في تاريخه.
الآثار المحتملة لتباطؤ الاقتصاد
من لندن، يقول خبير الاقتصاد الدولي، محمد يسلم الفيلالي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- من المرجح أن يتباطأ نمو الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة في العام 2024 بسبب عوامل مثل انخفاض المدخرات وركود الأجور.. إلخ.
- هناك أيضًا مخاوف بشأن انخفاض الاستثمار وارتفاع حالات التخلف عن سداد قروض من قبل الشركات الأميركية التي تواجه أقساطًا في 2024 قد تناهز 2 تريليون دولار.
ويوضح أن الآثار المحتملة لتباطؤ الاقتصاد قد تضغط سلبًا على أرباح الشركات و تؤثر على أسعار الأصول، ما يشكل مخاطر على التقييمات المرتفعة الحالية، وذلك بالرغم من أن المستثمرين في الأسواق الأميركية أبدوا استعدادهم لدفع تقييمات مرتفعة للأسهم.
ويضيف: "نتوقع انخفاض أرباح الشركات الأميركية، ولكننا نتوقع أيضًا أن يظل المستثمرون على استعداد لدفع أسعار أعلى مما كانت عليه في 2023".
ويتحدث في السياق عن أسهم التكنولوجيا، قائلاً:
- توقعاتنا تشير إلى أن هناك عوامل ستدفع أسهم التكنولوجيا إلى الارتفاع في عام 2024.
- تتلخص تلك العوامل في تغير وجهة الاحتياطي الفيدرالى في ما يخص النبرة و المستوى الفعلي للفائدة، علاوة على سياسة خفض التكاليف التي تبنتها شركات التكنولوجيا الكبيرة؛ زيادة وتيرة دمج الذكاء الاصطناعي في النشاطات الاقتصادية المتنوعة.
ويوضح الفيلالي فيما يخص اتجاهات السياسة النقدية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أنه من المتوقع أن يحافظ على سعر فائدة عند مستوى 5.25 - 5.5 بالمئة حتى بعد الانتخابات الأميركية، أي أواخر عام 2024، في تقديره، مشيراً إلى أنه "من المرجح، كسيناريو ثاني، أن يقوم الفيدرالي بتخفيض بمقدار 50 نقطة أساس في الربعين الثالث والرابع".
أداء اقتصادي أفضل
وإلى ذلك، يشير الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، حميد الكفائي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- أداء الأسهم الأميركية سيكون جيداً في 2024، بشكل أفضل من العام 2023، لأسباب عديدة.
- من بين تلك الأسباب: تحسن البيئة الاقتصادية والاستثمارية مع الاتجاه إلى خفض أسعار الفائدة، وخفض التضخم.
- هناك أيضاً قدر من التفاؤل في الولايات المتحدة بعد نجاح مجلس الاحتياطي الفيدرالي في درء الأزمات المالية، خصوصاً الأزمات التي عصفت بالبنوك الاميركية وانهيار أربعة بنوك خلال هذا العام.
- هناك ثقة من جانب المستثمرين وكذلك المودعين في إجراءات البنك الفيدرالي، وكذلك بإجراءات وزارة الخزانة الأميركية.
- المؤسسات المذكورة طمأنوا الأميركيين بأن أموالهم في مأمن ولا خوف عليها، وقد عوض مجلس الاحتياطي الفيدرالي المودعين الذين خسروا ودائعهم حتى أولئك الذين فاقت ودائعهم 250 ألف دولار. (تأمين الفيدرالي الودائع).
كما يشير إلى الإعانات المالية التي قُدمت لعديد من الشركات، خصوصاً الشركات المنخرطة في إنتاج أشباه المواصلات (..) ومع التركيز الآن على الداخل الأميركي، أي أن المنافسة من الخارج لم تعد قوية، وبالتالي فإن الشركات الأميركية تشعر بارتياح في هذا السياق.