منذ بدايته قبل أكثر من أسبوع، استطاع مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28، المنعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة، رفع سقف الآمال والطموحات نحو مخرجات استثنائية تشكل مرحلة فارقة في تاريخ العمل المناخي.
وتتواصل المفاوضات المكثفة خلال الأيام الأخيرة من مؤتمر الأطراف، قبل ختام القمة يوم الثلاثاء المقبل، والتي من المنتظر أن يتم خلالها حسم عدد من الملفات، لتشكل مرحلة جديدة من مساعي الدول للتوافق حول قرارات ونتائج ملزمة تسهم في الحد من التداعيات والآثار المتوقعة للتغير المناخي.
فما هي أبرز المخرجات المأمولة في ضوء النجاحات الواسعة التي حققها المؤتمر منذ يومه الأول؟ وكيف يمكن أن تشكل تلك المخرجات محطة فاصلة وبداية جديدة في مساعي العالم لمواجهة التغيرات المناخية؟
قرارات مأمولة
من جهته، استعرض عضو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، استشاري التغيرات المناخية في الأمم المتحدة، سمير طنطاوي، خلال تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بعضًا من الملامح المبدئية التي من المتوقع أن يسفر عنها الأسبوع الثاني من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ "كوب 28"، في دبي، ومن ثم ينتج عنها المخرجات النهائية للقمة، ومن تلك الملامح المتوقعة:
- الاتفاق على الهدف العالمي لتمويل المناخ، وهو ما قد يحقق بعضًا من النجاحات في هذا الإطار.
- حسم الملف الخاص بالوقود الأحفوري وهو موضوع شائك، من المتوقع أن يحقق بعضًا من التقدم.
- الوصول للهدف العالمي للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، وهو مطلب من الدول النامية، لذا من المتوقع أن تضغط تلك الدول خلال الأسبوع الثاني، ليسفر هذا الضغط عن نتائج ملموسة خلال المفاوضات النهائية.
- توجيه رسائل سياسية قوية، فنظرًا إلى أن الجهود العالمية لخفض الانبعاثات ليست بالمستوى المطلوب من أجل تحقيق انخفاض 1.5 بالمئة درجة من الانبعاثات وفقًا لاتفاقية باريس، من المتوقع أن يشهد ختام المؤتمر بعض الرسائل السياسية القوية الموجهة تحديدًا للدول بازغة النمو والتي تستهلك كمية كبيرة من الوقود الأحفوري.
- إقرار توفير نظام إنذار مُبكر يغطي الكرة الأرضية بأكملها لتستفيد منه الدول النامية على غرار الدول الغنية، بهدف الحد من الخسائر خاصة البشرية منها في حالة الكوارث المناخية.
وأكد استشاري التغيرات المناخية في الأمم المتحدة، أن التغيرات المناخية تؤثر سلبًا على كل الدول سواء كانت غنية أو فقيرة أو دول أكثر فقرًا، لافتًا إلى أن العام 2023 من المتوقع أن يعلن بعد نهايته أنه أكثر الأعوام احترارًا منذ تاريخ القياس، وهو ما ينوه إلى أن التغيرات المناخية تزداد حدة من حين لآخر خاصة في ظل عدم اتخاذ إجراءات لمواجهتها بشكل حاسم.
- قال علماء من الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، إن عام 2023 سيكون العام الأكثر دفئا على الإطلاق، إذ بلغ متوسط درجات الحرارة العالمية خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام الأعلى على الإطلاق، وأصبح أعلى من 1.46 درجة مئوية عن مستويات المتوسط بين عامي 1850 و 1900.
- بحسب هيئة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن درجة الحرارة التي جرى تسجيلها في الفترة من يناير إلى نوفمبر كانت أعلى بمقدار 0.13 درجة مئوية عن متوسط الفترة نفسها من عام 2016، والذي يعد حاليا العام الأكثر دفئا على الإطلاق.
- وفقًا لمؤسسة ديلويت، فإنه كلما ازداد ارتفاع درجات الحرارة أصبح العالم أكثر عرضة للمزيد من تداعيات التغير المناخي من كوارث طبيعية وغيرها وهو أمر قد يكبد الاقتصاد العالمي مايصل إلى 178 تريليون دولار حتى العام 2070.
آليات جادة للتنفيذ
وشدد عضو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، على أن الخروج من القمة بقرارات ملزمة وآليات جادة يتوقف على، عدة عوامل من شأنها أن تتسبب في نجاح نتائجها لتكون ذات أثر واقعي، وعدد تلك العوامل فمنها:
- توافر الإرادة السياسية.
- وجود آلية لمتابعة تنفيذ القرارات وضمان التنفيذ الكامل والفاعل للقرارات التي سيتم اتخاذها، وكذلك آلية للمحاسبة على عدم التنفيذ.
- أن تتسم القرارات في نهاية كوب 28 بالموضوعية وأن تأخذ بالاعتبار الظروف الوطنية في كل دولة وقدراتها، فقدرات بعض الدول محدودة، خاصة وأن هناك دولاً تعاني مشاكل داخلية بين الاقتصادية والنزاعات الداخلية على سبيل المثال، لذا حتى يتخذ المؤتمر قرارات ويتم تنفيذها لابد أن تتسم بالموضوعية.
- توفير وسائل التنفيذ المتمثلة في التمويل والتدريب ونقل (التكنولوجيا)، مشددًا على ضرورة توفير التكنولوجيات الحديثة الخاصة بالتخفيف والتكيف للدول النامية على أسس تفضيلية وليست أسس اقتصادية.
ملفات ساخنة
من جانبه، قال أستاذ الدراسات البيئية عبدالمسيح سمعان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه في ضوء ما شهدته قمة مؤتمر المناخ هذا العام في دبي خلال الأيام الماضية، من طرح ملفات ساخنة على مائدة المفاوضات، فهناك عدد من الأمور التي من المتوقع أن تحسم ويعلن عنها خلال الختام لتصبح نسخة مميزة من القمة.
وأوضح أن هناك بارقة أمل تشير إلى أن هناك حراكاً دولي في ملف التمويل، الذي يعد ملفاً شائكًا، وسيتم حسمه خلال نهاية القمة بشكل أكثر فعالية، خاصة مع إقرار تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، والذي كانت أنشأته مصر في كوب 27، فبالفعل بدأت الدول وضع المبالغ المالية فيه.
- حشد مؤتمر COP28 للمناخ أكثر من 83 مليار دولار كتمويلات مالية تجاه العمل المناخي في الأيام الخمسة الأولى، وهو إنجاز قياسي جديد يمثل تحولا لحقبة جديدة من التعاون العالمي بشأن تغير المناخ، وانفردت به النسخة الحالية من المؤتمر.
- تتضمن هذه المبالغ تعهدات هي الأولى من نوعها على الإطلاق، تشمل التحول في النظم الغذائية وقطاع الصحة، بجانب إعلانات تتعلق بالطاقة المتجددة وكفاءتها، ومبادرات تهدف لإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة كثيفة الانبعاثات.
وأشار أستاذ الدراسات البيئية، إلى الصندوق الذي تم تأسيسه بقيمة 30 مليار دولار للحلول القائمة على المناخ، وهو صندوق جديد لتمويل الأفكار وتشجيع البحث العلمي في مجال الحلول المناخية.
- أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة صندوقاً لتحفيز التمويل المناخي (ALTÉRRA) بقيمة 30 مليار دولار، يهدف إلى تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030، ولاحقا تعهدت دولة الإمارات بتمويل قيمته 200 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة بها لدى صندوق النقد الدولي.
- علاوة على ذلك تم تخصيص 150 مليون دولار من دولة الإمارات لحل المشاكل المتعلقة بنقص الموارد المائية، وحلول الأمن المائي في المجتمعات الهشة والضعيفة في العالم.
وذكر أن القمة خلال جلساتها الختامية ستعمل على اتخاذ إجراءات عاجلة بالنسبة للرعاية الطبية على مستوى العالم، خاصة بعد أن تم دمج يوم للصحة لأول مرة خلال كوب 28.
ولفت إلى أنه مازال هناك جدالًا قائمًا بشأن ملف الطاقة على طاولة المفاوضات، من المنتظر أن يحسم خلال الأيام الأخيرة، موضحًا أن تقليل الانبعاثات الكربونية مُزعج بالنسبة لبعض الدول والجهات، مشيرًا إلى الأفكار المهمة التي تناولها المؤتمر في هذا السياق.
وأكد أنه إذا لم يكن هناك التزام أخلاقي بما تم التوافق عليه فلا يوجد التزام قانوني، وأن التنفيذ عملية بالغة الصعوبة في ظل ما يشهده العالم من أزمات سياسية واقتصادية تؤثر على قدرة الدول على تنفيذ أي التزامات.
آمال وطموحات
تعكس المقدمات الإيجابية التي شهدها المؤتمر، الإرادة السياسية من جانب عديد من دول العالم إزاء مواجهة التغيرات المناخية، مع إدراك مدى ما تشكله تلك التغيرات من مخاطر تطال الجميع. بينما السؤال المطروح يتعلق بمدى الالتزام بتلك التعهدات.
ومن بين أهم التعهدات أيضاً التي شهدها COP28 ورفعت بدورها سقف الطموحات في نتائج واسعة، إعلان البنك الدولي عن أنه يهدف إلى زيادة تمويل المناخ ليمثل 45 بالمئة من إجمالي قروضه، وهو ما ينطوي على زيادة سنوية 9 مليارات دولار، جنباً إلى جنب إعلان بنك التنمية للبلدان الأميركية عن أنه سيستثمر أكثر من ملياري دولار سنويا حتى 2030 في أمريكا اللاتينية لمكافحة تغير المناخ.
كذلك أعلن بنك التنمية الآسيوي عن أنه سيخصص عشرة مليارات دولار للاستثمار في الأنشطة المناخية بالفلبين بين عامي 2024 و2029. بالإضافة إلى تعهدات مالية من اليابان وفرنسا، أعلنا عن أنهما سيدعمان خطة البنك الإفريقي للتنمية وبنك التنمية للبلدان الأميركية للاستفادة من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي من أجل المناخ والتنمية. وتعهدات بنوك إماراتية بحشد تريليون درهم أو حوالي 270 مليار دولار للتمويل الأخضر.
ويشار إلى أن إجمالي المساهمات المقدمة لصندوق الخسائر والأضرار بلغ 726 مليون دولار بعد أسبوع من الإعلان عن تفعيله. علاوة على تعهدات بقيمة 5 مليار دولار لصندوق المناخ الأخضر (أكبر صندوق دولي في العالم مخصص لدعم الأنشطة المتعلقة بمكافحة تغير المناخ في البلدان النامية).