تعتبر مشكلة المديونية إحدى التحديات الكبرى التي تواجه البلدان الناشئة، حيث يمكن أن تؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي واستقرار الأوضاع المالية.
أمام هذا التحدي الملحّ، تبزغ بالبلدان الناشئة استراتيجيات مبادلة الديون لتخفيف العبء المالي وتحفيز التحول نحو اقتصاد أخضر يعتمد على استدامة الموارد والبيئة.
ومبادلة الديون هي عملية تفاوض بين دائن ومدين بهدف تحسين شروط الديون، وتتضمن تغييرًا في الشروط الأصلية للدين أو تقديم بدائل أخرى، كما يتم تنفيذ مبادلة الديون للتخفيف من عبء المديونية على الدول أو الجهات الفردية.
وهناك عدة أشكال لمبادلة الديون، ومن بينها: تخفيض معدلات الفائدة، وتمديد مدة السداد، وتقديم مساعدة مالية إضافية بهدف دعم الدين في تحقيق التوازن المالي، والتحويل إلى مشاريع استثمارية، وصولاً إلى إلغاء جزء من الدين.
ومبادلة الديون تستخدم غالبًا كآلية لتقديم دعم إضافي للدول أو المؤسسات المدينة التي تواجه تحديات مالية. تحدث هذه العمليات بشكل رئيسي بين الحكومات والمؤسسات المالية الدولية، وتعتبر جزءًا من الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
مناهج التنمية الاقتصادية
وفي هذا الصدد، يذكر أستاذ الاقتصاد السياسي عبدالنبي عبدالمطلب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن منهج مبادلة الديون يعد من أهم مناهج التنمية الاقتصادية، ومن المعلوم أن التنمية الاقتصادية تقوم على عدة أجنحة؛ من أهمها الاستثمار، ومشكلة الدول النامية أنها لا تجد التمويلات اللازمة للاستثمار؛ بسبب ضعف الادخار وارتفاع مستوى الفقر.
ويضيف عبدالمطلب: "من هنا غالباً ما تتجه الدول النامية إما إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر أو إلى الاقتراض سواء من الدول أو الأسواق العالمية أو المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات الداعمة للتنمية".
واعتبر أن أحد أهم المشاكل التي تواجه الدول النامية هي سداد الفوائد وأقساط القروض التي اقترضتها لتمويل عملية التنمية، مضيفاً أنه "كما هو معلوم فإن عملية التنمية هي عملية طويلة ومن المفترض أنها مستمرة، إلا أنها قد تتعثر في بعض الأحيان، ولا تتمكن الدولة من تحقيق معدلات أرباح تضمن سداد الأقساط والقروض ووجود فوائض يعاد حقنها في عمليات الاستثمار من أجل تسريع عملية التنمية".
وأردف بأنه من هنا بدأت المؤسسات الدولية وبدأ الخبراء الاقتصاديون يتحدثون عن ما يسمى بمبادلة الديون واعتبارها هدف مزدوج؛ أولاً كآلية لاستثمار أجنبي مباشر، وثانياً كآلية لتخفيض أعباء ميزان مدفوعات هذه الدول والمتمثل في وفائها بأقساط وفوائد هذه الديون، معتبراً أن عملية مبادلة الديون خاصة للاقتصاديات النامية هي أحد أهم أشكال جذب وتنمية الاستثمار الأجنبي المباشر.
وحول مدى إمكانية مساهمة مبادلة الديون في تحقيق الاستقرار أو التنمية المستدامة والتحول الأخضر، أوضح أن هذا يتوقف على مناخ الاستثمار في الدولة التي تعقد هذا النوع من الاتفاقيات (اتفاقيات مبادلة الديون إما بأصول أو باستثمارات داخل هذه الدولة).
وتابع: ففي حال كان مناخ الاستثمار جاذباً مع تمتعه باستقرار سياسي وأمني وحالة من التنمية تشير إلى أن هذا الاقتصاد يمكن أن يخطو بخطوات ثابتة نحو التنمية؛ فمن المؤكد أن مبادلة الديون سوف تحقق قفزة في عمليات التنمية، وستكون دافعاً لجذب استثمارات أجنبية مباشرة خارج مسألة القروض وخارج مسألة مبادرات مبادلة الديون.
ويدلل على هذا بأن مبادلة الديون تجعل الاقتصاد العالمي والاستثمارات العالمية تبحث عن الأرباح في رصد آثار عمليات مبادلة الديون، وعندما ترى أن هذه المبادلة قد حققت فائدة مزدوجة للدولة المدينة أو للاقتصاد النامي وللدولة صاحبة القرض أو المقرضة فإن هذا الأثر يكون أحد أهم عوامل تحسن مناخ الاستثمار في الدول النامية؛ لأن تحسن مناخ الاستثمار هو أحد عوامل الجذب للاستثمارات الأجنبية.
توفير التمويل
غير أن أستاذ الاقتصاد السياسي، ينبّه بأنه وبالرغم من كون عملية مبادلة الديون إحدى أهم الآليات التي تساعد في عمليات التنمية؛ ولكن وحدها لا تكفي؛ لأن عادةً الدول التي تلجأ لعمليات مبادلة الديون تعاني من مشاكل في توفير التمويل اللازم لعمليات الاستثمار، ومن هنا فالاعتماد على مبادلة الديون واللجوء إلى قروض جديدة يدخل هذا الاقتصاد في دوامة ارتفاع الالتزامات خاصة بالعملات الأجنبية؛وبما يهدد سعر الصرف ويهدد الاستقرار الاقتصادي، ويؤدي إلى ارتفاع التضخم وتخوفات من ارتفاع معدلات البطالة، وكل هذه العوامل منفرة للاستثمار.
ويعتقد عبدالمطلب، بأن مبادلة الديون يمكن أن تكون أحد أهم روافد الاقتصاد الأخضر حال كانت مع الدول المتقدمة المهتمة بالتنمية المستدامة أو التنمية الخضراء أو ما يسمى بالاقتصاد الأخضر، بحيث تبدأ هذه الدول في وضع شروط لمبادرات مبادلات الديون تتضمن اهتمام الدول النامية بتحسين البيئة والحفاظ على المناخ وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري أو الاستغلال الجائر للموارد.
وتتبى عدد من البلدان خطوات في سياق استراتيجيات مبادلة الديون، من بينها على سبيل المثال مصر، التي وقعت مع الصين أخيراً اتفاقات لمبادلة الديون باستثمارات مختلفة أخيراً.
وتُنفذ مصر برنامجين رائدين لمبادلة الديون من أجل التنمية (مع إيطاليا بداية من العام 2001، ومع ألمانيا في 2011) وتم تنفيذ 3 مراحل من البرامج مع الدولتين.
استراتيجيات مبادلة الديون
في هذا السياق، ثمة مجموعة من العناصر يمكن من خلالها رصد كيفية تنفيذ استراتيجيات مبادلة الديون لدعم البلدان الناشئة في مسارها نحو الاقتصاد الأخضر، وهي على النحو التالي:
- إعادة هيكلة الديون: تعد إعادة هيكلة الديون واحدة من السبل الفعّالة لتخفيف عبء المديونية. يتمثل هذا الإجراء في تفاوض البلدان المدينة مع الدائنين لتحديد شروط جديدة للديون، مثل تخفيض معدلات الفائدة أو تمديد مدة السداد. هذا يخلق فرصة لتحسين التوازن المالي وتخصيص الموارد نحو مشاريع تحقيق الاقتصاد الأخضر.
- تعزيز الاستثمار في المشاريع البيئية: من خلال استخدام إيرادات مبادلة الديون لتوجيه الاستثمار نحو مشاريع بيئية، يمكن أن تلعب البلدان الناشئة دورًا أكبر في تعزيز التنمية المستدامة. يشمل ذلك الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، وتطوير وسائل النقل الصديقة للبيئة، مما يسهم في تحسين جودة البيئة وتقليل انبعاثات الكربون.
- الشراكات الدولية: تعتبر الشراكات الدولية أداة حيوية في دعم بلدان الديون، حيث يمكن أن تقدم الدول والمؤسسات الدولية دعمًا ماليًا وتقنيًا. من خلال تعزيز هذه الشراكات، يمكن للبلدان الناشئة تعزيز قدرتها على تنفيذ مشاريع الاقتصاد الأخضر وتحقيق الأهداف البيئية والاقتصادية بشكل فعّال.
- تحفيز الابتكار والتكنولوجيا البيئية: يمكن أن تلعب مبادلة الديون دورًا في تشجيع الابتكار وتبني التكنولوجيا البيئية. عند استخدام عائدات مبادلة الديون لدعم البحث والتطوير في مجال الحلول البيئية، يمكن تعزيز فهمنا واستخدامنا للتكنولوجيا للحفاظ على البيئة وتحسين استدامة الاقتصاد.
تحقيق التوازن
ويعتبر تحقيق التوازن بين تخفيف عبء المديونية وتحفيز الاقتصاد الأخضر تحدّيًا مهمًا. ومن خلال استراتيجيات مبادلة الديون، يمكن للبلدان الناشئة أن تخرج من حلقة الديون القائمة وتسهم بفعالية في بناء مستقبل أكثر استدامة بيئيًا واقتصاديًا.
وفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، توضح خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، أن استبدال الديون دائما ما يكون بين دول مقترضة ودول مقرضة، وتكون الأخيرة دولا عظمى والأولى دولا نامية ولديها مشاكل اقتصادية.
وتضيف بأنه يمكن أن تتمثل مبادلة الديون في استبدالها عبر إقامة الدولة العظمى مشروعات تنموية داخل الدولة المقترضة، وهذا له عائد للدولتين؛ إذ يضمن للدولة المقرضة سداد القرض في المواعيد المناسبة؛ لأنه يتحول إلى مشروع وتفتح لها أسواق جديدة في دولة يمكن أن تكون أسعار المواد الخام لديها منخفضة وكذلك تكلفة الأيدي العاملة، مع تيسير تكلفة إقامة المشروعات ككل.
وعن الفائدة التي ستعود للدولة المقترضة، تضيف رمسيس، بأنها ستستطيع الحفاظ على قيمة عملتها، كذلك هذه الطريقة تفتح آفاقاً جديدة للتوظيف ولاستغلال موارد البلد الخام في الصناعة، ويمكن أن يكون لها باع فيما بعد في التصدير بما توفّر لها من إمكانات عبر إنتاج مواد مبتكرة جديدة وتوطين صناعات.
وتلفت إلى أن الدولة المقرضة هي التي تضع مشورتها بإقامة مشروعات معينة لها نجاح استراتيجي مستقبلي مثل تلك التي تتعلق بالاقتصاد الأخضر واستقدام الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة والاستخدام الأمثل للموارد دون تلوث البيئة ومع الحفاظ على درجة حرارة الأرض.
وتشير إلى أن هناك نجاحات قوية جدا في هذا المجال، فمثلا في مصر بعد كوب 27 حظيت باتفاقات مع الهند والصين، علاوة على استثمارات في مجال الكربون والطاقة النظيفة، وكذلك استخدام الطاقة الخضراء والطاقة الزرقاء في تنمية الموارد. وتخلص خبيرة أسواق المال، إلى أن استبدال الديون هي الطريقة الأمثل لوقف حلقة الديون؛ لأنه عندما تبدأ الدولة في التصنيع والتصدير يكون المخرج الحقيقي من حلقة الديون.