مع انحسار المخاوف السابقة من تمدد الحرب في غزة واتساعها، التقطت أسواق الغاز الأنفاس، ولا سيما مع استئناف الإنتاج في حقل تمار الإسرائيلي بعد توقف دام خمسة أسابيع، الأمر الذي أعيد معه التوازن النسبي للأسعار بعد التذبذبات التي شهدتها خلال الشهر الماضي.
بحسب بيانات مؤشر TTF الهولندي، فإن أسعار الغاز في السادس من أكتوبر، وقبل يوم واحد من التوترات في غزة كانت في حدود الـ 43 يورو لكل ميغاوات ساعة، قبل أن تصعد إلى أعلى مستوى منذ أغسطس، وذلك في 13 أكتوبر، متجاوزة الـ 55 يورو. وقد شهدت الأسعار تذبذبات نسبية قبل أن تنخفض إلى المستوى الحالي عند الـ 47 يورو.
ومع الإشارات الإيجابية الواردة، لا سيما مع عودة تدفقات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، مرتفعة بنسبة 60 بالمئة عن معدلات نوفمبر -وفق بيانات بلومبيرغ- فضلاً عن تأكيدات نقلتها تقارير إعلامية -على لسان مسؤول مصري- تؤكد اعتزام بلاده استئناف تصدير الغاز المسال بنهاية الشهر الجاري، فإن ذلك شكل متنفساً للأسواق.
وتعد مصر مركزاً محورياً لتصدير الغاز إلى أوروبا، حيث يمر بها الغاز الإسرائيلي ويخضع لعمليات الإسالة ثم يتم تصديره إلى القارة العجوز.
وبحسب مصادر بلومبرغ، فقد ارتفعت الإمدادات إلى 350-400 مليون قدم مكعب يوميا، من حوالي 250 مليونا نهاية أكتوبر الماضي؛ ومع ذلك، فإن هذا يمثل ما يقرب من نصف التدفقات الطبيعية قبل الحرب.
وكانت وزارة الطاقة الإسرائيلية قد أصدرت تعليمات لشيفرون، التي تدير الحقل الذي يعد مصدرا رئيسيا للغاز اللازم لمولدات الكهرباء والصناعة في إسرائيل، بإغلاق الحقل مع بداية التصعيد في غزة، والذي اندلع في السابع من أكتوبر الماضي.
فيما أعلنت الشركة الأميركية، الاثنين، عن أنها استأنفت تزويد العملاء في إسرائيل والمنطقة بالغاز الطبيعي من حقل غاز تمار البحري بعد أن طلبت منها وزارة الطاقة الإسرائيلية استئناف الإنتاج.
تأثيرات الحرب
تقول خبيرة النفط والغاز في منطقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الحرب في غزة لها تأثير "بسيط" مباشر على أسواق الغاز والنفط.
- بمجرد عودة التدفقات من حقل تمار، وعودة الغاز إلى مصر، فهذا يعد تطوراً إيجابياً -وإن بشكل محدود- على أسعار الغاز.
- التوقعات السابقة كانت تشير إلى أنه حال ظل حقل تمار مغلقاً، سوف تضطر مصر إلى الاستيراد من الأسواق، وقد تضطر الأردن أيضاً لذلك (..) وبالتالي يكون هناك ضغط على أسعار الغاز.
- عودة حقل تمار أعطت أريحية للسوق.. والآن الكل ينتظر كيف سيكون موسم الشتاء في أوروبا هذا العام.. ومدى الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال عالمياً أيضاً.
وتشير إلى أحدث التقارير التي تشير إلى تصدر الولايات المتحدة كأكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، بينما الصين أكبر مشترٍ، مع تراجع اليابان التي لجأت إلى إعادة تشغيل محطاتها النووية، وبالتالي صارت حاجتها أقل، بينما "السؤال بالنسبة للصين وحجم الطلب من جانبها، وما إن كان ذلك سوف يمثل حالة من عدم التوازن بين العرض والطلب، تؤثر على الأسعار في المرحلة المقبلة".
كما تشير خبيرة النفط والغاز إلى وضع أوروبا، وحاجتها للغاز في الشتاء، وبما قد يقود أيضاً لارتفاعات بأسعار الغاز. لكنها تلفت إلى أن المخزونات الأوروبية حالياً بلغت 90 بالمئة وأحياناً 100 بالمئة في بعض البلدان، كذلك فإن النرويج (وهي أكبر مصدر للغاز لأوروبا عبر الأنابيب) مستمرة في صادراتها، كذلك لا توجد إشكاليات مع الغاز الوارد من الجزائر وأذربيجان "وطالما أن هذه التدفقات مستمرة لا توجد مشكلة بالنسبة لأوروبا".
وتستطرد: "سنراقب الطلب الصيني، وحجم الطلب على الغاز الطبيعي المسال حول العالم.. لكن على ما يبدو أن الأمور تحت السيطرة الآن".
ويشار إلى أن إسرائيل خلال السنوات الماضية أسرعت خطاها في القطاع لتصير منتجاً مهماً للغاز في المنطقة. وقد أنتجت ما يقرب من 22 مليار متر مكعب من الغاز العام الماضي من حقلي ليفياثان وتمار العملاقين، تم نقل 9 مليارات متر مكعب منها إلى مصر والأردن.
كما أن لدى إسرائيل القدرة على زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي، ربما بمقدار 15 مليار متر مكعب بحلول العام 2026، وفق ما ذكرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في تقرير لها.
ومنحت الحكومة الإسرائيلية قبيل أيام -أثناء الحرب- 12 رخصة استكشاف أخرى لمشغلين بما في ذلك شركة إيني الإيطالية وشركة بريتيش بتروليوم.
العوامل الجيوسياسية
من لندن، يشير الخبير في اقتصادات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه:
- عندما تتقلص الإمدادت لأسباب جيوسياسية أو تقلبات في الطقس كما هو الحال في أوروبا عادة ما ترتفع الأسعار.
- كذلك ترتفع مع ارتفاع الطلب العالمي، كما حدث بعد توقف إمدادات الغاز الروسي لأوروبا في العام 2022 وعندما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال لمستويات غير مسبوقة.
- الأسعار الآن عادت لمستويات "معقولة".. وانخفضت بحوالي 3 بالمئة في الأسبوع الثاني من نوفمبر الحالي. وفي بداية الاسبوع انخفضت على مرجع (مؤشر) هولندا المعروف بـ TTF بنسبة 1.8 بالمئة إلى 46 يورو لكل ميغاوات ساعة.
- وصل السعر في أوج أزمة الطاقة صيف 2022 إلى أعلى من 300 يورو لكل ميغاوات ساعة.
ويتطرق خبير اقتصادات الطاقة بالحديث عن استئناف تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر بعد التوقف الأخير، موضحاً أن:
- شركة شيفرون الأميركية للطاقة، أعلنت الاثنين، عن أنها تستأنف توريد الغاز الطبيعي الإسرائيلي من حقول تمار وليفياثان البحرية.. وسيتم تصدير من 350 إلى 400 مليون قدم مكعب يومياً من خلال خط أنابيب غاز شرق المتوسط لمصر.
- استئناف الإمدادات سيلبي جزءاً من حاجة مصر المحلية، وتسييل الغاز في محطات التسييل المصرية وثم تصديره لأوروبا.
- ويشار إلى مسؤول حكومي مصري ذكر أن بلاده ستصدر مليون طن من الغاز الطبيعي المسال قبل نهاية 2023. ويجب الاشارة إلى تصريح المدير التنفيذي لشركة ايني الايطالية للطاقة بأن "مصر ستظل في وضع يسمح لها بتصدير الغاز الطبيعي المسال حتى لو لم يتم تشغيل حقل تمار الإسرائيلي بطاقة كاملة".
- استئناف التصدير المصري للغاز الطبيعي المسال مهم للاقتصاد المصري حيث بلغت إيرادات مصر من تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج 8.4 مليار دولار العام الماضي.
وفي الشتاء الماضي، تمكنت مصر من تصدير 4.5 مليار متر مكعب من الغاز من خلال البنية التحتية لتسييله (محطات الإسالة). ومن دون استئناف الواردات الإسرائيلية، فإنها ستواجه صعوبة في تكرار هذا العمل.
ويوضح إسماعيل أن "السبب في عودة تدفق الغاز الإسرائيلي لمصر هو انحسار المخاوف من تبعات الحرب في غزة، مردفاً: من الواضح الآن أنه لن يتم فتح جبهات جديدة في هذه الحرب، وإيران بقيت محايدة رغم التهديدات الشفهية. بينما المخاوف كانت تتعلق باتساع رقعة الحرب، ولكن يبدو أن الصراع يقتصر على غزة جغرافياً، وبالتالي فإن المخاطر الجيو سياسية تقلصت، ولهذا بقيت أسعار الغاز الطبيعي، وكذلك انخفاض أسعار النفط 20 دولاراً للبرميل منذ يوليو.